Home Articles
Icônes Carmélitaine

تقدمَة إيقونة والدة الإله «ملكَة بهَاء الكرمَل»
كرمَل والدة الإله والوحدة – حريصا \ لبنان


كتابةُ هذه الإيقونة جديدةٌ وتتوافق وسرَّ والدة الإله «الملكةِ بهاءِ الكرمَل» الذي تحاول التعبيرَ عنه. إلاّ أنّها، مع ذلك، صُنعت حسب المثال الإيقونغرافيّ التقليديّ، أي مثالِ العذراء «سور المدينة» التي كُرّمت باكرًا جدًّا في القسطنطينيّة وعُرفت في ما بعد تحت اسم «عذراء الآية» (را إش 11:7). تُمثَّل فيها والدة الإله بهيئة الضارعة، حاملةً على صدرها الإيقونة الدرع، مع عمّانوئيل.

تتألف الكتابة من عناصرَ مختلفةٍ ترمز إلى الكون والكتاب المقدّس وتشير إلى الخطوط الرئيسيّة ممّا تريد أن تبلّغه. ترتفع أمُّ اﷲ على سحابة فوق البحر. ويبدو وراءَها جبلُ الكرمل مزدانًا برموزٍ بيبليّة-كونيّة مختلفة. وصورةُ أمّ اﷲ المركزيّة التي تحتلُّ بالفعل كلَّ مساحة الإيقونة تبدو متناسقة: فهي كليّتها ترتكز على شكل صليب يعلوه مثلّثٌ متساوي الأضلاع. ويَقسمُ الصليبُ الإيقونة عموديًّا إلى قسمين متساويَين، فيما المحور الأفقيّ يمتدُّ من معصم العذراء إلى الآخر، حيث تقع نقطة التلاقي في القسم الثاني عشر الأعلى من قامتها. ومن طرفَي الصليب إلى قمة رأس العذراء يُمكن أن يُرسم مثلّثٌ متساوي الأضلاع.

توحي هذه الهيكليّةُ الشبيهةُ برأس حربة بحركةٍ تصاعديّة تزداد مجدًا، كما يليق بتلك التي حُبل بها بلا دنس ورُفعت، بعد رقادها، بانتقالٍ مجيد.

ترتكز الإيقونة لاهوتيًّا على رؤية إيمانيّة. وتلك الرؤية ليست واقعًا ملموسًا يحرّك الشعور، بل تقدّم علاماتٍ تتّجه نحو اللاَّمدرك. إنّها ترتبط مباشرةً بالتقليد النبويّ الذي يُعتبر النبيّ إيليّا من آبائه والكرمَل من وَرَثته. وهذا الإيمان الذي يقدّمه معلّمو الكرمَل سبيلاً وحيدًا يتطابق والتساميَ الإلهيّ ويسمحُ بالاتحاد به، نقله إلينا آدم الجديد وحوّاءُ الجديدة، يسوعُ وأمُّه. ويسوعُ هو بكرُ البشريّة الجديدة، المخلوقة كما أرادها اﷲ في الروح. أوَليس يسوعُ «مُبدىءَ إيماننا ومتمِّمَه»؟ (عب 2:12)؛ أوَليست مريمُ طوباويّةً «لأنّها آمنت»؟ (لو 45:1)، فاستحقّت بذلك عربونَ سعادتنا؟ على كلِّ حال، ألا يقوم كلُّ تدبير الخلاص، الذي هو «عملُ اﷲ»، كما يقول يسوع، على أن نبلغ إلى «الإيمان بذلك الذي أرسله»؟ (را يو 29:6).

على ضوءِ ذلك، علينا أن نقترب من إيقونةٍ تريد أن تكتنز بعضًا من نُسْغ الكرمَل الثمين للغاية يستمدُّه من سرّ أمِّ اﷲ بالذات، «الملكة بهاءِ الكرمَل».
لنستطلعِ الآن عناصرَ التأليف المختلفة.

تصوّر الإيقونة حدَثًا بيبليًّا: آية «المطر» التي نالها إيليّا فيما كان يصلّي على جبل الكرمَل، متقوقعًا بشكل جنين كأنه يمثّل الإنسان في فقره الجوهريّ. تمثّل الإيقونة هذه «الآية»، وفقًا للتفسير الكرمَليّ لهذا المقطع البيبليّ. فكما غالبًا ما يحصل في النصّ المقدّس، لم تكن آية المطر تشير فقط إلى الآية التي كانت ستضع حدًّا للجفاف، بل كان المقصودُ منها واقعًا أسمى عنيتُ به ولادةَ امرأةٍ لا دنس فيه، مع أنّها سليلةُ بحر البشريّة الفاسدة، المرّ والعقيم. من تلك «السحابة» سوف يَفيضُ مطرٌ مخصبٌ هو المسيح.

نشير في إطار إيقونتنا إلى أنَّ السحابة هي الجواب عن عجز الإنسان أمام الجفاف، إذ إن المطر يهطل كي يُخصب الصحراء. في الواقع، إنّ الصحراء التي يسير فيها الإنسان منذ أن نُفي من الفردوس هي المكان الذي لا يمكن أن يخصبَه سوى المطر «النازل من العلاء». إنّ الأرض القاحلة التي جفَّ باطنُها تترقّب من السماءِ خلاصَها. ذلك المطر يرمز إلى كلمة اﷲ الفاعلة والمُخصبة، إنّه يهطل من السحابة التي هي العذراءُ الكائنة في ظلِّ الروح، سحابةٍ منسوخةٍ عن السحابة. في النشيد الروحيّ الذي وضعه القدّيسُ يوحنّا الصليب، هو الهواء «القِبليّ» الذي يُحدث المطر ويرمز إلى الروح القدس.

في الإيقونة، «تحمل» أمَّ اﷲ سحابةٌ ترمز إليها. إنّها تطلع من البحر، ولكن كي تقطُرَ على الأرض ماءَ الخلاص العذب. لنلاحظنَّ أنّه فيما ستتجدَّد السماءُ والأرض، ويحلُّ النورُ الإلهيُّ مكان النيّرات، البحرُ هو العنصرُ الكونيّ الذي «لن يكون من بعد» (رؤ 1:21). إنّه سيلاقي المصيرَ نفسه الذي سيحلُّ بالظلمات والليل. وهذا ما يؤيّد التفسير الكرمَليّ الذي يرى في البحر رمزًا للبشريّة التي يجتاحها الفساد والتي لا يمكن أن تولد من جديد إلاّ انطلاقًا من «بريئةٍ من العيب» سيظهر منها «القدّوس» ابنُ اﷲ (را لو 35:1). أليس البحرُ معقلُ التنّين؟ أوَليس منه أيضًا سيطلع الوحش الذي سيجسّد عمل التنّين بين البشر؟ (را رؤ 1:13). تمثّل الإيقونة هذا البحر وكأنّه هاويةٌ تتسارع خطوطُها في الفرار.

وتتباين السحابةُ بضيائها مع ظلمة البحر وترمز ليس فقط إلى النقاوة الوجوديّة التي تتمتّع بها التي حُبل بها بلا دنس، بل أيضًا إلى كمال حياة تلك التي هي البتولُ الأولى المكرَّسة للربّ، «على مثال إيليّا» كما ستقول بجرأةٍ كليّة، مؤسَّسةُ الرهبان الأوَّلين. فإيليّا يُعتبر أبا الرهبان عامّةً، ومؤسِّسًا للكرمَليّين بخاصّةٍ، بسبب تكرّسة البتوليّ. إنّ الكرمَل هو، بفعل علاقته الموهبيّة مع أمِّ اﷲ والنبيّ إيليّا، شاهدٌ مميّزٌ للرسالة النبويّة الملازمة لحالة البتوليّة المكرَّسة كدعوة. إنّهُ يُظهر في الكنيسة النتائجَ السامية التي تبلغها تلك الحالة التي تسبق وتعلن حقبة الأزمنة الأخيرة.

تبدو أمُّ اﷲ في الإيقونة كأنّها «الآية» بامتياز التي أُوحي بها إلى الأنبياء وقُدّمت كي نؤمن بها. وفقرة السحابة الصغيرة البيبليّة ليست حدَثًا عرَضيًّا في الكرمل. إنما هي من تراثها المواهبيّ الأكثر عمقًا: ألا وهو أنّ الكرمَليّ هو «من أبناءِ الأنبياء». فإنّه ليس نبيًّا من يتنبّأُ المستقبل، بل إنّ النبيّ الحقيقيّ هو الذي يتقبّل الوحيَ من قبل اﷲ وينقل الجوابَ باسمه. وذلك الوحي ينزع كليًّا نحو المسيح. ولسوف يذكّر بذلك بقوّةٍ أبونا القدّيس يوحنا الصليب: إنّه المفتاح والمحتوى السامي لكلّ رؤية وكلّ نبؤة. في الإيقونة، يُمسك عمانوئيل بيده ملفّ النبؤات التي هو تمامُها، هو المتمّم مشيئة اﷲ.

إنّ الكرمَل هو الوريث المواهبيّ للنبيّ إيليّا، وهو من ثمّ بالأخصّ مرتبط «بمجيء المسيح» الذي كان إيليّا سابقًا له. وهذا المجيء تُعتبر مريم بابًا له وعرشًا ومركبةً، على حدِّ ما رمز إليه آباءُ الكنيسة. فليسَ إذًا عرَضًا أنّ بنوّة الكرمَل لإيليّا - المرتبطة بحدَث السحابة - تكلّلها مرجعيّةٌ جديدةٌ إلى أمّ اﷲ: «كلُّ مريميّ هو كرمَليّ».

إنّ التي هي الكلُّ في الكرمَل تبدو في الإيقونة مرتديةً الثوب الكرمَليّ وريث أسمال الأنبياء وآباءِ البريّة. وتوحي تلك المحاكاة في الثوب هُوّيّةً مشتركةً في الحياة والدعوة. وما عتّم أن عبّر الكرمَليّون عن تلك الحقيقة بتسميتهم العذراء «أختَهم الكبيرة». ولقد تعرّض نسّاكُ جبل الكرمَل النازحون إلى أوروبا لانتقادٍ عنيف لأنّهم تجرّأوا واتخذوا اسم «إخوة الطوباويّة العذراء مريم سيِّدة جبل الكرمَل». لكن أمَّ اﷲ نفسَها هي التي أيَّدتِ الرهبانيّة الناشئة في اندفاعها المواهبيّ «للانتماء» إلى سرِّها. فتبنّت، نوعًا ما، ثوب الكرمليّين، أو بالأحرى أعلنت أنّه ثوبُها، وأعادته إليهم مثقّلاً بمهمّة شبه سرّيّة. وقالت للقدّيس سيمون ستوك في ظهورها الشهير: «خُذْ هذا الثوب. وإليكَ ما أمنحكَ من امتياز، لكَ ولجميع أبناءِ الكرمَل. كلُّ من يُتوفَّى لابسًا هذا الرداء يخلُص».

كان ذلك في 16 تموز 1251. في الإيقونة، تقدّم لنا ملكةُ الكرمَل هذا الثوب في مثل حركة الشفاعة التي انتزعتها من قلب اﷲ، كبرهانٍ أسمى لعنايتها الوالديّة من أجل خلاص كلٍّ من أبنائها.

إن مِسحَ الرِّداء الداكن والثوب الذي ترتديه العذراء يميّزه زهدٌ شبهُ متقشّف. وهذا ما يعبّر عن مشاركة العذراء في كلّ أوضاع الإنسان الساقط ما عدا الخطيئة. وعلى مثال المسيح، الحملِ الحاملِ خطايا العالم، طُعن قلبُ مريمَ من جرّاءِ ما تحمّل ابنُها من تناقضٍ لدى خسارة الخطأة. إنّها عاشت «صحراء» الإيمان. والمعطفُ الأبيض الذي يتمايز لمعانه مع شظف الرداء يرمز إلى الامتيازات التي أنعم بها اﷲ على مريم، والتي تزيّن بها أبناءَها بصفتها أمَّ النعمة.

خطوط الرداءِ والثوب متواضعة وهادئة، فيما خطوط المعطف وثّابة وواضحة. ومجموعة طيّات المعطف على الصدر تندفع كشلاّل باتجاه عمّانوئيل. إنّه في الحقيقة المحورُ الذي ينطلق منه كلُّ شيء وإليه يعود. وها هوذا، بالحقيقة، دورُ الأمّ.

نشير إلى أنّ الرداءَ والثوبَ يعلوهما دهانٌ أزرق ملمِّع. وهذا ليس محضَ صدفة، إذ إنّ اللون الأزرق اعتُبر، منذ القديم، لونًا يعبّر عن لاإمكانيّة إدراك السموّ الإلهيّ. وهذا السموّ يتطلّب من قبل الإنسان تقاربًا من اﷲ، ولكن بصيغة النفي. إنّه من غير الممكن أن نعرف عن اﷲ إلاّ ما ليس هو. أما ما هو في جوهره فلا يمكن أن يعبَّر عنه، ولا أن نبلِّغه ولا أن ندركه سوى بالإيمان. وكأنّ مريمَ، إذًا، ينيرُها ذلك الإيمانُ الذي به انتظرَت وتقبّلَت عطيّة اﷲ في صحراء حياتها على الأرض. وذلك النورُ ينبجس من حياتها الداخليّة التي قدّمتها بأكملها، ولكن التي تحافظ عليها أيضًا بأكملها.

المعطفُ الأبيضُ تزيّنه أيضًا انعكاساتُ نور الإيمان، وتعطيه «لمحةٌ» من الفضّة إشراقًا لامعًا، كما القمر في بدره. وتعني الفضة الإيمانَ في الرمزيّة البيبليّة واليوحنّاويّة. فالمعلّم الصوفيّ يتحدّث في «النشيد الروحيّ» عن المساحات الفضيّة التي تزيّن الينبوع البلّوريّ وترمز إلى حياة الإيمان. معطفُ مريمَ الذي تشرِّعه كخيمةٍ كي تأويَ أبناءَها ينسجه ذلك الإيمانُ الذي تنقله إلى الذين يتّبعون خطاها. وإذ إنّها تردّد صدى صوت الآب: «هذا هو ابني الحبيب...، فله اسمعوا!» (متى 5:17)، فهي تكمّل وصيّة الإيمان الإلهيّة بهذه الكلمات: «إفعلوا كلَّ ما يقول لكم» (يو 5:2). الإصغاء إلى الكلمة وتقبّلُها ووضعُها موضع التنفيذ: ذاك هو الطريق إلى الصوفيّة المسيحيّة الحقّة، تلك التي تُفضي إلى تأليه الإنسان بالاتحاد المبدِّل.

في الإيقونة تحمل أمُّ اﷲ الكليّةُ القداسة عمّانوئيل، «اﷲ معنا»، وتظهر وكأنّها العرش، بل بالأحرى كأنّها مدينة اﷲ الحيّ الحقيقيّة التي سمّاها حزقيال «اﷲ هنا». نشير إلى أنَّ عمّانوئيل وحدَه يرتدي ذهبًا. أما العذراءُ فلا ذهبَ على ثيابها إلاّ على السبائب التزيينيّة التي تؤكّد انتماءَها إلى المصفّ الأقنوميّ، بما أنّها «والدة الإله»، وعلى حذاءَيها اللذَين تنتعلهما على الدوام، كما تصوّرها الإيقونغرافيّا البيزنطيّة، للدلالة على أنّها الملكة القادرة على المثول دائمًا أمام ملك المجد، ليس كموسى الذي كان يُضطرُّ إلى خلع نعليه قبل أن يدوس الأرض المقدّسة: والحال أنّ مريمَ هي الأرض المقدّسة بامتياز حيث يسكن اﷲ، ومن حيث ينبثق كشمسِ عدلٍ. ونذكّر أنّ الذهب هو لون الشمس ويرمز إلى المجد وإلى عظمة اﷲ الملوكيّة. ولسوف يعيش الكرمَل - اقتداءً بحوّاء الجديدة، وفي خطى إيليّا - العلاقةَ المميَّزةَ بإنسانيّة المسيح مثل شراكة فعليّة في صيرورة آدم الجديد الإسكاتولوجيّة.

المغارة الصغيرة المربّعة الشكل، إلى اليسار، ترمز إلى ليل الحواسّ. إنّها قابعة في أسفل الجبل، وهي البوتقة الأولى، حيث ستمحَّص الفضّة، أي إيمانُنا، بفضل إصلاح قوانا الحسّيّة. يمكن أن يشبَّه هذا الليلُ بما مرّت به العذراءُ عند غياب يسوعَ الأول، ضائعًا ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ في «متاهة الهيكل»، حسب تعبير فيلوكسين مابوغ. ويمكن أن نشبّه المغارة أيضًا بذبيحة إيليّا على الكرمَل، الذي بنار السماء برهن أنّ يهوه هو اﷲ وأعاد الإيمان إلى إسرائيل. هذا هو ذاك الإيمان الذي سيولِّد، في سياق تطهير الإنسان، الليل الكامل.

الليلُ الكامل أو ظلماتُ منتصف الليل (الصعود 1: ف 2، 5)، تمثّلها إلى اليمين، المغارةُ الكبرى، المثلّثةُ الشكل. ويعبِّر عنها أيضًا غياب انعكاس الأشعّات الفضيّة على طيّات معطف العذراء السفليّة، الأقرب إلى المنطقة الداكنة الكالحة التي يعلوها اللون الأزرق.

ما بين المغارتين نرى سفحَ جبل الكرمَل الوعْر الذي يشير إلى التصعّد الذي يُنعشه الرجاء، وهو وحده القادر على إيلاد التجرّد الكليّ واللاشيء. بعد أربعين يومًا وأربعين ليلة - التي تعني تمام زمن التجربة والانتظار - على مثال إيليّا، تدخل النفس هذه المغارة الحجريّة.

نرى، فوق المغارة الصغيرة إلى اليسار، شجرةً لها أغصانٌ بشكل لهيبٍ يوجّهه هواءٌ خفيّ نحو قمة الجبل. وهذه الشجرة، البطمة، ترمز إلى النفس يحرّكها الروح، وتغوص جذورها في أعماق المغارة.

ونرى أيضًا في أعلى المغارة، إلى اليمين، شجرةً هي الصليب، شجرةُ الحياة الحقيقيّة، علامةُ انتصار الحبّ على جميع أشكال الموت. ونذكّر أنّ الطريقة العاديّة لتسمية الصليب، باليونانيّة، هي «تو كسيلون» - أي الخشبة، الشجرة - وليس «أو ستڤروس»، أي الصليب. فالصليب، شجرة الحياة هو عربون العودة إلى الفردوس المفقود، وثمرتُه هي المجدُ والحياةُ الأبديّة.

وليلُ الروح هو بوتقة الذهب أي المحبّة التي تتملّك على جوهر النفس وتحوّلها إلى اﷲ-المحبّة (1 يو 16:4). فيه تكون النفسُ كلَّ شيء وتملك كلَّ شيء. وهذه المحبّة تظهر وسط المغارة بشكل نجمٍ، هو الرمزُ الملوكيّ، ساطعٍ كالنار.

والصليب في الإيقونة يحيط به نجمان أُخريان بلونٍ فضيّ، يرمزان إلى الإيمان والرجاء اللذين عملا على جذب النفس نحو العلاء، حتى يكتمل العهد، فيثبتَ وحدَه الحبُّ. لذلك، فالنجم الذي يرمز إلى الحبّ هو ذهبيُّ اللون، أما النجمان الآخران فبلون الفضّة.

وهكذا، فإنّ إيقونة السيّدة «الملكة بهاء الكرمَل» تستقطب تلك العناصر الرمزيّة وتسمو بها نحو الرمز الرسميّ للكرمَل الذي هو درعها.

تقدّم لنا الإيقونةُ العذراءَ مريمَ كشاهدٍ بامتياز، هي التي «كانت تحفظ تلك الأقوال كلَّها وتتأمّل فيها في قلبها» (لو 19:2). إنّها تأتي إلينا في ملءِ سرّها كحوّاءَ جديدة، مشاركةً في أوضاع آدمَ الجديد الوجوديّة، وداعيةً أبناءَها إلى السَّير على خطاها، في مهمّة الحبّ هذه المجيدة، مصدر المجد.

إنّ السحابة الصغيرة التي لمحها إيليّا من على الكرمَل، إنّما تجذبنا نحو تلك الأعالي. عسى التأملَ في إيقونة العذراء «الملكة بهاء الكرمَل» يثير في العديد من القلوب إيمانَ العذراءِ الأمينة التي عرفت أن تستكشف مجيءَ الربّ وتتقبَّله، فأصبحت بذلك أمًّا ولودًا اختُطفت في المجد إكرامًا للعريس ومجدًا للأب. على هذا الجبل، يُقيم وحدَهما فقط كرامةُ اﷲ ومجدُه، على حدّ ما يعبّر عنه الرسمُ الرمزيّ لارتقاء الكرمَل.

المنمنات

أبونا القدّيس إيليّا
نرى إيليّا في المغارة متأمّلاً السحابة. وتبدو أمُّ اﷲ في الإيقونة وكأنّها الآيةُ بامتياز، كما أوحي بها إلى الأنبياء وقُدِّمت إلينا كي نؤمن بها. إنّ الكرمَل، بدعوته، قد عُهد إليه روح إيليّا النبويّ. فمؤسّس الكرمَل، حسب التقليد الكرمَليّ، هو إيليّا النبيّ «الذي غار غيرةً للربّ إله الجنود» (را 1 مل 14:19)، والذي رأى أيضًا في السحابة صورة العذراء الأمّ التي بها سيأتي الخلاص للعالم. على جبل الكرمَل ومدى القرون لبث التعبّد لإيليّا حيًّا. وبالحقيقة، اعتبره الجميع في البدء أبا الحياة النسكيّة وحتى مثالها. ولبث هذا التقليد صامدًا بقوّة على سفوح جبل الكرمَل حيث حاولت جماعاتٌ صغيرةٌ من المتوحّدين، على مرّ القرون، أن تمارس حياةَ صمتٍ وانعزالٍ تامٍّ عن العالم.

أليشاع النبيّ
«قال إيليّا لأليشاع: “ليكن لي سهمان في روحك“» (2 مل 9:2). إنّ سهمَي روح النبيّ، روح العمل وروح التأمّل، انتقلا مباشرةً إلى أليشاع وإلى جميع الذين سكنوا معه الكرمَل. نرى في الإيقونة أليشاع حاملاً بين يديه معطف إيليّا، الذي فلق به مياهَ الأردنَ إلى هنا وهناك (را 2 مل 14:2). لم تكن تلك الآية سوى التأكيد أمام أعين الأنبياء الآخرين أن أليشاع قد ورث حقًّا سهمَين من روح إيليّا. حينئذٍ جاء بنو الأنبياء للقائه وسجدوا له على الأرض (را 2 مل 15:2). وهكذا، إنّ سهما الروح انتقلا إلى أليشاع وإلى جميع أولئك الأنبياء الذين سكنوا معه جبل الكرمَل، وهذا ليس فقط، في زمن العهد القديم، بل أيضًا في زمن الجديد (را سيلڤرلو).

يوحنا المعمدان
«الحقّ أقول لكم إنّه لم يقم في مواليد النساءِ أعظمُ من يوحنا المعمدان... ذلك بأن جميع الأنبياء والشريعة تنبّأوا حتى يوحنا. وهو، إن شئتم أن تفهموا، إيليّا الذي ينبغي أن يأتي» (متى 11:11، 13-14). إنّ يسوعَ نفسَه يؤكد ذلك الشبَه الوثيق القائمَ بين إيليّا ويوحنا ويثبت هكذا حقًّا أنّه من سلالة إيليّا. فيوحنّا، وهو في أحشاء أمّه أليصابات استطاع أن يعرف، في مريم، الحاملةَ الخلاص، فارتكض ابتهاجًا في حشا أمّه التي أوحى الروحُ القدسُ إليها أنّها قائمةٌ في حضرة أمِّ السيّد. واستطاع، على مثال إيليّا، أن يرى لا من خلال الغمامة، بل من خلال مريمَ نفسِها، الخلاصَ الحاضرَ في ما بيننا. إنّه ذلك الذي يفرح، لأنّ الذي له العروس هو العريس (1))، وأما صديقُ العريس فإنّه يقف هناك ويسمعه، فيملأُه صوتُ العريس فرحًا. فهذا الفرحُ الذي هو فرحي قد تمّ» (يو 29:3). فرِحَ يوحنّا النبيّ بأن أعدَّ طريق الربّ ورآه. لكنّه، كمثل كلّ نبيّ، مرّ بليله المظلم، فأرسل تلاميذه يسألون يسوع هل هو حقًّا الآتي (را متى 11: 1-6). واستحقَّ هو أيضًا جزاءَه كنبيّ، وذاك الجزاء ليس سوى الشهادة.

يوحنا الحبيب
أشار المعمدان إلى يسوعَ بإصبعه قائلاً: «هوذا حملُ اﷲ». فسمع اثنان من تلاميذه - وأحدُهما يوحنا - وتبعا الربّ منذ ذلك اليوم (را يو 1: 35-39). منذ البدء، باعتبار يوحنا تلميذًا للمعمدان، كان من عداد سلالة أولئك الذين ينتظرون المسيح، باتّباعهم نصائح يوحنا الداعية إلى التوبة والارتداد. ومثل إيليّا ويوحنا، كان التلميذَ البتولَ الذي استطاع لذلك أن يتبع معلّمه، بلا شريك، حتى أقدام الصليب. وهناك تقبّل كلماتِ معلّمه الإلهيّ الأخيرة، وأصبح ابن مريم: «أيّتها المرأة، هوذا ابنك»، «ها هي ذي أمّك» (يو 27:19). ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى بيته (را يو 27:19). وبعد أن كان في العشاء قد اتكأ على صدر المعلّم (را يو 20:21)، تعلّم في مدرسة مريم أن يحيا بأنقى الإيمان الأسرارَ التي قدَّمتها، ونقل إلى الكنيسة جمعاء رسالة المعلّم التي تأمّل فيها في كنف الكليّة القداسة، في الصمت والتأمل.

القدّيس برتولد الملفاويّ
العام 1185، أشار فوكاسُ الحاجُّ اليونانيّ في تجواله في الأرض المقدَّسة، إلى معبدٍ في جبل الكرمَل أعاد بناءَه رجلٌ قدّيس قادمٌ من كالابريا، وقد انضمَّ إليه زهاءُ عشرة إخوة. ويضيف هذا الحاجُّ قائلاً: «ويلي ذلك جبلُ الكرمَل الذي غالبًا ما تُحدِّث عنه في الكتاب المقدّس. يرتفع الجبلُ على طرف الخليج الممتدّ بين عكّا وحيفا. عند طرف الجبل المشرف على البحر، نرى مغارة النبيّ إيليّا. لقد قام في هذا الموضع قديمًا مبنى ضخم ما زالت أطلاله موجودة حتى اليوم.

إنّ الزمان الذي لا يوفّر شيئًا وغزوات العدوّ دمّرته كلّيًّا تقريبًا. ومنذ زمن قليل، جاء من كالابريا ناسكٌ متقدّمٌ في السنّ ومتّشحٌ بالكرامة الكهنوتيّة، وأقام في أكواخ الدير المتداعية. وبنى هناك سورًا صغيرًا مع برج ومعبدًا وجمع حواليه زهاء عشرة إخوة».

من جهة أخرى، يذكر جاك دي ڤيتري، أسقف عكّا، في تاريخه المدوّن العام 2000، قائلاً: «إنّ رجالاً قدّيسين... على مثال النبيّ إيليّا، هذا الرجل القدّيس والمتوحّد، كانوا يعيشون على سفوح جبل الكرمَل، وبالأخصّ في القسم من الجبل الذي يشرف على مدينة پورفيريا، المعروفة اليوم بحيفا، بالقرب من نبع إيليّا، قاطنين قلاّيات صغيرة منحوتةً في الصخور، صانعين عسلاً لذيذًا، وكأنّهم نحلاتُ السيّد».

يبدو أنّ هذا الرجل المتقدّم في السنّ ليس سوى القدّيس برتولد الملفاويّ، ابن شقيق بطريرك أنطاكية اللاتينيّ، إيمانْك الملفاويّ، الذي سنَّ نظام حياةٍ لسكّان مناسك جبل الكرمَل.

القدّيس بروكاردس
بين عامي 1207 و1214، رئس بروكاردس النسّاكَ الذين كانوا ما يزالون يعيشون في تلك الأماكن. هذا طلب من القدّيس ألبرتس، بطريرك أورشليم، أن يؤلّف لإخوته نظامًا يثبّت طريقة عيشهم، واعترافًا رسميًّا من السلطة الكنسيّة.

القدّيس ألبرتس الأورشليميّ
وُلد القدّيس ألبرتس في إيطاليا في أواسط القرن الثاني عشر. بعد أن انتُخب رئيسًا، العام 1180، للكهنة القانونيّين في دير الصليب المقدّس بمورتارا، عُيّن أسقفًا بالتوالي على بوبيو وفِرسِيل إلى أن انتخب أخيرًا للكرسيّ أورشليم البطريركيّ. من المفيد أن نشير إلى أنّه شارك في إعداد قوانين العديد من المؤسّسات الرهبانيّة. وبدون أن ينخرط القدّيس ألبرتس رسميًّا في رهبانيّة الكرمَل، فإنّه لعب دورًا كبيرًا بدعوته إخوة جبل الكرمَل إلى أن يعيشوا «في طاعة يسوعَ المسيح». ألّف القانونَ متقيّدًا بالتقليد الذي اتّبعه أولئك النسّاك مدى قرون، واسمًا إيّاه بطابعه الخاصّ. وتوفّي القدّيس ألبير في عكا، طعنًا بالسكين، على يد معلّم مشفى الروح القدس الذي كان قد عزله وأنّبه علنًا.

القدّيس سيمون ستوك
«زهرة الكرمَل»: نشيد الشكر هذا إلى ملكة الكرمَل وجماله ينبع من قلب ابن الكرمَل هذا بعد أن مُنح هبةَ الثوب المقدّس التي لا تقدَّر. فطبيعيّ أنّه ليس من باب الصدَف أن نرى القدّيس سيمون ستوك موضوعًا على مستوى يد مريم اليمنى التي تقدّم الثوب المقدّس إلى رئيس الرهبانيّة. وكان حينئذٍ يواجه مع جميع أعضاءِ رهبانيّة إخوة العذراء مصاعبَ هائلة، وكانوا عُرضةً لجمٍّ من عدم التفاهم. سيمون ستوك هو واحدٌ من نسّاك جبل الكرمَل أولئك الذين مع الرئيس العام آلان لوبروتون أبحروا إلى أوروبا وقت الاجتياح الإسماعيليّ، فقصد مع الجماعة أرض وطنه بإنكلترة. ثمّ عُيّن لاحقًا رئيسًا عامًّا للرهبانيّة. وعلى الرغم من اعتراف السلطة الحبريّة فلقد واجهت هذه الرهبانيّة الجديدة مقاومةً شرسة. وفيما كانت في وضع شبه ميؤوس تدخّلت أمُّ اﷲ شخصيًّا. وفي عهد رئاسة القدّيس سيمون ستوك، عُرضت مطابقة القانون على وضع الحياة الجديد السائد في الغرب.

القدّيسة تريزا ليسوع
غالبًا ما كانت أمُّنا القدّيسة تريزا تحبُّ أن تذكّر بأنَّ الكرمليّين والكرمليّات هم كليًّا أبناءُ مريم. يمكننا أن نقرأ على الصكّ الذي تحمله ما يلي: «ليكن كلُّ شيء لخدمة الربّ وإكرامًا لثوب أمّه». كانت تريد أن يعيَ بناتُها وأبناؤها حقًّا النعمة العظيمة، نعمةَ ارتداء ثوب أُمّ اﷲ، عربون الخلاص. لكن هذا الامتياز يتطلّب جوابًا من قبَل الذين ينعمون به: ضرورة حياة يجب أن تماثل كليًّا بقدر المستطاع حياة ملكة الكرمَل «التي نرتدي ثوبها». بارتدائنا هذا الثوب المقدّس نحن، في الواقع، «مدعوّون إلى الصلاة والتأمّل»، في الصمت والخلوة على مثال أمّ اﷲ. وكانت أمّنا القدّيسة، في كلّ كتاباتها ورسائلها، لا تني تذكّر بأنّا ننتمي إلى رهبانيّة العذراء: «لا دواء عندي سوى أن أعهد بذاتي إلى استحقاقات ابنها والعذراء أمّه التي نرتدي ثوبها على الرغم من عدم استحقاقنا».

القدّيس يوحنا الصليب
«الروحُ القدُس حرّك في كلّ شيء العذراءَ مريمَ الفائقةَ المجد». إنّ مريم هي، بحسب أبينا القدّيس المثالَ الأسمى لتلك الجهوزيّة التامّة في كلّ زمان وكلّ مكان، لإلهامات الروح القدس. وهذا لا يمكن أن يتمَّ إلاّ بالخضوع لتنقياتٍ عميقة تؤهل النفسَ للتصرّف وفقًا للإرادة الإلهيّة، لا بحسب أذواقها وأهوائها. لا نستطيع ارتقاءَ سفوح جبل الكرمَل والبلوغَ إلى القمّة حيث لا يسود سوى مجد اﷲ، إلاّ بتعرّي الروح، مرورًا باللاشيء. هكذا، اقتداءً بمريم أمِّنا ومثالنا «التي لم تتأثر أبدًا بأيّ خليقة أمكنها أن تصرفها عن اﷲ، نكون جميعًا مستعدّين على مثالها لتقبّل إيحاءات الروح القدس».

(1) النصوص الواردة بحرفٍ أسود هي تلك المكتوبة على الضكِّ الذي يحمله القدّيس.

Liturgie

Icônes Carmélitaine

Vocation

Neuvaine

Prions avec Thérèse de Jésus

Rosario

Avec le Pape

Etude Bibliques

Prière et Méditation

Vive le Carmel

Chemin de Croix (Via Crucis)

Homélie

Chapelet du Saint Esprit