Page d'accueil Nos saints
Sainte Thérèse de Jésus (d’Avila)
Vocation

الرَّحمة الإلهيَّة وتريزا ليسوع – 2 -
(ضمن سِلسِلة محاضرات أُلقِيَت خلال رياضة سنويَّة لِرُهبان الكرمَل)
الأب جان عبدو الكرمَلي


«بمراحم الربّ للأبد أتغنّى» (مز 88) مع القديسة تريزا ليسوع الافيلية
«Que la miséricorde de Dieu est grande! Voilà que mes méchancetés ont fait du bien à Votre Grâce, et non sans raison, puisque vous me voyez hors de l'enfer, que j'ai bien mérité depuis longtemps; c'est pourquoi j'ai intitulé ce livre "les miséricordes de Dieu"» (L 401)

دخلت القديسةُ تريزا الأفيلية، من خلالِ حياتِها، في عمقِ سرِّ الرّحمة الالهيّة. فكانت الرّحمةُ في قلبِ خبرتِها الروحيّة وتعاليمِها ورسالتِها
وفي التأمُّلِ، «حديثُ صداقةٍ نجريه غالباً على انفرادٍ مع من نعرِفُ أنّهُ يُحبّنا». إختبرَتِ القديسةُ عملَ الرّحمةِ الذي يرفعُ الانسانَ من بؤسِهِ إلى مصافِ شركتِه الخاصه.
لذلكَ وصفَت تريزا الأفيلية كتابَ سيرةِ حياتِها على أنَهُ «كتابُ مراحم الله». فمن خلالِ سردِ حياتِها وخبراتِها تنقلُ لنا خِبرتَها مع الرّحمةِ الالهيّةِ التي خلّصتْها من تجاوزاتِها، بؤسِها، وخياناتِها: رحمةٌ إلهيّةٌ تغفر وتُجدّد، فجاءَت مجملُ كتاباتِها تسبحةً للرّحمةِ الالهيّةِ.

خبرة تريزا الشخصيّة مع الرّحمة الالهيّة:
في الطفولة
في المراهقة
في دير التجسد
في المرض
في الضعف والنقص
مع المسيح المثخن في الجراح
في تجربة الخطيئة
في الرؤى
في التأسيسات
في كتاباتها
في القران الروحي
في احتضارها ومماتها

في الطفولة:
تبدأُ القديسةُ تريزا قصةَ حياتِها بسردِ حالةِ البراءةِ التي كانت تعيشُها قبلَ السقوطِ: كيفَ أنها سعتْ إلى الاستشهادِ لكي تربح السماءَ. «فاتفقنا على الذهاب إلى بلاد المغاربة ونحن نستعطي لوجه الله، حتى يقطعوا رأسنا» (السيرة 1، 4).
العزلةُ للصلاةِ وبخاصةٍ عند تلاوةِ الورديةِ. «كنت أنشد الوحدة لتلاوة صلواتي العديدة، لا سيما المسبحة الورديّة» (السيرة 1، 6).
عندما فقدَت والدتَها كيفَ أنّها توجّهَت نحوَ السيدةِ العذراء راجيةً منها أن تَحُلَّ مكانَ والدتِها. «مضيتُ محزونة الصدر إلى صورةٍ للسيّدة العذراء، وتوسّلتُ إليها بدموع غزيرة لتكون أمّا لي» (السيرة 1، 7).

في المراهقة:
كلُّ تلك الرغبات الصغيرةِ والبريئةِ سوف تَفقِدُها تريزا خلالَ سنّ المراهقة. وكأنّها تعمّدَت سردَها كي تُظهِر لنا رحمةَ الله الصبورةَ التي سوفَ تُطهّرُها في نهايةِ المطاف. «أظنّ أنّ ما سأرويه الآن أحدث لنفسي أذى كبيرًا» (السيرة 2، 1).
قراءةُ كتبِ الفروسيةِ «أخذت عادة مطالعة تلك الكتب تتملّكني» (السيرة 2، 1).
التبرجُ والجذبُ «بدأت أتبرّج وأسعى لأُثير الاعجاب بمظهري» (السيرة 2، 2).
العِشرةُ الطائشةُ «بل أخذت الأذى كلّه عن نسيبةٍ كانت تتردّد كثيرا على بيتنا» (السيرة 2، 3).
«وما زلتُ إلى الآن أشعرُ بتأثّرٍ شديدٍ عندما أرى أن الله قد حباني، في سنٍّ مبكرة، نعمةً أضعتُها بذنبي» (السيرة 1، 5).
«تلك كانت، في اعتقادي، الأمور التي آذتني في بادئ الأمر، وما كان الذَّنبُ ذنبَ من ذكرت، بل ذنبي أنا، لأن مَكري في صنع الشرّ كان كافيّا» (السيرة 2، 6).
«لم يكن قد مضى على اتّباعي تلك الأباطيل ثلاثة أشهر، على ما أذكر، عندما أدخلوني إلى أحد أديرة المدينة» (السيرة 2، 6).

لماذا تحكُم تريزا على ذاتِها بتلكَ القسوة؟
"فيا ربّ! ما دمتَ قد صمَّمتَ، كما يبدو، على أن تخلّصَني، وعلى أن تَغمرَني بمننك كما فعلتَ، فلِمَ لم يَحسُن لديك، ليس لغُنم يعود عليّ بل إجلالاً لك، أن لا يلوِّث الرِجسُ مسكناً كنتَ ستَحلّ فيه على الدوام؟ ويا ربّ! إنّ مجرّد ذكري هذا الأمر يُؤلمني! فأنا أعرف أنّ الذّنبَ كلّه ذنبي؛ فأنت لم تألُ جهداً لتجعلني بكليَّتي منذ هذه السنّ المبكرة ملكاً لك ". (السيرة 1، 8).
لا تُهملُ القديسةُ ذِكرَ أيّ شيئ في كتابِ سيرةِ حياتِها، وذلك كي نعيَ معاناتِها وصراعِها الداخلي، وأن نَلحَظَ مِقدارَ ضَعفِها وخيانَتِها بالرّغم من محبة الله لَها، ولاظهار عظمةَ الرّحمةِ الالهيّةِ التي غيّرت حياتَها.

في دير التجسّد:
اعتزَمَت تريزا الترهُّبَ معتبرَةً الحياةَ الرهبانيّةَ وسيلةً لكسبِ السّماءِ. وفي 2 تشرين الثاني من عام 1535 دخلَت ديرِ التجسدِ في افيلا، وقد أحسّت بمرارة الانسلاخِ عن أبيها. «أذكر ... أنّني حين غادرت المنزل الوالدي تملّكتني غصّةٌ لن تفوقها، في ظنّي، غصّتي ساعة الموت» (السيرة 4، 1). إنما وبعد مرور عام الابتداءِ ولبسِ الثّوبِ الرهبانيِّ تحوّلَ حزنُها الى فرحٍ. وكانت تلك أولى بوادِرِ مفعولِ الرّحمةِ الالهيّةِ في حياتِها. «وشعرت توًّا بفرح غامرٍ بحالتي الرهبانية، فرح ما فاتني قطُّ حتى اليوم، وبدّلَ الله يبوسة نفسي برقَّةٍ كبيرةٍ نحوه» (السيرة 4، 1).

في المرض:
تزامنَ دخولُ تريزا ليسوع الرهبنةَ مع ظهورِ عوارضَ مرضٍ خطيرٍ أذاقها آلامًا مبرحةً «فعلى كونِ سروري الكبير، لم يردَّ عنّي غائلةَ العِلّة. بدأت تزداد حالاتُ الاغماء، وأصابني ألمٌ عنيف في القلب فصار منظري يَروعُ من يراني. واعتورتني آلامٌ أخرى كثيرةٌ معاً» (السيرة 4، 5).
ممّا دفع بوالدِها الى اخراجِها من الديرِ وارسالِها الى عمِّها للمعالجة. هناك، وفي خضمِّ الألم، اختبرَت تريزا رحمةِ اللهِ عندما وُضعَت بينَ يديّها كتبٌ لاهوتيّةٌ خلقَت لديها روحَ الاندفاعِ الى الصلاةِ والتأمّلِ. «وشرع، جلّ جلاله، يغمرني بفيضٍ من مننه ... شرع الربّ يدلِّلي في هذا الطريق حتى إنّه حباني نعمة تأمّل السكينة، بل وصلتُ أحيانا إلى تأمُّل الاتحاد (السيرة 4، 7).

الله هو مبدأ وجود تريزا:
وتحديدًا لذلك، أعطت تريزا أهميةً كبيرةً لسرد أدقِّ تفاصيلِ مرضِها، وذلكَ لأنَّ تجربتَها مع الرّحمةِ الالهيّةِ هي تجربةٌ واقعيةٌ، حسيّةٌ وليست وهميّة:
فعندَ عودتِها الى دير التجسّدِ كانت قد تغيّرت كثيرًا، بعد أن اكتشَفَت حبَّ الله الحقيقي. «لقد كانت مِنّةً عظيمةً النعمة التي أولاني إيّاها الله في التأمّل. فالتأمّل جعلني أفهم معنى حبِّنا إيّاه» (السيرة 6، 3).
ومع الوقتِ، لم تَعُد تريزا كما في السابِقِ، بل أصبحَ بإمكانِها أن تَستَكشِفَ ذاتَها وتُدرِكَ ماهيتَها من خلالِ المسيحِ المتألِم والاقتداءِ به. «أعرف شخصاً، لا يستطيع أن يقول صادقاً، منذ أن بدأ الربُّ يعطيه النعمةَ المذكورة لأربعين سنة خَلَت، إنه أمضى يومًا من دون أن يقاسي أوجاعًا أو عذابات أخرى، أعني بسبب ضعف صحّة البدن ما عدا مشقّات أخرى... قد يكون هناك أشخاصٌ لم يهينوا ربّنا كما أهانه، والربُّ يقودهم في طريق آخر. أمّا أنا فإنّي لأختار العذابات دائما، أقلّه لأقتدي بربنا يسوع المسيح، ولو لم يكن هناك مكسبٌ آخر؛ إنما هناك دائما مكاسب عديدة » (المنازل السادسة 1، 7).
تحوَّلت تريزا بعدَ مرضِها الى شخصٍ أكثرَ روحانيّةً وانسانيّةً. فقد جعلتْها آلامُها تأخذ سبيلَ اختبارِ الرّحمةِ الالهيّةِ، بدءًا من ممارسةِ الصلاةِ التأمليّةِ، وإنكار الذات:
- فأصبحَت تَجهدُ في العنايةِ بالأخوات المرضى.
- لديها ميلٌ شديدٌ نحوَ مساعدةِ الفقراء.
وهنا تحديدًا، نلحظُ الدافعَ العميقَ الذي حثَّ القدّيسةَ على كتابةِ سيرَتِها الذاتية. «أجل هناك، حقًّا، لم تُهنك مرّةً ققط بل مرّاتٍ كثيرةً: أنا هي... فكلّما ازداد الشرّ ازداد تألق خير مراحمك العظيم. فما أولاني أن أترنّم بمراحمك إلى الأبد (السيرة 14، 10).

في الضعف والنّقص:
ولكن بالرّغمِ من التقدمِ الحاصلِ خلالَ فترةِ تعافيها، ابتعدت القديسة عن ممارسة التأمل، وسَعَت طالبةً العزاءَ في أروقةِ دير التجسّدِ، حيثُ كانت تَحثُّ الأخرينَ على التأمُّلِ بعد أن أهملتْهُ تدريجيًا. وفي 26 كانون الأول عام 1543 وعلى أثرِ وفاةِ والدِها، عادَت عن ضلالِها، بعد إصرار معرِّفِها على عودتِها إلى ممارسةِ التأمّلِ، إذ كانت قد تخلّت عنهُ مدةَ عامٍ تقريبًا. هذه التجرُبَةُ الطويلةُ والمؤلمةُ سوفَ تؤثّرُ بالقديسةِ إلى الأبدِ، لأنّها إختبرَت بوضوح خيانَتَها وعدَمَ قُدرتِها على التقدمِ في الحياةِ الروحيّةِ سوى بالتأمُّلِ الذي من خلالِه سوف تؤَهِّلُها الرّحمةُ الالهيّةُ إلى الاهتداءِ الجذري في عام 1554. «فعدتُ إلى التأمّل، وإن لم أتحرَّر من الظروف، وما أهملتُه من بعد قط. كانت حياتي رَهَقَا شديدًا لأنني، في التأمّل، كنت أعي أخطائي بوضوح اكبر» (السيرة 8، 9). «ومع هذا أرى بوضوح عِظَم الرّحمة التي غمرني بها الربّ، فرغم علاقاتي الدُنيويّة، بقيت لي الجسارة على ممارسة التأمّل» (السيرة 8، 2).
«... إنّ التأمّل هو الباب الذي غمرني عبره (الله) بهذه المنن الجزيلة. ولا أدري كيف يُسبغ هذه المنن إذا ما أُغلق هذا الباب، لأنّه إذا رغب في الدخول إلى نفسٍ ليتنعَّم فيها ويُبهجها، فلا سبيل إلى ذلك إلاَّ أن تكون النفس وحيدةً نقيّةً، وتائقةً إلى تلقي تلك المنن» (السيرة 8، 9)

مع المسيح المثخن بالجراح:
بدأتِ القديسةُ تعي تدريجيًا فعلَ الرّحمةِ الالهيّةِ في حياتِها، ففي صومِ عام 1554، وعندما لم تعُدْ تحتَمِل جُحودَها، روت لنا اهتداءَها:
«كانت نفسي تعبةً تصبو إلى الراحة ... وحدث أنّي كنت أدخل المصلّى ذات يوم فشاهدت تمثالاً... كان تمثال المسيح مثخنًا جراحًا... فاعتراني غمٌّ شديد لسوء تشكّري لتلك الجروح حتى خِلتُ قلبي ينفطّر، فانطرحت قربه وأنا أذرف دمعًا مدرارا، أتوسّل إليه أن يقوِّيني نهائيًا فلا أعود أهينه» (السيرة 9، 1).
كثيرًا ما اعتقدت تريزا أنّهُ بإمكانِها خِدمةَ الله من خلالِ قواها الخاصّةِ، واثقةً فقط بقُدُراتِها الذاتيّة. ولكنّ سرعان ما أدركت فشلَها فاستدارَت نحوَ الله، واضعةً ثقتَها بهِ هو:
«كنت أبحث عن علاج، وأبذل المساعي؛ لكنّي لم أكن أفهم أن لا شيء ينفعنا إذا نزعنا ثقتنا بنفسنا نزعًا تامًّا ولم نضعها بالمقابل في الله» (السيرة 8، 12).
فالمسيحُ المُثخن بالجروحِ سوفَ يُصبِحُ للقديسةِ أوجهَ الرّحمةِ عينَها والدافعَ لاهتدائِها:
«في ظنّي أنّ نفسي نالت قوّى عظيمةً من العزّة الالهيّة التي سمعت صراخي وأشفقت عليّ ما ذرفتُ من الدموع» (السيرة 9، 9).
إن نعمةَ عام 1554 تُمثِّل اهتداءَ القديسةِ إلى الحياةِ الصّوفيّة. فتحوّلَت حياتُها إلى تجسيدِ الانجيلِ من خلالِ عملِ الله فيها. فالرّحمةُ الالهيّةُ سوفَ تظهرُ جليّةً في مَسيرتِها. كما أنها سترفعُ تريزا من بؤسِها وتجعلُ مِنها «خليقة جديدة» (2 كو 5؛17).
«إنّ ما سيأتي كتابٌ جديد، أعني حياةً أخرى جديدةً. ما رويتُه حتى الآن كان حياتي؛ أمّا التي عشتُها منذ أن بدأت الحديث عن أمور التأمّل فكانت، في اعتقادي، حياة الله فيَّ» (السيرة 23، 1)
إستسلمت تريزا بكليّتِها لعملِ لله، ولم تعُد تُقاومُه، وذلك لأنَّ روحَها إتّحَدَت بروحِ الله «لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ» (روم 8، 14). ولكنّ تلكَ الحياةَ الجديدةَ سوف تصطَدِمُ بأزمةَ التكيُّفِ مع متطلباتِ تلكَ الحياةِ الجديدةِ، «ولأن نساءً، في تلك الأيام، كنَّ قد سقطنَ ضحيَّةَ أوهامِ الشيطان وخدائِعه، أخذ الخوفُ يساورني لعِظَمِ اللذّةِ والعذوبة اللتين كنت أشعر بهما...» (السيرة 23، 2).
فكانَ على القديسةِ أن تمُرَّ بعد بـ «الليل المنفعل للروح» (Nuit passive de l’esprit) لتَصِلَ إلى كاملِ النضجِ الروحيِّ. ولم يكن لديها ملجأٌ سوى اللجوءِ إلى رحمةِ الله لكي تَنتَشِلَها من تخلي المقربينَ منهَا، والاهمالِ وكلُّ ما عانَتهُ من اضطهادٍ ونكرانٍ. «الخلاصة، أن لا علاج لهذه العاصفة إلا ترقُّب رحمة الله؛ فهو، في ساعة لا تُخال، بكلمة واحدةٍ منه أو بظرف ما يحصل، يبدِّد كلَّ شيءٍ سريعًا» (المنازل السادسة 1، 10).
مكبّلةً بآلامِها الجسديّةِ والنفسيّةِ، كانَت القديسةُ تختبرُ في تلكَ الفترةِ تجربةً عميقةً مع الرّحمةِ الالهيّةِ. كانَت نفُسها تتوقُ إلى البحثِ عن اللهِ «مشوقة بلهفات الحب» (الليل المظلم ك 2 ف 11،6).
وفي اليوم الثامِن بعد عيدِ العنصرةِ، عام 1556 اختبرَت أولَ انخِطافٍ لها. سَمعت من خلالِه اللهَ يقولُ لها: «لا أريدك بعدُ أن تُحادثي الناسَ بل الملائكة» (السيرة 9، 9)
ومنذُ ذلكَ الحينِ، ارتبطَتِ القديسةُ بعلاقةِ صداقةٍ متينةٍ مع السيّدِ المسيح. فكلُّ عاطفَتِها ووجدانِها تحوّلا من لحظَتِها إلى الله. وخلال ذلكَ الانخطافِ كانت لها: «الخطوبة الروحيّة» (المنازل السادسة 4، 2).
وتلك الخطوبةُ الروحيّةُ (والتي تكلّمت عنها القديسة في المنازل السادسة) هي نتيجةُ مسيرةٍ طويلةٍ جَهَدت خلالَها القديسةُ «أن لا تفكّرَ إلا في ناسوتِ المسيح» (السيرة 23، 17) إبّانَ تأملاتها.
فالرّحمةُ الالهيّةُ، التي أصبحَ لها وجهًا انسانيًا في السيّد المسيح، هي القادرةُ فقط على تحريرِها من كلِّ تعلقٍ أنانيٍّ وتوجيهِها نحوَ بناءِ صداقةٍ حميمةٍ مع يسوع المسيح.

في تجربةِ الخطيئة:
عاشت تريزا، خلالَ هذه الفترةِ، تجربةً قويّةً وبخاصةٍ مع الخطيئةِ، بالتوازي مع الرّحمةِ الالهيّةِ:
«تتمثَّل لها فيما بعد حياتُها الماضية ورحمةُ الله العظيمة حقيقتين ناصعتين ودون أي يجدَّ العقلُ في البحث والتنقيب؛ فهناك تجد مُعدًّا ما يجب أن تأكل وأن تفهم. ترى أنّها، بذاتها، تستحقّ الجحيمَ فتُعاقبُ بالمجد، فتذوبُ مدائحَ الله، وإنّي لأودّ، أن أذوب الآن» (السيرة 19، 2).
فتلكَ التجربةُ الخاصةُ سوفَ تُمكّنُ تريزا من الادراكِ بكلِّ وضوحٍ أنّها ليست مصادِرُ كلَّ تلكَ المِنن التي كانت تَحصلُ عليها وبالاخص أنها لا تستحقُها ولم يكن مُسبِبُها الوحيدُ إلا رحمةَ الله تِجاهَها. «يكفي لأن نتبيّن مراحمه العظيمة أنّه غفر لي عُقوقي الفظيع، ليس مرّةً بل مرَّاتٍ كثيرة» (السيرة 19، 10)

في الرؤى:
نوعٌ آخرٌ من تجلّي الرّحمةِ الالهيّةِ، هو «المِنن» الصوفيّة والرؤى الباطنيةُ التي خصّ اللهُ القديسةَ بها:
«فلن يضيرنا النظر في أنَّ إلهًا عظيمًا كهذا الاله يمكن أن يتّصل في هذا المنفى بديدان خبيثة الريح بهذا القدر، وأن محبَّ صلاحًا خيِّرًا كهذا ورحمةً لاحدَّ لها... ويحدث أنَّ من يؤتيهم مِننه ليسوا أكثر قداسةً ممن لم يؤتِهم إياها، بل يفعل ذلك لتُرى عظمته، كما نرى في حياة القديس بولس والمجدلية، ولكي نسبحه، نحن، في خلائقه» (المنازل الأولى 1، 3).
إن تشديدها على ذكر القديسين بولس ومريم المجدلية له مدلولٌ هامٌ جدًا؛ إذ أن علاقةَ الانسانِ باللهِ تقومُ على أساسِ الرّحمةِ الالهيّةِ. والرّحمةُ الالهيّةُ هي التي سمَحَت للقديسةِ أن تَحتَمِل كلَّ تجاربِها الجسديّةِ والنفسيّةِ. «إنه ليصنع معها رحمةً واسعةً بأن لا يفارقها أبدًا ويريدها أن تفهمَه فهمًا واضحًا» (المنازل السابعة 1، 9).
فَمِن خِلالِ تِلكَ المننِ الصوفيّةِ، كَشَفَ اللهُ عن ذاتِهِ للقديسةِ. فشاركَتْهُ أسرارَهُ حتّى أصبحَ، هو بذاتِه، منبعًا لمعرفَتِها اللاهوتيةِ. «كان الربّ قد حباني، منذ زمن طويل، كثيرا من المنن التي تحدّثت عنها ومننًا أخرى سامية. وإذ كنتُ ذات يوم مستغرقةً في التأمّل رأيتُني، فجأة، دون أن أدري كيف، وكأنّني غائصةٌ بكليّتي في جهنّم. فهمت أن الربَّ يُريدني أن أرى المكانَ الذي أعدّه لي الشياطينُ هناك واستحققتُه أنا، بخطاياي... وحصلت لي فيما بعد رؤيا شاهدتُ فيها أشياء مرعبةً، وعقوبات بعض الرذائل... لكنّي أدركتُ جيّدا أنها كانت نعمةً كبيرةً، وأنّ الربَّ أراد أن أرى بعينيّ مما أنقذتني رحمته» (السيرة 32 ، 1-3).
إختبرَت القديسةُ فعليًّا وبكل كيانِها، الخلاصَ المجانيَّ، المعطى من خلال الرّحمةِ الالهيّةِ. وأعلنَت أنّ ذلكَ الوعيَّ كان ثمرةَ «تأمّل الاتحادِ» (oraison d’union). وكلما تقدّمت في إتحادِها الحميميّ مع الله، إزدادَ إدراكُها بأنّها بذاتِها موضوعُ الرّحمةِ الالهيّةِ. «في عيد المجدلية جدّد الربّ تثبيته منّةً كان قد منحنيها في طليطلة، باختياري بديلا عن شخص غائب»(التقارير 32). إذ كانت ترى نفسَها مكان المجدلية في علاقَتِها مع الله: حبٌ رحومٌ غيرُ اعتياديٍّ أحسّت بهِ من قبلِ السيّد المسيح. كما أن الربَّ قد منَّ عليها نعمة َ إختبارِ عظمةَ إفتدائِه: «في أحد الشعانين، بعد التناول، لبثتُ منجذبةً فما كنت أستطيع ابتلاع البرشانة، وحين عدتُ قليلا إلى ذاتي والقربانة في فمي، خيّل إليّ في الحقيقة أنّ فمي كلّه امتلأ دمًا؛ كما خلت أن وجهي وجسدي كلّه مغطّيان بالدمّ وكأن الربّ أراقه لساعته... وقال لي الربّ: «يا ابنتي، أود أنّ يُجديك دمي فائدة، وان لا تخافي من ان تفوتك رحمتي» (التقارير 26).

في التأسيسات:
كانتِ القديسةُ مغمورةً بمراحمِ اللهِ. ولذلك شرَعَت في تأسيس الأديرةِ كي تشهَدَ لـ«المراحم التي يصنعها ربنا إلى النفوس التي جاء بها إلى هذه الأديار» (خواطر في الحب، تمهيد).
يعودُ اندفاعُ القديسةِ في مشاركةِ تجربتِها مع الرّحمة الالهيّة لهدفينِ أساسيين:
- اكتشافُ سبيلَ الاتحادِ باللهِ ومشاركتُه كتعليمٍ روحي.
- اعادةُ عيشَ الانجيلِ في بعدهِ الجماعي (Dimension communautaire).
باتت تريزا مقتنعةً بأن تقدُمَها الروحي ليسَ نتيجةَ جهدٍ شخصيٍّ إنّما ثمرةُ التأمّلِ؛ تأمّلٌ أصبحَ موضعَ خبرتِها مع الرّحمةِ الالهيّةِ، والذي رفَعَها تدريجيًّا من بؤسِها. «بما أن جلاله يعرفُ ضعفَنا، فقد وفرّ لهذا الضعف، بجوده، علاجًا؛ ... إن رحمته كبيرة أيّ كَبِر، فلا يحرم أحدًا السعيَ لورود نبع الحياة هذا ليشرب» (طريق الكمال 20، 1). فكرّسَت آخِرَ عشرينَ سنةً من حياتِها في تأسيسِ الأديار.

في كتاباتِها:
«إنّما أفضتُ في هذه التفاصيل لأبرز رحمة الله، وأُظهر عقوقي، وحتى يُقَدَّر، من جهّةٍ أخرى، الخيرُ الجزيل الذي يهبه الله نفسًا يُعدها لتمارس التأمّل بعزمٍ قويّ، ولم لم تكن مستعّدةً كما يجب... فأنا على يقين من أنّ الربّ يقودها، إلى شاطئ الأمان، كما يبدو لي، الآن، أنه قادني إليه» (السيرة 8، 4).
إن الهدفَ الأوحدَ في جميعِ كتاباتِ القديسةِ ما هو إلا لإبرازِ رحمةِ اللهِ وحثِّ القارئ على خوضِ تجربةِ الرّحمةِ الالهيّةِ إذ أنها: «نبعُ الحياة».

في القران الروحي:
في 11 تشرين الثاني من عام 1572، ولمّا قسَمَ القديسُ يوحنا للصليب القربانَةَ وناوَلَها، سَمِعَت صوتَ الربِّ يقولُ لها:
«أنظري هذا المسمار؛ انّه علامة بأنك ستكونين عروسًا لي منذ اليوم. لم تستحقّي هذا حتى الساعة؛ لكن، من الآن وصاعدا، ستتعهّدين شرفي، ليس فقط كخالق، وكملك، وكإله لكِ، بل كعروس حقيقيّة لي، شرفي هو شرفُك، وشرفُك شرفي» (التقارير 35).
إختبرَت تريزا في تلك الرؤية ما جاءَ على لسانِ البابا القديس يوحنا بولس الثاني في: Encyclique Dives in Misericordia
« La miséricorde, lorsqu’elle est authentique, engendre l’égalité entre celui qui fait miséricorde et celui qui obtient miséricorde »

في احتضارها ومماتها:
قبلَ يومين على وفاتِها كتَبَت على ورقةٍ معرِفةً عن نفسِها بالقول: «تريزا ليسوع الخاطئة»
وهكذا أرادت أن تُعرّف عن نفسِها في آخرِ لحظاتِ حياتِها، مردّدةً على فراشِ الموتِ «القلبَ المنكسرَ والمنسحقَ يا الله لا تحتَقُره» (مزمور 50، ارحمني يا الله حسب رحمتك)
أمّا الله فأغدقَ برحمتِه عليها حتى في ساعةِ مماتِها، إذ عندما أسلَمَت الروحَ فاحَت من جسدِها رائحةٌ ذكيةٌ. وفي حينِه شُفيَت الراهبةُ إليزابيت للصليب عندَ لَمسِها جسَدَ القدّيسةِ.

Saint
Joseph Epoux de la V. Marie

Sainte
Thérèse de Jésus (d’Avila)

Saint
Jean De La Croix

Sainte
Thérèse de l’Enfant Jésus de la Sainte Face

Sainte
Thérèse-Bénédicte de la Croix

Sainte
Marie de Jésus Crucifié

Sainte
Elisabeth de la Trinité

Bienheureuse
Thérèse Marie de la Croix

Saint
Raphael Kalinowski

Bhx. Fr.
Marie-Eugène de L'Enfant Jésus

Autre Saints

les Saints du Carmel

Carmel Kids