كتابة الأب هياف فخري الكرمَلي
5 - العناصر القانونية لنساك جبل الكرمَل
إن بداية الرهبانية الكرملية بدأت مع القانون الأول الذي أعطاه البطريرك البرتس الأورشليمي لنساك جبل الكرمَل. توجّه البطريرك من خلال هذا القانون الى جماعة من النساك، مجتمعين تحت رئاسة أحدهم، لم يذكر سوى أول حرف من اسمه الذي يبدأ بحرف "ب"، وفيما بعد دعي بإسم بروكاردو. "ألبرتس المدعو بنعمة الله بطريرك أورشليم، الى أبنائه الأحباء في المسيح، "ب" وسائر النسّاك الدين يعيشون تحت طاعته ... 1 "
يلخص البرتس بطريرك أورشليم الوضع القانوني لنساك جبل الكرمَل في مقدمة القانون الذي أعطاهم إياه قائلاً:
"ألبرتس، المدعو بنعمة الله بطريرك كنيسة أورشليم، الى أبنائه الأحباء في المسيح، "ب" (بروكاردس) وسائر النسّاك
الذين يعيشون تحت طاعته، بالقرب من ينبوع إيليا، (جبل الكرمَل)، سلاماً في الرب يسوع وبركةً في الروح القدس" ..
2
أ – الحياة الجماعية
إنطلاقاً مما جاء في مقدمة القانون نستطيع القول، ان نساك جبل الكرمل لم يكن لهم اي قانون رسمي ينظّم حياتهم، لكنهم
عاشوا حياتهم النسكية على جبل الكرمَل ممجّدين الله من دون اي قانون يجمعهم. أو بالأحرى هم مجموعة من الأشخاص ينتمون الى
العناصر التي كانت تجمع التائبين مع الحجاج والنسّاك التقوا فيما بينهم على جبل الكرمل قرب ينبوع النبي إيليا،
ولكن من دون إتباع أي قانون من القوانين النسكية المعروفة؛ توجّه البطريرك اليهم بتسمية نساك فقط من دون زيادة
اي تسمية أخرى أي بمعنى أنهم لا ينتمون الى قانون القديس باسيليوس، ولا الى قانون القديس مبارك ولا الى قانون
القديس اغسطينوس ولا أي قانون من قوانين النسّاك او أي قانون من القوانين المحلية المعروفة.
يعتبر الدارسون في تاريخ الرهبانية الكرملية ان قانون القديس البرتس هو اول قانون يعطى لنسّاك جبل الكرمل. يؤكد
Giovanni Baconthorp 1346 3 في دراسته لتاريخ نشأة الرهبانية الكرملية، يعود بها الى مدرسة النسّاك، ان لا وجود لأي قانون قبل قانون ألبرتس سوى قانون الإنجيل وقانون الرسل الذي يدعو الى الحياة الجماعية على مثال الجماعة المسيحية الأولى.
إن أتبَاع النبي إيليَّا على جبل الكرمَل، هم أشخاص يعيشون في التوبة المقدسة، وهم نساك يعيش كل منهم على حدى.
ليسوا علمانيين ولا تائبين في العالم، ولكنهم مؤمنون يسبحون الله. ولا نستطيع ان نسميهم رهباناً بما
انهم لا يتبعون القوانين المرعية للرهبانيات الديرية ولا للرهبانيات التبشيرية.
إنهم مؤمنون يعيشون حياتهم المسيحية بالتزام شخصي 4. هذا النمط من العيش يسمى "Laudabiliter" يعني حياة علمانية تقشفية.
ب – الوعد "Propositum".
توّجه البطريرك "Albertus" في مقدمة القانون الذي أعطاه لنساك جبل الكرمَل الى شخص يحمل حرف "ب" وسائر النسّاك الذين يعيشون تحت طاعته؛ ويرى الدارسون ان جماعة النسّاك الذين توجهوا بالطلب الى البطريرك البرتس بطلب طريقة عيش لهم، يشكلون "جماعة"، ويعيشون نوعاً من الحياة الرهبانية، بما ان لديهم "وعد" "Propositum" و الطاعة للرئيس "sub oboedientia".
عرف الوعد منذ بدء الكنيسة بالوعد العلني للتكرّس لله، اي الدخول في إحدى طرق العيش التي تتبعها الكنيسة، من إكليركيين، ورهبان، وعذارى، ويرتبط الوعد بالطريقة التي يريد إتباعها المؤمن. من هنا تأتي التسمية وعد للحياة الرهبانية، ووعد للحياة النسكية، ووعد للحياة العذرية. ولذلك يفرض على صاحب الوعد أن يلتزم ويتمّم بما وعد به امام الله والكنيسة، وإلا يقع في الخطيئة.
ويأتي الوعد بالطاعة للرئيس، عن طريقة الإعلان العلني امام الجماعة او بطريقة فردية يعبّر بها الناسك الطاعة امام الله للجماعة، في هاتين الحالتين يفرض على صاحب الوعد امام الله بأن يسعى بطريقة افضل مما كان يعيشه من قبل. فالآن أصبح مرتبطاً بهذا الوعد الحر بأن يعيش حياته ملتزماً بقانون الجماعة.
هذا الوعد يشبه الوعد الذي يقوم به من يريد الإلتزام بالحياة الرهبانية او من يريد ان يبدأ حياة توبة عميقة والإنطلاق بمسيرة الحج. ويتضمن الوعد عدداً كبيراً من الالتزامات، منها عيش العفة بالامتناع عن الزواج والإبتعاد عن العلاقات الجسدية البشرية .
ج – الجماعة النسكية الأولى ووضعها القانوني 5
يُجمع الدارسون لبداية الحياة الرهبانية الكرملية على جبل الكرمَل أن جماعة النساك الأوائل على جبل الكرمل قرب نبع النبي إيليا شكّلوا النواة الأولى للرهبانية الكرملية، ولم يشكلوا فيما بينهم حياة رهبانية منظمة بما تحمله الكلمة من معنى.
إنهم لا ينتمون الى إحدى الرهبانيات المعروفة في الكنيسة، لا الى الحياة الرهبانية النسكية ولا الى الحياة الرهبانية القانونية. ولا يتبعون أيًا من القوانين الأخرى المعروفة مثل قانون باسيليوس، وقانون القديس مبارك، وقانون القديس اوغسطينس. وليس لهم نمط عيش ولا اي قانون يلتزمون به بوعد صريح سوى الطاعة لشخص ينتخب من بينهم وهو الرئيس عليهم.
وبما انهم يلتزمون الطاعة للرئيس "ب"، لم يؤلفوا فيما بينهم جماعة أو ديراً رهبانياً. فهم يرتبطون ببعضهم ببعضِ برباط الانتماء الى الجماعة. وعلى الصعيد الكنسي لم يكونوا ملتزمين بأية قوانين رهبانية ولا القوانين التي تفرض على من يرد الأنتقال من الحياة العلمانية الى الحياة العلمانية المكرسة ولا الى الحياة الرهبانية او الديرية او النسكية.
إن نساك جبل الكرمل هم علمانيون يعيشون بالتوبة المقدسة: انهم من التائبين. إنهم نسّاك علمانيون متوحدون غير ديريين، يعيشون في التوبة المقدسة. والرابط الوحيد الذي يجمعهم والذي شكّل الوعد عندهم هو إتباع يسوع المسيح في عيش التوبة المقدسة. وتشكل حياتهم الأطارَ الأكبر لإتباع المسيح في القرون الوسطى من خلال الحج الى الأرض المقدسة، وما تسوقه الفكرة الصليبية من الأرض المقدسة وضرورة التوجه اليها والعيش فيها. فهم في نفس الوقت تائبون، وحجاج، ونساك: تركوا العالم، والحياة المدنية والتزموا بحياة التقشف. إنهم متعبدون لله، إلتزموا بحياة المرنّمين. وعد العيش بإتباع يسوع المسيح بوعد شخصي او علني بعيش المشورات الإنجيلية من طاعة وعفة وفقر؛ ولكن هذا الإلتزام شخصي بحيث لا يجعل منهم جماعةً ديرية واحدة. ويسعون من خلال الحياة التقشفية المسيحية للكمال الإنجيلي من دون ان يؤدّي هذا السعي، الى تكوين حياة رهبانية ديرية منظمة حسب القوانين الكنسية الديرية