Page d'accueil Nos saints
Sainte Thérèse de Jésus (d’Avila)
  • Sainte Therese De Jesus

مصلحة الكرمل ومؤسسة الأديار
كتابة: الأب شاهين ريشا الكرملي

بدأت رهبانية الكرمل قبل تريز دافيلا، وأكملت مسيرتها بعدها بفرعين منفصلين. في هذه السطور سنحاول عرض صلة هذه القدّيسة بالرهبانيّة الكرمليّة المذكورة وتوضيح دورها وتأثيرها فيها.

1- الكرمل قبل تريز دافيلا
الكرمل جبل في شمالي فلسطين يشرف على مدينة حيفا الساحليّة، يمتاز بالغابات والمناظر الخلاّبة. زرقة البحر على أقدامه وزرقة الأديم تلامس قمّته. فلا غروَ إذًا، إن اختاره إيليا النبي للتنسك في سفوحه، متعبدًا لله الواحد. منه أطلق النبيّ كلمته فانحبس مطر السماء، وعليه صلّى فاستمطرها غيثًا بدُعائه. هناك استنزل نارًا على أعدائه ومحرقته، وكان ظهوره عجيبًا وغيابه أعجب.

وأضفى إيليّا على الجبل قبسًا من روحه، فارتبط اسم الجبل باسمه، وتوارثه الأنبياء من بعده، أوّلهم اليشاع، ثم بنو الأنبياء، ثم النسّاك المسيحيّون حتى القرن الثاني عشر: يشهد ذلك الحجّاح الذين يزورون الأماكن المقدّسة في القرون السابقة.

يقول أحدهم:
«كان هناك آخرون يقتدون بهذا الرجل القدّيس والناسك، النبي إيليّا، يعيشون في عزلة على جبل الكرمل، وخصوصًا في الجزء من الجبل المشرف على مدينة حيفا، بالقرب من عين إيليّا، غير بعيد عن دير الطوباوية مرغريته، ساكنين صوامع صغيرة في الصخور».

ويقول آخر: «على بعد من دير القدّيسة مرغريته، على سفح هذا الجبل (الكرمل) في موقع جميل ولطيف، يسكن النسّاك اللاّتين المدعوون «اخوة الكرمل» وقد شيّوا هناك كنيسة صغيرة وجميلة جدًا اكرامًا لسيدتنا».

من هذه الأقوال نستنتج موجز أهداف الرهبانيّة الكرمليّة كما ابتدأت على جبل الكرمل:

لكن توالي الحملات الصليبية دفعت العدد الكبير من الأوروبيين إلى التنسك على جبل الكرمل طلبًا للصلاة والتقشّف على مثال النبي إيليّا. عندما طلب رئيسهم القدّيس بروكردس، من السلطة الكنسيّة في القدس قانونًا رسميًّا ينظّم حياة النسّاك ويعترف بوجودهم في الكنيسة تحت اسم «اخوة سيدة جبل الكرمل». فوجّه إليهم البطريرك القدّيس البير رسالة سنة 1209 ضمّنها أهم عادات النسّاك والتقاليد التي تنظّم حياتهم مشدّدًا على العزلة والتقشّف في الصلاة «قرب عين إيليّا». بهذه الرسالة حصل النسّاك على نظام لا يزال إلى اليوم قاعدة حياة لجميع فروع الرهبانيّة الكرمليّة.

إلاَّ أن توالي هجمات المسلمين على الأراضي المقدّسة، بدأ يهدّد مصير الرهبانيّة الجديدة فانعقد اجتماع عام، قرّ الرأي فيه على انتقال قسم من الرهبان إلى أوروبا لتتابع الرهبانيّة سيرها. وأما الباقون على الجبل فكان نصيبهم الذبح والتشريد عندما استولى العرب على فلسطين.

لم يكن هذا الانتقال نهاية للضيقات بل بدايتها. لقد قامت على الكرمليّين حرب شعواء تدعو إلى منع هذه الرهبانيّة الجديدة. فهرع رئيسها العام القديس سيمون ستوك، إلى السيدة العذراء، أخت الكرمليّين و أمّهم الحنون، لكي تحمي اخوانها. فاستجابت سيدة جبل الكرمل دعاءه، ومنحت رهبانيّته حماية دائمة بواسطة حمل ثوب الكرمل.

وأكملت الرهبانيّة طريقها، واضطرّت أن تجاري الرهبانيّات الأخرى في نمط عيشها، في الفقر والرسالة. فسمحت للرهبان بسكنى المدن، وبما أن الرسالة لها مقتضياتها وموجباتها، اضطرّ الرهبان إلى التثقّف ودخول الجامعات والمعاهد اللاهوتيّة والمساهمة في تأسيس مراكز ثقافة رهبانيّة.

وتأسس الفرع النسائي سنة 1452. ولما تفشّى الطاعون في أنحاء أوروبا وقضى على ثلث سكانها، التمس الرهبان من البابا أوجانيوس الرابع تلطيفًا لقانونهم الصارم، فلبّى البابا طلبهم سنة 1432، وسمح للرهبان بتناول اللحم وتخفيض قانون الخلوة والصمت وقواعد الفقر الرهبانيّ. إلاَّ أن بعض الرهبان أصرّوا على اتباع الصرامة الأولى، فتتالت الحركات الاصلاحيّة دون أن تفلح في العودة إلى الأصل.

2- دير التجسّد
كان قانون الراهبات الكرمليّات يفرض عليهن العيش ضمن حصن، لا يخرجن منه إلاَّ عند الضرورات القصوى، ولا يقابلن احدًا، قريبًا كان أم بعيدًا. إلاَّ أن دير التجسّد الذي دخلته تريزا سنة 1535، كان يمارس عادات اخرى، بقيت إرثًا عن المتعبّدات القديمات. لقد كان في الأصل مسكنًا لنساء متعبّدات يتجاوزن المئتين، يجتمعن للصلاة والتعبّد وعمل الخير والاحسان للفقراء أو المحتاجين وزيارة المرضى وموآساة المعذّبين. وفي سنة 1515، أي سنة ولادة تريز دافيلا، تحوّل إلى دير للراهبات المحصّنات. إلاَّ أن العادات القديمة بقيت هي هي، ورثتها الراهبات الحديثات عن السالفات، كعادة الخروج من الدير للزيارات والتمييز بين الفقيرات والشريفات في المسكن والملبس والمأكل. نعرف أن تريزا كانت تسكن شقة كبيرة أسوة بالراهبات الشريفات؛ أما الفقيرات، فيسكنّ في منامات عامة يتدبرن طعامهن قدر المستطاع بعملهنّ أو من خلال أريحيّة المحسنين. ولقد وجدت النظم الرهبانيّة الجديدة بعضَ المعارضة، فاضطرّت الرئيسات إلى التغاضي عن بعض الشذوذ والسماح للراهبات بالتصرّف حسبما يقتضيه مزاجهنّ واستجابة إلى رغبات المحسنين إلى الدير.

هذا ما وجدته تريزا يوم دخلت دير التجسّد 1535. وهذا ما عاشته هي نفسها حتى سنة 1554، يوم ارتدادها، كما تروي هي نفسها في كتاب سيرة حياتها سنة 1562.

3- إصلاح أم تأسيس جديد
في أيلول سنة 1560 كانت تريزا مجتمعة ببعض صديقاتها الراهبات في غرفتها، «فإذا بواحدة منهنّ تقول لي وللجميع، إذا كنّا نريد أن نعيش تبعًا لطريقة الراهبات الحفاة الفرنسيسيّات، فمن الممكن أن نؤسس لنا ديرًا لهذه الغاية. جاء هذا الاقتراح متجاوبًا تمام التجاوب مع امنياتي.

وفي أحد الأيام كلّمني الربّ بعد المناولة، فأمرني بالعمل بكل طاقاتي على تاسيس الدير المنشود، مؤكدًا لي، بصورة لا تقبل الشك، أن المشروع سينفّذ، وأنه تعالى سيحظى فيه بخدمة صادقة وفيّة. ولم يتوانى تبارك اسمه عن إفهامي الحقيقة التي مؤدّاها أنه بالرغم من كون العائلات الرهبانيّة فقدت حرارة إيمانها الأصليّ، إلاَّ أن وجودها يسهم في تمجيد الله إلى حدّ كبير». (سيرة 32: 10-11).

نستشهد باعترافات تريزا نفسها لنستوضح اهدافها في التوجّه نحو نمط رهباني آخر:

بعد أن أعطتها الرؤيا الربّانية العزم والحزم، راحت تريزا تعدّ العدّة لاتمام أمر الربّ، فاوعزت إلى سيدة صديقة النواحي الماديّة، كشراء البيت وترميمه وإستحصال الإذن من روما؛ وفاتحت الرئيس المسؤول، فأخذ على عاتقه الناحية القانونيّة، وإن تبيّن فيما بعد أنّه متقلّب في آرائه. أما معرّفها فبقي متحفّظًا نظرًا للصعوبات التي ستعترض المشروع، لكنّه شجّعها على متابعة السعي في الخفية. وبعد مضي سنتين، في 24 آب 1562 افاقت مدينة آفيلا على نقرات ناقوس يعلن افتتاح دير القدّيس يوسف للكرمليّات، بدءًا باقامة القدّاس واتشاح أربع فتيات ثوب الكرمليّات الحافيات، وسط استحسان البعض وامتعاض الكثكيرين وغصبة المدينة.

4- عاصفة
عندها أمرت تريزا بالعودة فورًا إلى دير التجسّد وبشرح عملها ونواياها للرئيسة. ولما استمعت الرئيسة إليها انشرح صدرها وقطعت لتريزا وعدًا بان تسمح لها بالعودة إلى دير مار يوسف الجديد حالما تهدأ غضبة المدينة.

وراحت تريزا تصلّي إلى الربّ أنّ يتدبّر الأمر بنفسه ويدافع عن خادماته وديره، فأوكل الربّ إلى أحد معرّفيها مهمّة الدفاع عن عملها أمام اللجنة الملكيّة الكنسيّة للبتّ بأمر الدير الجديد، وكان الرأي الجامع إقفال الدير وطرد المبتدئات. استطاع هذا الكاهن أن يرجيء التنفيذ وأن يترك الأمر للسلطة الكنسيّة التي ما عتمت أن وافقت على نظام الدير الجديد ونذر العيش بفقر كامل دون إيراد أوملكيّة ثابتة.

م تستطع تريزا العودة إلاَّ بعد سنة، لكن العمل الذي قامت به نما وصلبت فروعه. فأوت إلى عشّها كاليمامة الضائعة وبقيت زهاء أربع سنوات هادئة، تصرف وقتها في الاستسلام للصلاة وتثقيف الراهبات الجديدات وتعليمهن طريقة التأمّل وأصول الحياة الروحيّة. فما أن أنهت كتابة سيرة حياتها حتى طلب إليها تأليف كتاب يشرح طريقة التأمل: فجاء كتاب «طريق الكمال» (1566).

بقيت تريزا على علاقة طيّبة برؤساء الرهبانيّة المحليّين والعامّين، وبديرها الأصلي؛ لا بل سعت بعض الراهبات إلى الانضواء تحت لواء الدير الجديد. وازدادت شهرتها وإشعاع الفرح الذي تتميز به تلك العائلة الصغيرة. فانهالت على تريزا طلبات كثيرة بتأسيس أديار أخرى في نواحي كثيرة من اسبانيا إلاَّ أن تريزا كانت ترفض دائمًا.

سنة 1567 زار اسبانيا الرئيس العام للرهبانيّة الأب جان باتيست روبيو، وحضر لرؤية الأم تريزا. فسرّ كثيرًا لما حقّقته في آفيلا، بعد أن كانت التقارير المغرضة قد أوغرت صدره ضدّها. فسمح لتريزا ببناء أديار أخرى شبيهة، شرط ألاّ تتجاوز حدود مقاطعة الأندلس.

قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاصلاح الكرملي، لا بد لنا من رسم ملامح عمل تريزا الجديد؛ وإن أجرينا المقابلة بين الطريقة الجديدة وعادات دير التجسّد لتبيّن لنا أن ثمة فروقات.

في دير مار يوسف في دير التجسّد
بناء صغير، ليس إلاَّ بيتًا أعيد ترميمه، لا يُسْمَحُ أن يتجاوز عدد الراهبات فيه ثلاثة عشر راهبة. بناء ضخم فخم، يتّسع لأكثر من مائتي شخص من راهبات وسيّدات تقيّات.
تشديد على الفقر الكامل، والعيش من عمل الراهبات وحسنات المحسنين. علاوتة على حسنات المحسنين، كان للدير مورد رزق ثابت؛ وتضطر الراهبات أحيانًا إلى الخروج من الدير بسبب ضيق اليد.
ثوب حشن تخيطه الراهبات أنفسهن. ثياب غنيّة فضفاضة.
لا تمييز بين الراهبات ولا نبل إلاَّ في محبة يسوع واعتناق الفقر. احتفاظ بالألقاب النبيلة، وتمييز بين الراهبات من حيث الشرف والغنى في المأكل والملبس والمسكن.
انقطاع عن اللحم، أصوام عديدة، مائدة مشتركة. الأطعمة على أنواعها، الشريفات يسكنّ مقصورات خاصّة ولهنّ مطبخ مستقل.
لا خروج من الدير إلاَّ في حال المرض الخطير، أو في مهمّة رهبانيّة هامّة. ويُستقبل الزائرون من وراء الحجاب والشباك. يُسمح برفع الحجاب أمام الأهل الأقربين. حريّة نسبيّة في الخروج من الدير، واستقبال الزائرين والتحدّث إليهم.
للصلاة أوقات طويلة موزّعة على ساعات النهار، وإلحاح في المواظبة على التأمل اليومي في الساعتين المفروضتين والصمت أثناء النهار، وفي أوقات العمل ما عدا الفرص الجماعيّة. لا تشديد في التزام الخلوة والصمت والمواظبة على الصلاة والتأمل.

كيف يمكن لمن اعتاد العيش الكريم أن يلتزم بهذا التبدّل في مظاهر العيش، الفرديّة والجماعيّة، الخارجيّة النفسيّة، وأن يفتّش عنه كما فعلت تريزا؟

والعجيب في الأمر، أن تريزا استطاعت أن تُرَغِّبَ فيه، وان تجرّ إليه كثيرات من الفتيات أو من الراهبات رفيقاتها في دير التجسّد؛ ودليلها في ذلك التشبّه بالمصلوب الذي تراه على الصليب عريانًا مجرّدًا عن كلّ غنى أو بهاء. وكم كانت دهشة تريزا عظيمة وفرحها كبيرًا لمّا اكتشفت أن العيش الأكثر تقشّفًا واختلاء للصلاة، الذي ترغب فيه هو لبّ النظام الكرمليّ القديم: ليس لها إذًا أن تخرج على نظام الرهبانيّة بل أن تعيشه وأن تمارس جميع موجباته مهما بلغت التضحيات حبًا بالمسيح. لكن هذا الاكتشاف المتأخّر أحدث نوعًا من الغموض في نفوس الكثيرين ممن استحسنوا عمل تريزا. سنراه جليًّا في طريقة إصلاح فرع الرجال وما استتبعه من خصومات بين الكرمليّين الحفاة والكرمليّين القدامى، ثم بين الكرمليّين الحفاة أنفسهم.

5- الإصلاح في فرع الرجال
أثناء هذه السنين رأت الأم أنه من الضروري إيجاد رهبان كرمليّين يمارسون عادات دير مار يوسف ونمط عيشه، كي يساعدوا الراهبات في مسيرتهم الروحيّة على أكمل وجه. فسعت لدى الرئيس العام لذلك، فاذن لها بتأسيس ديرين للرجال حسب طريقتها.

وبينما كانت في مدينة دل كامبو في آب 1567، تعد تأسيس دير جديد في تلك المدينة ومعها الإذن الخطّي من الرئيس العام، عرضت مشروعها على الأب انطونيو دي هريديا. فدبّ الحماس في نفس هذا الراهب المتقدّم في السنّ الذي تنقصه رفاهيّة العيش. لكن تريزا أبدت تحفّظًا، وطلبت منه الاستعداد للمشروع متمرسًا بالأمانات والتقشّف.

وعلمت أن هناك راهبًا شابًا، أتى مدينته لإقامة قدّاسه الأول بين أهله، ربما يفي بالطلب. فرغبت في مقابلته. ولما أطلعها على نمط عيشه وأنه يتبع قانون الرهبانيّة القديم، وقد استأذن الرئيس العام لذلك، وأنه ينوي الدخول في دير الكرتوزيين، الرهبانيّة الأشد صرامة، أخبرته عن أمنياتها وما حقّقته إلى الآن في دير مار يوسف، طالبة منه أن يتريّث في قرار ترك الرهبانيّة ريثما يتمّ الإصلاح، وأن يقوم داخل الرهبانيّة بما ينوي عمله خارجها.

وافق يوحنا للقدّيس متيّا على رأيها شرط ألاّ يطول الانتظار.
وفي السنة عينها أهداها أحد النبلاء مزرعة في قرية دورويلو، فيها بيت متهدّم؛ فاستدعت يوحنّا إلى أحد الأديار الجديدة تدرّبه على نمط العيش الجديد من حيث الفقر والحياة الجماعيّة والتأمل، وخاطت الأثواب الجديدة. وفي 28 تشرين الثاني 1568، أبرز النذور الجديدة، باتباع النظام الكرملي القديم، ثلاثةُ رهبان هم: الأب أنطونيو دي هيريديا، والأب يوحنّا الصليبيّ (وقد بدّل اسمه) وأخ ثالث لم يُعرف عنه شيئًا فيما بعد.

6- توضيح
لا بدّ لنا من التوقّف عند هذه الخطوة الجديدة واستيضاح معانيها ومدلولاتها المستقبليّة:

7- حرب شعواء
وتابعت تريزا تأسيس الأديار كلما ازداد عدد الراهبات، وعند إلحاح سعاة الخير من أساقفة محلّيين أو رؤساء روحيّين أو أغنياء محسنين، فأنشأت الأديار التالية:

آفيلا (1562) مدينا (1567) ملاغون (1568) فاليادوليد (1568) توليدو (1569) باسترانا (1569) سلمنكا (1570) ألبا (1571) شغوبيا (1574) بياس (1575) أشبيلا (1575) كرفاكا (1576).

وما بين سنة 1572 – 1575 عُيِّنت رئيسة على دير التجسّد بالرغم من معارضة بعض الراهبات. لكنها استطاعت بوداعتها ولطفها وفطنتها أن تستميل العدد الكبير من الراهبات؛ وطلبت تعيين الأب يوحنا الصليبي معرّفًا دائمًا في الدير، يعاونها بخبرته الروحيّة على إحياء روح الصلاة والتأمل والسعي الحثيث إلى الكمال، وبثّ روح الإصلاح في ديرها القديم.

وفي السنة 1569 عهد البابا بيوس الخامس قضية إصلاح الكرمليّين إلى راهبين من الدومينيكان، لمدة أربع سنوات؛ فسعي هذان المكلّفان إلى تأسيس أديار جديدة بعدد أكبر مما سمح الرئيس العام ودون علمه وفي منطقة الأندلس بالذات.

فاحتجّ الكرمليون القدامى وأوغروا صدر السفير البابوي الجديد الذي كتب عن تريزا ما ترجمته:

«إمرأة قلقة، دوّارة، عاصية، عنيدة، تخترع تعاليم جديدة تحت ستار التقوى، تغادر الحصن الرهباني ضد قرارات المجمع التريدنتيني والرؤساء وتقف معلّمة، معارضة بذلك ما كتبه القدّيس بولس مانعًا النساء من التعليم».

هذا ما قيل عنها، بالرغم من أن تريزا لم تكن تقوم بعمل إلاَّ طاعة لأمر الربّ والرؤساء، ولم تكن تنبث بكلمة كتابة أم شفهيًا إلاَّ بأمر من معرّفيها، وكانوا أكبر لاهوتيي عصرها.

وعقد الكرمليّون القدامى اجتماعًا عامًا سنة 1575، في بياشنسا اعتبروا فيه الكرمليين الحفاة ثائرين، وأعلنوا الحرب للقضاء عليهم.

فتضاعفت المضايقات والتهديدات وكان أشدها اقتحام دير التجسّد واختطاف الأب يوحنّا الصليبي وسوقه من آفيلا إلى طليطلة 1 وإيداعه في زنزانة الدير، حيث بقي مدة تسعة أشهر لا يرى النور ولا يسمح له بالاحتفال بالقدّاس أو بقبول المناولة؛ وكان يساق إلى الجلد ثلاث مرّات في الأسبوع على مرأى من الرهبان الفتيان الذين يتعجّبون من وداعته وصمته وصبره العجيب.

وخُلِعَ جميع المسؤولون الكرمليون الحفاة، وعُيِّنَ مكانهم من ينفّذ الأوامر بمضايقة الثائرين. أما تريزا فأمرت باختيار دير تقيم فيه وقد حُظّر عليها الخروج منه لزيارة راهباتها. فأختارت دير طليطلة.

لقد طفح الكيل. فكتبت تريزا إلى كبار الشخصيات في المملكة وإلى الملك فيليب الثاني نفسه، تطالبه بحماية الإصلاح، والتفتيش عن الراهب القديس يوحنا الصليبي.

لكن جميع المساعي باءت بالفشل؛ فاختار يوحنا الفرار من سجنه في 15 آب 1578.

وتابعت تريزا مساعيها فأقرّ البابا غريفوريوس سنة 1580 فصل الكرمليّين الحفاة عن القدامى في إقليم مستقل وأقرّ قوانين الراهبات والرهبان الجديدة.

8- متابعة التأسيسات
وعادت تريزا تتابع تأسيس الأديار، فأنشأت فيلانويفا 2 وبلنثيا (1980)، سوريا 3 (1581)، بورغوس (1582)، غرناطة (1582).

وفي جميع أسفارها كانت تزور الراهبات والرهبان وتحثّ الجميع على التفاني في خدمة الربّ: تقوّي الضعفاء، وتشجّعهم، وتحذّر الأقوياء من الكبرياء والغرور. وفي كلّ الحالات كانت تلك الامرأة البسيطة القدّيسة كما تقول عنها رئيسة دير الراهبات الفرنسيسيّات: «تبارك الربّ الذي أتاح لنا رؤية قدّيسة بوسعنا جميعًا التشبّه بها: تأكل، تنام، تتحدّث مثلنا، وتعيش ببساطة دون تعقيد.

وكم سرّت يوم أبحر رهبان ثلاثة من ليشبونة مرسلين إلى الكونغو، مزوّدين ببركتها! إلاَّ أن الأعاصير الهوجاء تقاذفت السفينة فغرق أولئك المرسلون. لكن شعلة الرسالة أكملها أبناؤها فيما بعد.

وشعرت قبيل وفاتها بأن هناك خلافًا مستترًا بين كبار رجال الإصلاح: جيروم غراسيان، ونيقولا دوريا، ويوحنا. فكتبت توصيهم بأن يكونوا على كلمة واحدة واتفاق فيما بينهم. لكن الطباع المتنافرة ما لبثت أن كشفت للعيان بوادر حرب غير معلنة بين الأخوة.

غراسيان كان الصديق والابن المحبب للقدّيسة تريزا، وقد كتبت عنه صفحات رائعة. لقد اقتبس عن القدّيسة تريزا روح الصلاة، والوداعة في معاملة المرؤوسين والغيرة الرسوليّة. أما دوريا، فقد كان قبل أن يدخل الرهبانيّة الكرمليّة، رجل أعمال إيطالي، واستثمارات ماليّة. ولما سمع صوتَ الربّ باع كلّ شيء ووزّعه على الفقراء؛ إلاَّ أن هذا العمل البطولي أكسبه صرامة شديدة في معاملة المرؤوسين. واستطاع بحيله المنسجمة أن يكسب ودّ الملك، وبحكم أصله الإيطالي استمالةَ المجامع الرومانيّة إلى خطّطه القاضية باحتلال مركز الصدارة في الإصلاح، وطمس عمل تريزا ويوحنا وغراسيان. فاستطاع أن يستصدر براءة بابويّة بفصل الكرمليّين الحفاة إلى رهبانيّة مستقلّة يكون هو نفسه رئيسًا عامًا عليها.

وكان لطول مدة حكمه تأثير سلبي على مسيرة الإصلاح والابتعاد به عن فرح القلب والبساطة إلى التعقيد التنظيمي والتشدّد في تطبيق القوانين، والإكثار من سنّ القوانين لتشمل أدق تفاصيل الحياة اليوميّة.

بالرغم من ذلك، بقيت الأم تريزا، المصلحة والمؤسسة مثالاً يقتدي أبناؤها رهبانًا وراهبات بقداسة سيرته، ونورًا يشعّ من كتبها العديدة ويلهم كبار المثقّفين واللاهوتيّين السائرين في طريق الكمال، وقائدًا خبيرًا ودليلاً يعرف مزالق الطريق ومخاطرها.

وننهي هذه الصفحات بما قيل فيها: «إن تريز دافيلا من القدّيسين الأشد تأثيرًا، ليس فقط في الرهبانيّة الكرمليّة حيث أسّست فرعًا جديدًا، بل أيضًا في الإصلاح الكنسيّ الكاثوليكي الذي دعا إليه المجمع التريدنتيني في القرن السادس عشر؛ ونظرًا لقداسة سيرتها، وغيرتها على قداسة الكنيسة ووحدتها، وعمق اختبارها الروحيّ، ذلك الاختبار الذي أتاح لها أن تصبح معلّمة في دروب الكمال، أقرّ لها البابا بولس السادس سنة 1970 بلقت «معلّمة الكنيسة».

Saint
Joseph Epoux de la V. Marie

Sainte
Thérèse de Jésus (d’Avila)

Saint
Jean De La Croix

Sainte
Thérèse de l’Enfant Jésus de la Sainte Face

Sainte
Thérèse-Bénédicte de la Croix

Sainte
Marie de Jésus Crucifié

Sainte
Elisabeth de la Trinité

Bienheureuse
Thérèse Marie de la Croix

Saint
Raphael Kalinowski

Bhx. Fr.
Marie-Eugène de L'Enfant Jésus

Autre Saints

les Saints du Carmel

Carmel Kids