بعد الاحتفال بقداس عيد الفصح أطل البابا فرنسيس من على شرفة البازيليك الفاتيكانية ليمنح بركته لمدينة روما والعالم كما جرت العادة.
قال البابا: أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، فصحًا مجيدًا! تجدد الكنيسة اليوم في العالم كله إعلان التلاميذ الأولين المفعم دهشة: "يسوع قام!" – "حقًا قام كما تنبأ!".
إن عيد الفصح القديم، ذكرى تحرير الشعب اليهودي من العبودية، بلغ ملأه هنا: من خلال قيامته من الموت حرّرنا يسوع المسيح من عبودية الخطيئة والموت وفتح أمامنا درب الحياة الأبدية.
عندما نترك الخطيئة تسيطر علينا، نضل الطريق السليمة وننحرف كخراف ضالة. لكن الله نفسه، راعينا، جاء يبحث عنا، وكي يخلّصنا انحنى لغاية ذلّ الصليب. واليوم يمكننا أن نعلن: "لقد قام الراعي الصالح الذي مات من أجل قطيعه، هللويا!". على مر الأزمنة لم يتعب الراعي القائم من الموت من البحث عنا، عن أخوته الضالين في صحاري العالم. ومن خلال علامات الآلام ـ جراح محبته الرحومة ـ يجذبنا نحو دربه، درب الحياة. وهو يحمل اليوم أيضا على كتفيه العديد من أخوتنا وأخواتنا الرازحين تحت وطأة الشر على اختلاف أشكاله.
يذهب الراعي القائم من الموت للبحث عمن ضاعوا في دهاليز الوحدة والتهميش؛ يلاقيهم من خلال أخوة وأخوات يعرفون كيف يقتربون منهم باحترام وحنان، وكيف يُسمعون صوته لهؤلاء الأشخاص، صوت لم يُنس قط، يدعوهم إلى الصداقة مع الله. يعتني بضحايا العبودية القديمة والحديثة: العمل اللاإنساني، الاتجار غير المشروع، الاستغلال والتمييز، والإدمان الخطير. يعتني بالأطفال وبالمراهقين الذين يُحرمون من العيش الخالي من الهم كي يُستغلوا؛ وبمن جُرح قلبه بسبب العنف الذي يعاني منه وراء الجدران المنزلية.
إن الراعي القائم من الموت يرافق المرغمين على ترك أرضهم نتيجة الصراعات المسلحة، والهجمات الإرهابية والمجاعات والأنظمة القمعية. إنه يجعل هؤلاء المهاجرين القسريين يلتقون بأخوة في كل مكان، ليتقاسموا معهم الخبز والأمل في القيام بمسيرة مشتركة. فليقد الرب القائم من الموت خطوات الباحثين عن العدالة والسلام في إطار الأحداث المعقدة والمأساوية أحيانا التي تعيشها الشعوب؛ وليهب مسؤولي الأمم شجاعة الحيلولة دون اتساع الصراعات ووقف الاتجار بالأسلحة. وليعضد في هذه الأزمة جهود من يسعون بشكل فاعل إلى حمل الراحة والعزاء للسكان المدنيين في سورية الحبيبة والمعذّبة، ضحايا حرب ما فتئت تزرع الرعب والموت. وآخرها الاعتداء الدنيء الذي حصل أمس ضدّ اللاجئين الهاربين والذي حصد العديد من القتلى والجرحى. وليهب السلام للشرق الأوسط بأسره، بدءا من الأرض المقدسة، كما في العراق واليمن.
وليبقَ الراعي الصالح قريبًا من سكان جنوب السودان والسودان والصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية، الذين يعانون جراء استمرار صراعات تزيد من خطورتها المجاعة الحادة التي تضرب بعض المناطق في أفريقيا. ليعضد يسوع القائم من الموت جهود الأشخاص، لاسيما في أمريكا اللاتينية، الملتزمين في ضمان الخير العام للمجتمعات، المطبوعة أحياناً بتوترات سياسية واجتماعية أفضت في بعض الحالات إلى أعمال عنف. لتُبنَ جسور للحوار، مع المثابرة في محاربة آفة الفساد وفي البحث عن حلول سلمية ناجعة للخلافات، من أجل تقدّم وتدعيم المؤسسات الديمقراطية، في إطار الاحترام التام لدولة القانون.
ليساعد الراعي الصالح أوكرانيا، التي ما تزال تعاني من صراع دام، على إعادة اكتشاف الوفاق وليرافق المبادرات الرامية إلى التخفيف من مآسي من يعانون من تبعات هذا الصراع. ليهب الرب القائم من الموت، الذي ما يزال يفيض بركاته على القارة الأوروبية، عطية الرجاء لمن يعيشون فترات مطبوعة بالأزمات والصعوبات، لاسيما بسبب غياب فرص العمل، خصوصا بالنسبة للشباب.
أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، إننا نحتفل هذا العام بعيد الفصح سويًا كمسيحيين من جميع المذاهب. وهكذا يتردد بصوت واحد في أرجاء المعمورة كلها صدى أجمل إعلان: "الرب حقا قام، كما تنبأ!". !". ليهب من انتصر على ظلمة الخطيئة والموت السلام لأيامنا هذه. فصحًا مجيدًا!
16 \ 4 \ 2017