مقدّمة

يفيدنا المَجمَع الفاتيكَاني الثاني المقدَّس، إنَّ للإحتفال بالسرّ الفصحي المكانة الأولى في عبادة المَسيحيِّين، وإنَّ هذا الإحتفال يجري على مدار الأيَّام والأسابيع والسنة بأجمعهَا. لذا وجبَ أن يُضفى نور أكثر سطوعاً على سرّ المسيح هذا الفصحيّ، عند تجديد السنة الليتورجيَّة، الذي صاغَ المجمَع المقدَّس أسسه، سواء أكان ذاكَ في تنظيم خدمة الأزمنة الليتورجيَّة وخدمة القدِّيسين، أم في إعادة النظر في التقويم الرومَاني.

مع تعاقب القرون، إتفق أن تكاثرَت الأعيَاد الدينيَّة وعشيَّاتِهَا وثمَانياتِهَا (أي الإحتفال بهَا مدَّة ثمانيَة أيَّام)، وإن تعقَّدَت مختلف أجزاء السنة الليتورجيَّة. ممَّا دفعَ المؤمنين، في كثير من الأحيَان، إلى الإقبَال على أصناف خصوصيَّة من التعبُّد، صرفتهم إلى حدّ مَا عن أسرار الفداء الإلهي.

إلاَّ أنّ أعياد القدِّيسين تراكمَت، عبر القرون، تراكماً تجاوزَ الحدود. لذا صرَّحَ المجمَع المقدَّس قائلاً: "إنَّهُ، لكي لا تتقدَّم أعيَاد القدِّيسين على الأعيَاد التي تذكِّرنا بأسرار الخلاص، فليُترك الإحتفال بالعدد الكبير منها لكلّ كنيسة خصوصيَّة أو بلد أو رهبَانيَّة، ولا يُعَمَّم على الكنيسة جمعَاء سوى الأعياد التي تحيي ذكرى قدِّيسين لهم حقاً أهميَّة شاملة".

وإنَّهُ، في سبيل وضع قرارات المجمَع المسكوني هذه موضع التنفيذ، حُذِفَتْ أحياناً من التقويم العام أسماء بعض القدِّيسين، وخُوِّلَتْ أحياناً صلاحيَّة إقامة ذكرى قدِّيسين آخرين إقامة إختيَاريَّة، وتجديد التعبُّد الذي تخصُّهم به البلاد التي عاشوا فيهَا تجديداً مناسباً. لذا أزيلت من التقويم الروماني أسمَاء قدِّيسين لا يتَمَتَّعون بشهرة بعيدة، في حين أدرجَت فيه أسمَاء بعض الشهداء، ممن نشأوا في ربوع حُمِلَ إليهَا الإنجيل في فترة متقدِّمَة. وقد عملَ هذا الأمر على أن نرى، في قائمَة واحدة، ممثَّلين لجميع الشعوب، متساوين في الكرامة، سواء أسُفِكَتْ دماؤهم من أجل المسيح أم امتازوا بأسمَى الفضَائل.

عبر هذه النافذة لن نتوقَّف على الأعياد، وإنَّما سنلقي الضوء عبر المقالات المتعدِّدة لوجوهٍ كثيرة من قدِّيسين وقدِّيسات، من رهبان وراهبات وعلمانيِّين، كرمليِّين وغير كرمليِّين، لهُم شهرتهم أم لا، وإنَّما طبعوا الكنيسَة الجامعة المقدَّسَة عبر السنين شرقاً وغرباً، بغنىً وتراثٍ عميق، من خلال أعمالهم، وكتاباتهم، وإنجازاتهم، وسيرة حياتهم. وهم اليوم يقدّمون لشعب الله بأجمعِهِ أرفع أمثلة على القداسَة المتجلِّية بوجوه متنوِّعة. وإنَّهُ لغنيّ عن القول ما يعود ذل ك بالخير الروحي على الجماعة المسيحيَّة كلّها.