Page d'accueil Nos saints
Sainte Thérèse de Jésus (d’Avila)
Vocation

الرَّحمة الإلهيَّة وتريزا ليسوع – 3 -
(ضمن سِلسِلة محاضرات أُلقِيَت خلال رياضة سنويَّة لِرُهبان الكرمَل)
الأب جان عبدو الكرمَلي


«بمراحم الربّ للأبد أتغنّى» مع القديسة تريزا ليسوع الافيلية

إختبرت القديسةُ تريزا ليسوع الافيلية الرّحمة الالهيّةَ، بشكلٍ مختلفٍ، سَواءٌ كانت تتلقاها من اللهِ الأبِ أو الابنِ أو الروحِ القدسِ كما سوف نرى في لقائنا اليوم. وحتمًا إنَّ تلكَ الرّحمة هي دائمًا «رحمةٌ الهيّةٌ»، لذلكَ نلاحظُ أنَّ القديسةَ تصفُها دائمًا بـ «رحمةِ اللهِ» وذلكَ كي تَزيدَ من خبرتِها وإدراكِها لتلكَ الرّحمةِ. كما أنّهُ يجبُ أن لا ننسى أنَّ القديسةَ كتبتْ أعمالهَا بعدَ أن إختبرَتْ حياةً صوفيّةً قويّةً. فمن جهةٍ، أدركَتْ تريزا بوضوح «خطاياها الكبيرةَ» (السيرة 1،1) ومن جهةٍ أخرى إختبرت «رحمةَ اللهِ».
«انّ حياتي كانت من السوء بحيث لم أجد لي عزاءً في أي من القديسين الذين تابوا إلى الله. فقد رأيتُ أنهم انصرفوا عن اهانة الربّ بعدما دعاهم إلى الهداية. أما أنا، فما كنت أعود إلى حال أسوأ... تبارك الله إلى الأبد لطول انتظاره إيّاي» (السيرة المقدمة).
«رأيت أننا، بسبب خطيئة واحدة مميتة، نستحق، بعدل، جهنَّم، إذ لا يُمكننا أن نقدِّر الخطورة البالغة في اقترافها في حضرة جلالٍ رفيع كهذا، وكم هي بعيدةٌ عن سموَّه أشياءُ كهذه. وهكذا يُرى فيضُ رحمته؛ فعلى معرفتنا بكلّ هذا، نراه بنا حليمًا» (السيرة 40، 10).
فمن مقدمةِ كتابِ السيرةِ حتى خواتيمِهِ تقصُ علينا القديسةُ خبرتَها مع الرّحمةِ الالهيّةِ وكأنّنا أمامَ «بيداغوجيا الرّحمة الالهيةِ» التي تنتشلُ الانسانَ من بؤسِهِ لتوصلَهُ إلى الخلاصِ والاتحادِ بالله. اختبرت تريزا إخلاصَ اللهِ الثابتَ واللامتناهيَ والمتناقضَ مع طبيعتِنَا البشريةِ غير المخلصةِ والضعيفةِ. «الله لا يتغير» «يكفي لأن نتبيّن مراحمَه العظيمة أنّه غفر لي عقوقي الفظيع، ليس مرّةً بل مرَاتٍ كثيرة» (السيرة 9، 10)
لذا جاءت صفاتُ الرّحمةِ في كتاباتِ القديسةِ من صفاتِ اللهِ: - رحمةٌ «في كل وقت» (رسالة 436، 1)
- رحمةٌ «لا يمكن أن تنضب» (السيرة 19، 15)
- رحمةٌ «كثرة» (السيرة 19، 5)
- رحمةٌ «متألقة» (السيرة 14، 10)
- رحمةٌ «لا حدّ لها» (المنازل الأولى 1، 3)
ومن أهمِّ ما تيّقَنت منهُ القديسةُ أنَّ رحمةَ اللهِ تستخرجُ الخيرَ من الشرِ فيتجلّى من خلالِها مجدُهُ وعظمةُ حنانِهِ الأبوي.
«فمهما كانت أعمالي سيِّئةً وناقصةً، كان سيّدي هذا يُصلحها، ويُكمّلها ويُضفي عليها قيمةً. أما أخطائي وآثامي فكان يُسرع في سَترها. وهو، جلّ جلاله، يُعمي عنها نواظرَ من شاهدوها، ويبدّد أثرها من ذاكرتهم. إنه يُذَهّب أخطائي، ويُلألئُ فضيلةً وضعها فيَّ الربُّ نفسه مرغِمًا إيَّاي تقريبًا على قبولها» (السيرة 4، 10).
فيتضحُ لنا أنّ القديسةَ أرادت أن تشدِّدَ من خلالِ كلامِها هذا، كمّ أنّ ضعفَنَا وخطايانا يُعطيان الربَّ فرصَة إخلاءِ ذاتِه في رحمةٍ لامتناهية الحنيّةِ والرأفة.

في الرّحمة الالهيّة وحيٌّ إلهيٌّ
تتجلّى رحمةُ اللهِ الآبِ في:
- محبتِه.
- حكمتِه.
- عظمتِه.
- قدرتِه.
- اللهُ الآب، أبُ المراحم.
- يسوعُ المسيح: الرّحمة الالهيّة المتجسّدة.
- رحمةُ الروح القدس.
- غايةُ الرّحمةِ الالهيّةِ: القرانُ الروحيُّ.

رحمةُ الله الآب، رحمةُ الله في محبتِه
من خلالِ الرّحمةِ الالهيّةِ تجلّى لأمّنا القديسةِ تريزا ليسوع:
- وجهُ عريسِ نفسِهاL’Epoux de son âme .
- حبُّ الله اللامتناهي.
«أكيدًا، ان رحمة الله عظيمة؛ فأي صديق نجده طويل الأناة مثله؟» (خواطر في حب الله 2، 19). فبواسطةِ تلك «الأناةِ» الطويلةِ تِجاهَها إكتشفت القديسةُ مدى عظمةِ «الصداقة الالهية».
«الصديق الحقيقي والوحيد، الذي عليه فقط نعتمد، هو الله» (رسالة 179، 4).
وتُشبّهُ سنينَ فتورِها لمعركةٍ روحيةٍّ حيثُ برزتْ محبةُ اللهِ الرحومة، «أشيرُ هنا إلى السلاح الذي يُصَوِّبه الشيطان إلى نفسٍ ليقتنصها، وإلى براعة الربّ ورحمته اللّتين يستخدمهما لاستعادتها إليه» (السيرة 8، 10).
ففي «معركةِ الحبِّ» تلك، «يَجرحُ» اللُه النفسَ مظهرًا لها محبَتَهُ الرحومَةَ.
«آه، يا محبًّا حقيقيًّا، يا لَعِظَم الشفقة، والعذوبة، واللذّة، والبهجة، ويا لَعِظَم علامات الحبّ التي تشفي بها هذه الجراح التي احدَثتَها بسهام هذا الحبّ عينه!» (ابتهال 16).
فمنذُ لحظةِ إهتدائِها أحسّت تريزا ليسوع بحبِّ اللهِ تِجاهِها، فبادلَتْهُ الحبَّ، ثمرةَ الرّحمةِ الالهيّةِ؛ فلا ترغبُ النفسُ، من بعد ذلك، سوى الاتحادَ باللهِ.
«عندما يريد جلاله أن يحقّق برحمته طلب العروس هذا، فإنّه يبدأ بإقامة صداقة مع النفس لا يدركها منكنَّ إلا اللواتي اختبرنها، كما قلت» (خواطر في الحب 4، 1).
تعرفُ القديسةُ تريزا أن الحبَّ الالهيَّ هو «حبٌّ خالقٌ»، مما يعني هو وحدُهُ يُمكنُه أن يرحَمَ النفوسَ. و معَهُ إختبرت حنوَّ وطيبَة اللهِ. «إنه لا يتعب أبدًا من العطاء، ولا يمكن أن تنضبَ مراحمُه؛ فلا نكلَّنّ، نحن، من قبولها» (السيرة 19، 15).
ولا تكفُّ القديسةُ عن تَردادِ كلمةِ «المِنَن»، والتي تَقصِدُ بها كلَّ ما وهبَها إياهَ الله برحمتِهِ. فحتى أنَّ آلامَها وتجارِبَها ومِحَنَها قد اعتبرتْها مننًا من الله.
«فانه إذا سمح بهذا (أي الحزن) فذلك يعني أنه يناسبك لتكسبي مزيدًا من المجد... ما أعظم أحكام إلهنا العظيم هذا! سيأتي زمن تقدرينها فيه، سيدتي، أكثر من كلّ الهناءات التي نعمتِ بها في هذه الحياة. الآن، تؤلمنا الحالة الحاضرة، لكن إن تأمّلنا في الطريق الذي سلكه، جلّ جلاله، هنا في هذه الحياة، وسار فيه جميع الذين نعرف أنهم يتنعّمون في ملكوته، فلن نجد شيئًا أكثر من المعاناة، ولا ما يضمن لنا الثقة أكثر منها بأننا نسير في الطريق الصحيح في خدمة الله» (رسالة إلى السيدة نييتو 41 – 389)
وهكَذا، ومن خلالِ الرّحمةِ الالهيّةِ التي اختبرتْها طوالَ حياتِها، تجلّى حبُّ اللهِ للقديسةِ بشموليتِهِ.

رحمةُ الله في حكمتِه
من خلالِ الحبِّ الرحومِ، يتَّحِدُ اللهُ بالنفسِ في المحبّةِ اللاهوتيّةِ (la charité théologale) ويُمّكِنُها مشاركَتَهُ حكمتَهُ. فالنفسُ تتأمّلُ حكمةَ اللهِ من خلالِ النورِ الالهيِّ المضيءِ لها. «فاذا اقتربت من معلّم الحكمة هذا، فقد يوحي إليّ بعض اعتبارات تسرّكنّ ... أن المعلم نفسه حين يدرّب التلميذ يفعل ذلك متودّدًا إليه، ويروقه أن يسرّه ما يعلّمه إياه، ويساعده كثيرًا كي يفهم. وهذا ما سيفعله معنا المعلّم السماوي» (طريق الكمال 21، 4).
عَرَفَت تريزا في التأمّلِ صِلَةَ الوصلِ بينَ المعرفةِ والحبِّ الالهيّ. فحبُّها ليسوعَ المسيح جَعَلها تتّحدُ مع «الحكمةِ» نفسِها. «فلمّا كانّ العالمُ بحِكمتِهِ لم يَعرفَ الله في حِكمةِ الله، حَسُنَ لدى اللهِ أن يُخلّصَ المؤمنينَ بحماقةِ التبشيرِ... إننا نبشرُ بمسيحٍ مصلوبٍ، عثارٍ لليهود وحماقةٍ للوثنيين وأما للمدعوّين... فهو مسيح، قدرة الله وحكمةُ الله» (1 كو 1، 21-24).
خلال حبِّ المسيحِ الرحوم الذي ذهبَ حتى حماقةِ الصليب، راحت تريزا ليسوع تتأمّلُ حكمةَ اللهِ المتجليّةَ في المسيحِ.
«آه أيتها الحكمة التي لا تدرك! كم وجب أن تستخدمي كلّ الحبّ الذي تكنّينه لخلائقك لتستطيعي احتمال شدّة حماقةٍ كهذه وتنتظري شفاءنا منها... آه يا إلهي، كم تحتمل من أجل الذين يتأسفون قليلا لآلامك! انظروا أيّها المسيحيون، ولنفكّر جيّدا في الأمر، فانّنا لن نبلغ أبدًا إلى أن نعرف ما ندين به للإله ربّنا وندرك أفضال رحمته» » (الابتهالات 12، 2-5).
فالاتحادُ، الذي يقودُ النفسَ كي تتذوقَ الحكمةَ الالهيّةَ، هو بذاتِهِ عملٌ فائقُ الطبيعةِ، يتخطى القدرةَ الانسانيّةَ، ويُظهرُ لنا بطريقةٍ رائعةٍ حكمةَ اللهِ الرحومة.
وتوضحُ تريزا أنَّهُ في «تأمّلِ الاتحادِ»: «إنّ حكمة الله تعوّض هنا ما يفوت النفس، فيرتّب، هو، طريقة كسبها مِننًا فائقةً في تلك الحال. لأنها إذا كانت خارج ذاتها إلى هذا الحدّ ومستغرقةً في تلك الحال بحيث لا تستطيع أن تعمل شيئًا بواسطة قواها، فمن أين لها أن تستحق؟» (خواطر في حبّ الله 6،6)

رحمةُ الله في عظمتِه
إن الحبَّ والحكمةَ الرحومَين، واللذينِ يُظهرهُما اللهُ للقديسةِ، يكشفان سموَّ اللهِ وعظمتَهُ الالهيّة.
إنَّ الرّحمةَ الالهيّة التي إنتشلت تريزا من بؤسها، تَكشِفُ لها عظمةَ من تسميه باستمرار«جلالتَهُ». ومن خلال الرّحمةِ الالهيّةِ اللامتناهيّةِ، أيضًا، يُظهر الله لتريزا حقيقةَ عظمتِهِ. «يا يسوعي! ما أروعَ رؤية نفسٍ بلغت إلى هذه الحالة ثم سقطت في الخطيئة، حين تعود، ربّي فتمدُّ يدَك إليها، برحمتك، وتُنهضها! ما أروعَ إدراكها كثرةَ عظائمك ومراحمك، وشقاءَها! عندئذٍ تذوبُ حقًّا وتعرفُ عظائمك» (السيرة 19، 5).
كما اختبرتِ تريزا أنه من خلالِ تجربةِ الضعفِ والألمِ تظهرُ عظمةُ اللهِ جليّةً للانسان. «لو لم يكن الربّ قد أغدق عليّ ما أغدق من المنن، لما ملكت شجاعة، في ظنّي، للقيام بالأعمال التي تحققت، ولا قوة كافية لاحتمال المشقّات التي عانيت، والمناهضات، والأحكام... كان على جلاله أن يوفّر لي ما يفوتني، أعني كلّ شيء، لتحقيق النتيجة ولإظهار عظمته بصورة أفضل في شيء كهذا حقير» (التقارير 34).
فكلُّ فترةِ اليبوسِ الروحي الذي مرّت به الأمّ القديسة، عُوِّضَت بنعمةٍ من الذي أظهرَ لها قدرتَهُ وعظمتَهُ. فغطت جلالَةُ سخائِه جميعَ زلاتِها، وأنمتْها بالفضيلةِ.
هكذا خَبِرَت تريزا الرّحمةَ الالهيّةَ بشكلٍ واقعيٍّ ومتماسكٍ، فتحرّرت من قيودِها وتخطّت العوائِقَ وبخاصّةٍ بؤسَها وآلامها.
ووجدت راحةً وعزاءً كبيرين بحضرة «جلالتِه» الالهيّة. كما تجلّت عظمة الخالق بذلك الفعل الالهيّ.
أعطت الرّحمةُ الالهيّةُ القديسةَ، قوَّةً، وأزالت عنها ضعفَها ونقائصَها وأبدلتْهُما بفرحٍ سماويٍّ.
ولكي نتبيّن جيّدا أن تلكَ القوةَ مصدرُها اللهُ وعظمةُ رحمتِهِ توضح القديسة: «أفهم أن يتركَها (أي النفس) الربُّ عندئذٍ على سجيَّتها لخير أكبر يعود عليها. لأنها ترى حينذاك أنها، إذا نعمت بحماسةٍ لأمرٍ ما، فإما جلاله أعطاها إيّاها؛ وتراه بوضوح يَدعها مُعدمةً بنظرِ ذاتها، وعلى معرفةٍ أوفر برحمة الله وعظمتِه، وقد أراد أن يُظهرهما لها في أمرٍ حقيرٍ كهذا » (المنازل السادسة 6، 5).

رحمةُ الله في قدرتِه
في المفهومِ الالهيِّ، فإنَّ الكلامَ عن عظمةِ اللهِ توازي قدرتَهُ اللامتناهيةَ. كذلك فإنَّ قدرتَهُ تناقضُ أيَّ «رغبةٍ في القوة» كما هو في المفهوم الانساني؛ إن قدرةَ اللهِ هي تحديدًا عنصرُ رحمتِه.
وتلكَ القدرةُ تَظهرُ جليًّا عندما يرفعُ اللهُ نفسًا بائسةً. كما حصلَ مع تريزا التي اختبرت قدرةَ اللهِ خلالِ المِنَنِ الصوفيّة التي منحَها إياها.
فإن مفعولَ الانخطافِ على النفسِ يجعلُها «في ساعةٍ، بل وفي أقل من ساعةٍ، تصير سيّدةً على المخلوقات جميعًا وحرّةً حيث لا تعود تعرف ذاتها» (السيرة 20، 23).
واتضحَ لتريزا مدى صِغَرِها أمامَ تلك القدرةِ الالهيّة؛ فابتهلت قائلةً: «اللهمَّ ما أعظمَك! ما أروع ما تفصحُ عن قدرتك وأنت تعطي نملةً جرأة!» (التأسيسات 2، 7). فمصدرُ المِنَنِ الصوفيّةِ يَكمُنُ في الله نفسِه، وغايَتُها تقضي التعرُّفَ إلى العظمةِ الالهيّة وتسبيحِها. «فليكن مسبَّحًا إلى الأبد، آمين، لأنه بتنازله ليتّصل بخلائق حقيرةٍ هذه الحقارة، يريد أن يُظهر عظمته!» (المنازل السادسة 9، 18).
وأيقنت تريزا من خلال تأملاتِها، أن الرّحمةَ الالهيّةَ تُمنح للخطأةِ. فعلى الجحودِ، والخطيئةِ، وصلبِ ابنهِ، كان ردُّ الله الوحيد: الرّحمةُ الالهيّةُ. وهذا ما يظهر عظمَتَهُ.
وإن كانتِ القديسةُ تُعجبُ بتلك الرّحمةِ الفريدةِ، فهي تعلمُ أن تلكَ الرّحمةَ هي مطابقةٌ لطبيعةِ اللهِ. فبابتهالاتِها تناشدُ الله أن ينعمَ على الانسانِ بتأمّلِ بعظمةِ رّحمتهِ الالهيّة. «اليوم، يا ربّ، لا يريدون أن يروا. آه، يا له من داء لا شفاءَ منه! هنا، يا إلهي، يجب أن تظهر قدرتك، وتتجلّى هنا رحمتك» (الابتهالات 8، 2). واللهُ بقدرتِه الرحومة، إنتشلَ تريزا من العدمِ وسمحَ لها مشاركتَهُ الحياة.
واختَبَرَت القديسةُ أن تلكَ الرّحمةَ لا حدودَ لها. فهو «الكليّ القدرة»، «القادر على كل شيء»، وأنَّ كلماتِه هي أفعالٌ.
«إنك لقدير، أيها الإله العظيم... آه يا ربّ، إنّي أعترف بقدرتك. إذ كنت قديرًا أنت، ربّي، أرِد؛ فرغم انني بائسة، أعتقد اعتقادًا ثابتًا انك تستطيع ما تريد... وأي عجب في أن يفعل القادر على كلّ شيء ما يفعل؟ ... أنت تعرف حقًّا، يا الهي، أنّني، في غمرة تعاستي، ربّي، ما كففت قطّ عن الاقرار بقدرتك العظيمة وبرحمتك...» (الابتهالات 4، 1-2)

اللهُ الآب، أبُ المراحم
«كونه أبًا، عليه أن يحتملنا مهما ثقلت إهانانتا. وإذا رجعنا إليه فعليه أن يغفر لنا كما غفر للابن الشاطر، وعليه أن يعزّينا في المحن، وأن يُعيلَنا كما يترتّب على أبٍ مثله، لأنه محتَّمٌ أن يكونَ خيرَ آباء الدنيا جميعًا؛ إذ لا يمكن إلاّ أن يتوافر كلُّ خيرٍ عميقًا؛ وفوق كلّ هذا، عليه أن يجعلنا شركاء في الميراث معك (أي الابن)» (طريق الكمال 27، 2).
تعمّدَت تريزا إظهارَ كيفية ممارسة الرّحمةِ الالهيّةِ من قِبلِ الأقانيمِ الثلاثة. وبدا ذلك فعليًّا في تأمُّلِها حول صلاةِ الأبانا، حيث أصرت على إبرازِ رحمةِ اللهِ الآب.
ففي غفران اللهِ المجانيِّ لخطايانا، «ينفسِحُ المجالُ واسعًا» (طريق الكمال 26، 2) لرحمتِه بحسب قول القديسة تريزا فنعرف عندها أنهُ «آب المراحم».
كما أنَّها اختبرت شخصيًّا أن «آب المراحم» ليس بإلهٍ بعيدٍ، إنما بالعكس، فهو حميمٌ جدًا ومحبٌّ لأولاده. «أتحسبن أمرًا قليل الأهميّة لنفس غافلة أن تفهم هذه الحقيقة وترى أن لا ضرورة لذهابها إلى السماء كي تتحدّث واباها الأزلي، وأن تتنعّم معه، أو أن تتكلّم بصوت مرتفع؟ فمهما خفضت صوتها، فهو قريب جدًّا منّا فيسمعنا. ولا حاجة بها إلى أجنحة لتمضي فتبحث عنه، بل أن تختليَ بذاتها وتنظر إليه في داخلها، وأن لا تستغرب وجود ضيف طيّب مثله، بل أن تخاطبه بتواضع مخاطبتها أباها، وتساله كما تسأل أبًا...» (طريق الكمال 28، 2).

رحمة الله الإبن
يسوع المسيح: الرّحمة الالهيّة المتجسّدة
أرسلَ «آب المراحمِ»، من فيضِ حبِّهِ، ابنَهُ الوحيدَ لخلاصِ الانسانِ.
«الآب يعطينا
ابنه الوحيد:
يأتي إلى العالم اليوم
في كوخ حقير.
يا له فرحًا عظيما،
فالانسان صار الله!»
(قصيدة الميلاد 13)

يسوعُ هو عملُ رحمةِ الآبِ بامتيازٍ
«انك أتيتَ إلى العالم من أجل الخطأة» (الابتهالات 3، 3)
فالشخصُ الذي كانَ أداةَ اهتداءِ القديسة هو شخص «المسيح مثخنًا جراحًا». وبجانِبِهِ سوفَ تَجِدث رحمةّ غزيرةً.
فمن خلالِ «ناسوت المسيح الأقدس» يَفيضُ الله نِعَمَهُ على تريزا.
وفي تأملُاتِها وانخطافاتِها، عَلِمَت أن سببَ التجسُّدِ والالامِ وموتِ المسيح يعودُ إلى فعلِ «الرّحمةِ الالهيّةِ». «فلمَّا ظهَرَ لُطفُ اللهِ مُخلِّصِنا ومحبُّهُ للبشرِ، لم ينظُر إلى أعمالِ برَّ عمِلناها نَحنُ، بل على قَدرِ رَحمَتِهِ خلَّصَنا بِغُسلِ الميلادِ الثاني والتَّجديدِ منَ الرُّوحِ القُدُسِ الذي أفاضَهُ علينا وافرًا بيسوعَ المسيحِ مُخلِّصِنا، حتّى نُبرَّرَ بنعمتِهِ فنصيرَ، بِحسَبِ الرَّجاء، ورَثَةَ الحياةِ الأبديَّة» (طيطس 3، 4-7)
وانكبّتْ تريزا في تأمّلِ ناسوتِ المسيحِ بعد أن اختبرَتْ شخصيًا غزارةَ النعمِ التي وهَبَها إياها اللهُ من خلال الابْنِ، «انّي لأرى بجلاءٍ، وقد رأيتُ ذلك من بعدُ، أنّه حتى نرضيَ الله وكي يغمرَنا أنعامٍ جزيلة، يريدُ أن يكون ذلك بواسطة هذا الناسوت المقدّس الذي قال، جلّ جلاله، إنّه به يُسَرُّ. لقد طالما أدركتُ هذا الاختبار مرارًا ومرارًا، والربُّ أخبرني به. وقد تبيَّن لي أنَّ علينا الدخول من هذا الباب إذا اردنا أن تكشفَ لنا العزَّةُ الساميّةُ أسرارًا عظيمةً» (السيرة 22، 6).
وكلّما جَهَدَت في تأمّل «الناسوت المقدّس»، زادَ اتحادُها بالله. وهذه النعمةُ الساميّةُ ما هي إلا ترجمةٌ للرحمةِ الالهيةِ، التي تجلّت بحضورِ اللهِ معها دائمًا. «إنه ليصنع معها رحمةً واسعةً بأن لا يفارقها أبدًا ويريدها أن تفهمَه فهمًا واضحًا» (المنازل السابعة 1، 9).
حتى وصلَت بها إلى القرانِ الروحي، الذي يعتبرُ قمةُ الاتحادِ بمن هو «رحمةٌ الهيّةٌ». فتواجُدُه الدائِمُ وحنانُهُ وحبُّهُ هو نظير التواجدِ والحنانِ وحبِّ العريس لعروسِه، وهو أقوى تعبيرٍ للرحمةِ الالهيّةِ المتجسدةِ في السيّدِ المسيحِ.
فمن خلالِ ذلكَ المسارِ، كشفَ المسيحُ رحمتَهُ لتريزا، وانكشفَت لعيني القديسةِ شخصيّةَ الربِّ الالهِ. «ففي حضور صديقٍ صالح كهذا الصديق، ومع قائدٍ طيّبٍ كهذا القائد كان طليعة المتألِّمين، يُمكن احتمالُ كلِّ شيء. إنه عونُنا ومانحُ القوّة. لا يتركُنا ابدًا. إنه صديقٌ حقيقيٌ» (السيرة 22، 6).
وتوطّدَت صداقتُهُما لدرجةٍ أنَّ المسيحَ عقدَ معها «قرانًا روحيًا» وأصبحَ بالتالي عريسَ نفسِها.
«من الان وصاعدًا، ستتعهّدين شرفي، ليس فقط كخالق، وكملك، وكإله لكِ، بل كعروس حقيقيّة لي» (تقارير 36).
اذ إنَّ رحمةَ المسيحِ جعلَته قريبًا جدًا من تريزا، لدرجةٍ أنّها قالت: لعلّ شدّة رحمتِهِ دفعته إلى التخلي عن ذاتِه والاتحادِ بتلك البائسةِ الضعيفةِ.
"Vous vous humiliez à un degré si extrême que vous vous unissez à nous dans votre demande, et vous faites le frère de créatures aussi basses et misérables" (C, Escorial 44,2)
فهذا الاخلاءُ أي «اخلاءُ المسيح» لا يشوّهُ معرفةَ تريزا الحيَّةَ بسموِّ الجلالةِ الالهيّةِ. فانَّ مُصطلحَ «جلالة» يردُ كثيرًا في كتاباتِ القديسة. إنّها عبارةٌ مهمةٌ تصف واقِعَها الروحيّ. فهي تحثنا على الكسبِ قدرَ الامكان، الفضائلَ التي تليقُ بالعريس-الملك.
ملكٌ يختلفُ عن ملوكِ الارضِ برحمتِه على وجهِ التحديد. «انظروا ملككم فستجدوه الآن وديعًا» (الابتهالات 12، 4).
هذا الملكُ هو أيضا «الديّان» الذي تتكلمُ عنهُ الكتب. فإنّ عدمَ محبَتِه، هو المجازفة بأن نَجلُبَ لأنفُسِنا «النَّار الأَبَدِيَّة الْمُعَدَّة لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ» (متى 25،41). فيسوعُ المسيحُ «قادمٌ إلى هنا كصديقٍ حميمٍ» (المنازل السادسة 9، 6) والاستخفافُ برحمتِه وجمالِه هو من المستحيلاتِ بالنسبة إلى تريزا: «وأقول لكنَّ قولةّ حقٍّ، إني، على حقارتي الكبيرة، ما خِفتُ قطّ من عذابات الجحيم، وهي ليست بشيءٍ مقابل تذكُّري مشهد الهالكين ينظرون غضبى عينَي الربّ تينك الجميلتَين، الوديعتَين، الرقيقتَين، وهو منظرٌ لا أتصوَّر قلبي يستطيعُ احتمالَه» (المنازل اللسادسة 9، 7).
لم تكن تريزا تهابُ ديّانًا رحومًا، إنما كانت تخافُ عقوقَها هي.
تلكَ المقاربةُ توّحِدُ تمامًا كلَّ أوجِهِ الرّحمةِ الالهيّة. فهي تنحني على الخليقةِ لكي تصيِّرَها آلِهةً وتدخِلَها منازلَ الله. وإن قاومَتْها النفسُ، تُسقِطُ مشروعَ خلاصِها وتُهينُ اللهَ بعلاقتِهِ بالخليقةِ؛ وهي علاقةُ رحمةٍ. فعدلُ اللهِ تجاهَ خليقتِه ،تعكُسُ رحمتَهُ القابلةَ للرفضِ من قبلها.
وبعدَ أن اختبرت تريزا الرّحمةَ الالهيّةَ، إتخذت المسيح، طوال مسيرتِها الروحيّة، كمعلمٍ ومرشدٍ. «وكان الربّ ينصحني دائمًا في كل أمرٍ، حتى إنّه كان يقول لي كيف عليّ أن أتصرّف مع الضعفاء ومع بعض الأشخاص. إنّه لايُهمِلُني أبدًا» (السيرة 40، 19).
علّمَ يسوعُ تريزا فعلَ الرّحمةِ. فهو مثالُها، وعملُ الرّحمةِ الالهيّة قد وصلَ إلى أقسى درجاتِه عندما ضمت تريزا حياةَ المسيحِ إلى حياتِها هي. فكان لها السيّدُ المسيح «الطريق والحق والحياة».
إنَّ الرؤيةَ التريزيانيّةَ لسرِّ المسيحِ هي في الأساسِ رؤيةٌ فصحيّةٌ. فالقديسةُ تتأمّلُ آلامَ المسيحِ بالتزامنِ مع قيامتِه، أي في سرِّ الفداءِ. «كان الربّ يتمثّل لي دائمًا تقريبًا قائمًا من الموت... ورأيتُه أحيًانًا يحمِلُ صليبَه، وفقًا لحاجاتي ...، أو لحاجات آخرين؛ إلاّ أنّه كان دائمًا بجسدِه الممجّد» (السيرة 40، 19).
كنَزَت تريزا من تأمُّلِها لآلامِ المسيحِ فوائدَ عظيمةً. ففي تأمّلِها بنشيدِ الأناشيدِ، تغنّت تريزا بارتقاءِ النفسِ بواسطةِ اتضاع ابنِ الله: «يا للروعة حين تدني شجرة التفاح هذه الإلهيّة أغصانها لتقطف النفس ثمارها أحيانًا وهي تتفكّر في عظائمها وكثرة مراحمها التي أفاضتها عليها، ولكي ترى وتذوقَ الثمرة التي أطلعها سيّدنا يسوع المسيح بآلامه عندما روّى هذه الشجرة بدمه الثمين، وبحبّ عجيب!» (خواطر في حب الله 5، 5).
فذلكَ «الاخلاءُ» (La Kénose) هو فعلُ الرّحمةِ الأسمى. وفي سرِّ الافخارستيا، إكتسبت تريزا ثمرةَ الرّحمةِ؛ أي الاتحادَ في اللهِ. ففي أحدِ الشعانين، في 8 نيسان 1571 وبعد التناولِ، سمعت اللهَ يقولُ لها: «يا ابنتي، أودّ أن يُجديك دمي فائدة، وان لا تخافي من أن تفوتك رحمتي» (التقارير 26، 1).
وفي 11 تشرين الثاني، حينّ ناولها القديس يوحنا الصليب ، بلغت عندها نعمةَ القرانِ الروحيِّ. وفي الاتحادِ بيسوعِ المسيح، الوسيطِ، تصلُ تريزا إلى التأمّلِ بالثالوث المقدس. «... ويبلُغوا إلى مَعرفَةِ الحَقّ، لأنَّ الله واحد، والوسيط بين اللهِ والناسِ واحد، وهو إنسان، أيِ المسيحُ الذي جادَ بنفسِهِ فدًى لجميعِ الناس» (1 طي 2، 5).
وعلى ضوءِ اختبارِها المسيحانيّ، لم تنسَ أيضًا التأمّل بوالدةِ المسيح. «ومرّة أخرى، كانت الراهبات جميعهُن في الخورس يقمن بالتأمّل بعد صلاة المساء، فشاهدتُ السيّدةَ العذراء في مجدٍ عظيم ترتدي معطفًا أبيضَ وكأنها تحمينا جميعًا تحته» (السيرة 36، 24).

رحمة الله الروح القدس
في الفصلِ الخامسِ من «خواطرَ في الحبِّ» تتأمّل تريزا في نشيد الأناشيد. «جلست في ظلّ من اشتهيه، وثمره حلوّ في حلقي» (نشيد 3،2)، فقابلَتْها ببشارةِ الملاك للسيدةِ العذراء «قوة العليّ تظللُكِ» (لوقا 35، 1)، وفي ظلِّ الحبيبِ، أي المسيح، تدخلُ تريزا في: «غمامة من الألوهة من حيث ترد تأثيرات وندى كثيرُ العذوبة» (خواطر في الحب 5، 4(، وتتغذى من «الثمرة التي أطلعها سيّدنا يسوع المسيح بآلامه... وبحب» (خواطر في حب الله 5، 5) والثمرةُ هي الروح القدس.
«في اعتقادي أن الروح يجب أن يكون وسيطًا بين النفس والله، وانه الذي يحرّكها بهذه الأشواق الملتهبة، ويضرمها بنار علويّة قريبة جدًّا. آه، يا ربّي! ما اعجب المراحم التي تسبغها على النفس! فلتكن مباركًا وممجدًا إلى الأبد، فإنكَ محبّ، فائق الصلاح» (خواطر في الحب 5،5).
وفي تعاليمِها الروحانيّةِ، تقولُ لنا تريزا بأن الحياةَ المسيحيّةَ الأصيلةَ تبدأ حينما تنمو تحت تأثيرِ الروحِ القدسِ فقد شبهتها بشرنقة الحرير، التي تُلخِصُ المسارَ الروحيَّ للنفس.
«إن هذه الدودة تبدأُ حياتَها عندما تَشرع تستفيد، بفعلِ حرارة الروح القدس، من العون العام الذي يؤتيه الله جميعًا، وعندما تأخذ تستفيد من الأدوية التي وكَل أمرَها إلى كنيستِه كممارسة الاعتراف، والقراآت الصالحة، والمواعظ» (المنازل الخامسة 2، 3)
وهو الذي يحوِّلُها إلى يسوعِ المسيح، «حين تكبر هذه الدودة، ...، تبدأ بصنع الحرير، وبناء المنزل حيث عليها أن تموت، أريد أن أبيّن أنَّ هذا المنزل هو المسيح... أنّ حياتنا محتجةٌ في المسيح، أو في الله، لا فرق في ذلك، أو أنّ حياتنا هي المسيح» (المنازل الخامسة 2، 4).
فالحياةُ في المسيحِ هي ثمرةُ الروحِ، وهو الذي حوّلَها لتكونَ عروسةَ المسيح. صنعَ الروحُ القدسُ من تريزا «شخصًا روحانيًّا» أي أنها عاشت ديناميكية الاتحاد: - مع الله في التأمّل.
- مع أخواتِها في جماعاتِها.
- مع مرشديها واللاهوتيين.
- مع الكنيسة.
- في بحثِها في الكتبِ عن البصيرةِ وحسنِ التمييزِ
- في أمانَتِها للأنجيل
وبما أنّ الماءَ هو رمزُ الروح القدسِ، اتخذت منهُ القديسةُ أولى مقارناتِها لتُلخّصَ بذلكَ حياتَها الروحيّة. فالروحُ القدس هو نبع الرّحمةِ الالهيّةِ في اختبار أمّنا تريزا ليسوع الأفيلية.

غاية الرّحمة الالهيّة: القران الروحي
إنّ ما هو مميزٌ واستثنائيٌّ بالقديسةِ تريزا، هو أنَّ واقعَ بؤسِها الشخصي لم يمنعْ العملَ الالهيّ من الوصولِ الى خواتيمِه. لذا تمكّنت تريزا من تبيان غايةَ الرّحمةِ الالهيّةِ.
فالنفسُ التي تقبلُ الرّحمةَ الالهيّةَ بملئِها، تدركُ «القران الروحي» بدءًا من الأرضِ. اختبرت تريزا أن مُجمَلَ عملَ الرّحمةِ الالهيةِ منظمٌ بهدفِ الاتحادِ بالله. «يبدو لي غالبًا أنَّ النفسَ لم تكن على أتمِّ الاستعداد حالاً، فإنّ الربّ يُعِدُّها شيئا فشيئا، وينفحها عزمًا، ويُعطيها قوّةً رجوليّةً لتدوس برجليها كلَّ شيء. إنّ ما فعله على الفور مع المجدليّة يفعلُه مع أناس آخرين بقدرِ ما يُتيحون له، جل جلاله، أن يفعل. ما زال يشقُّ علينا أن نصدِّق أنّ الله يُعطي، حتى في هذه الحياة، بدلَ الواحد مائةَ ضعفٍ» (المنازل الخامسة 2، 4).
مدركةً أنهُ لا يُمكن الوصولُ الى الاتحادِ من دونِ الرّحمة، لذا فقد صرّحت تريزا: «لا نستطيع أن نبحثَ عن الله إلاَّ إذا كنّا مائتين عن العالم، ليكلّفنا ذلك غاليًا. فلا المجدلية، ولا السامريّة، ولا الكنعانيّة كنّ غائبات عنه حين وجدنَه» (مناكدة 6).
الرّحمةُ الالهيةُ هي دائمًا فاعلةٌ، لتقوّيَّ، وتَحمِي حتى الممات، من تَعهّدَ خِدمتَها. وقدرةُ اللهُ العليّةُ تُعطي بلا حدود وتحوّلُ النفسَ بحريتها أسيرةَ الحبِّ. «بل إنه يأمر بأن تُغلقَ ابوابُ هذه المنازل كلُّها، وأن يبقى مفتوحًا فقط بابُ المنزلة الموجودِ هو فيها ليُدخِلَنا. تباركت هذه الرّحمة الواسعة» (المنازل السادسة 4، 9).
يُخلّصُ الربُّ النفس من بؤسِها ويحوّلُها من دودةٍ صغيرةٍ إلى فراشةٍ سماويّةٍ. وفي القرانٍ الروحي «يُدرك الأمر – أكثر من أنّ النفس، أعني روحَ هذه النفس، تصيرُ والله واحدًا» (المنازل السابعة 2، 3). «ما أسعد الذين تأسرهم رحمة الله بقيود إحساناتها القويّة وسلاسلها فيفقدون قدرتهم على الافلات»
فالحبُّ الرحومُ يتحولُ إلى حبٍّ أسمى وهو ما يُعرف بـ «القران الروحي» والذي فيه تتساوى النفسُ بالمسيحِ بهدفِ انصهارها بهِ؛ «إن من اقترن بالربّ فقد صار وإياه روحًا واحدًا» (1قور 6، 18).
لقد وصلَت خبرةُ القديسةُ مع الرّحمةِ الالهيّةِ ذُروتَها في الكمِّ من النعمِ التي منَّ الله عليها، حتى أنها أفصحت أن الله ذاته سألَها مرة: «ما تُراك تسألينني، يا ابنتي، ولا أفعله؟» (التقارير 59). فها هو اللهُ، في «القران الروحي» يُظهرُ لها حبًّا مِلأهُ الرقةَ والحنان: «هنا كلُ ما في الأمر حبٌّ بحبٍّ، وعملياتُه صافيةٌ كلِّ الصفاء، لطيفةٌ كلَّ اللطف، عذبةٌ كلَّ العذوبة، لا سبيل إلى وصفها؛ إلا أنَّ الربَّ يَعرف جيّدًا كيف يُشعرُ بها» (المنازل الخامسة 4، 3).
وهكذا أوصلَها اللهُ إلى النهايةِ المبتغاةِ؛ أي إمتلاك الله نفسَ القديسةِ في النعيمِ الأبدي. «يبدو، ربّي، إن نفسي تستريح عندما تفكر في اللذّة التي ستحظى بها إذا أنعمت عليها رحمتُك أن تتلذّذ بك» (الابتهالات 4، 1).
فأصبح بامكانِ تلكَ النفسِ أن تعيشَ ملءَ الانجيلِ، وأن تُمثّلَ في وسطِ الكنيسةِ حضورَ المسيحِ ذاتَه؛ فبمقدورها عندئذ القيامَ بأعمال خارقة: «إذا تزوجت، فلاَّحة بسيطة الملك ورزقت أبناء، أفلا يكونون من دم ملكي؟ فإذا أنعم الله ربّنا على نفس بمنّة عظيمة جدًّا بحيث يتحد بها بدون انقسام، فأيّة مفاعيل، وأيّ أبناء ذوي أعمال بطوليّة لا يولدون من [هذا الاتحاد] إن لم تقف الخطيئة عائقًا؟» (خواطر في حب الله 3، 9).
هذا هو عملُ الرّحمةِ الالهيّةِ. وهكذا اكتشفت تريزا أن إلهها هو عريسٌ ملؤُه الرحمة والحنان. وغايتُه هي الاقتران الأبديّ والروحي بها ويُكسِبها بحسبِ مشيئته «كما في السماء كذلك على الأرض».
فتلك الكلماتُ هي ليست بِسرابٍ، إنما هي لتريزا بمثابةِ حقيقةٍ تجسدّت في حياتِها اليومية. فمسيرتُها وكتاباتُها الروحيةُ تشهدُ على الوحيّ الالهيّ في واقعيةِ حياتِها اليوميةِ.

Saint
Joseph Epoux de la V. Marie

Sainte
Thérèse de Jésus (d’Avila)

Saint
Jean De La Croix

Sainte
Thérèse de l’Enfant Jésus de la Sainte Face

Sainte
Thérèse-Bénédicte de la Croix

Sainte
Marie de Jésus Crucifié

Sainte
Elisabeth de la Trinité

Bienheureuse
Thérèse Marie de la Croix

Saint
Raphael Kalinowski

Bhx. Fr.
Marie-Eugène de L'Enfant Jésus

Autre Saints

les Saints du Carmel

Carmel Kids