إيقونة القدِّيسَة ماريا مرفيليَاس ليَسوع الراهبة الكَرمَليَّة
“الشفافيَّة في نقل (الرسَالة)”
بمناسبة إعلان قداسة ماريَّا مرفيلياس ليسوع، حققت الراهبات الكرمليَّات المحصَّنات (لبنان) الحافيات إيقونة نفيسة، جوهرةً حقيقيّة وتحفة فنيَّة، قدَّمنها لكرمَل أَلْدوِيلا.
عنوان الإيقونة البَالغ التعبير، وهو: “الشفافيَّة في نقل (الرسَالة)” (TRANSPARENCE DANS LA TRANSMISSION)
يَعني أمَانة القدِّيسَة مرفيليَاس للأم القدِّيسَة تريزا ليَسوع.
في الإيقونة التي نتأمّلها، نرى قدِّيسة بحسب المثال المدعوّ "حَامِلة الإيقونة" في مِلءِ قامَة إنسَانيَّتِهَا يَسكنهَا الله ويَتجلَّى فيها. كانت القدِّيسة مَرفيلياس ضحيّة النار الإلهيّ اذي حوّلها إلى خليقة جديدة، على صورة المسيح كمثالهِ. تظهر مَرفيلياس في الإيقونة تشعّ هذا الإله السَّاكن فيها. وبصفتهَا راهبة مولعةً بالتأمُّل، كانت حَيَاتِهَا الرّوحيَّة سِرُّ مَوتٍ وحَيَاة. والتواضع الفضيلة الأسَاسيَّة في حياة كرمليَتنا، التي عرفت أن تتواضع وتتمسكن، والتي رُفِعَت بقدر مَا اتَّضعَت.
نرى القدِّيسة منتصبةً تحت ظلّةِ مذبحٍ مذهّبة. حنيَةُ رأسِهَا إجلالاً وتعظيمًا تعني رضاهَا الكَامل المعبِّر هكذا عن تلك العبَارة المعهودة عندها والتي أنارت جميع لحظات حياتها، ألا وهي: "ليَكن مَا يريدُهُ الله، وكَمَا يريدُهُ، ومتى يريدُه".
عاشَت القدّيسة مَرفيلياس في حقبَة أعيدَ النظرُ فيهَا لأشكال الحَيَاة الرُّهبَانيَّة وهيكليَّتِهَا. كانت ترى في ثوبِ الكَرمَلِ البسيط والزهديّ، لا شكلاً عن لباسٍ قديم عفا عنهُ الزمَن، مِنَ الضروريّ تبديلهُ على مَرِّ السنوات، بَل تعبيرٌ عن كاريسمَا يَجب المحافظة عليهَا والذَّودُ عنها وتناقلهَا بإجلال وحبّ. الحَيَاة الرُّهبَانيَّة والنسكيَّة كانت الميراث الذي وَهَبَتهَا إيَّاه أمُّهَا القدِّيسَة تريزا ليَسوع وقد ضمَّنتهُ كتابهَا في "طريق الكَمَال"، بقولِهَا: "لستنَّ راهِبَاتٍ فقط بَل ناسِكات".
كانت أمّنا القدّيسة تريزا ليسوع تقول إنّها أصلحت رهبانيَّة العذراء "خدمةً لله وإكرامًا لثوبِ أمّه المجيدة"، وكانت تضيفُ قائلة: "تلك هي رغباتي". وغالبًا ما كانت القدّيسة مَرفيلياس تردّد في مراسلاتها: "يا لسعادة أن نكون بناتِ أمّنا القدّيسة".
طيَّاتُ ثوبهَا تظهَرُ متينة، مستقيمة، ثابتة، لكن بدون جمود، بل تحملُ مرونةً وحركة تنقاد لنفح الروح. إنَّها تحمل توق مَرفيلياس الوحيد الذي طالما عبّرت عنهُ في رسَائِلها ألا وهو تتميم مشيئة الله: "لا رغبَة عندي أعظم مِن أن أوحِّد كليّاً مَشيئتي ومشيئة الله".
يدها، ويغطيهَا ثوبُ العَذراء، تضمُّ إلى صدرها أسطوانة تحمل رسم السيّد المسيح. اليَد المغطَّاة علامَة الخضوع المُحبّ وترمز إلى سلوك الأمَة المتواضع التي تحتجب أمام معلّمها. كانت القدّيسة مَرفيلياس مولعةً بإنسانيَّةِ ربّها القدّوسة. ولقد كتبت في رسَائِلِهَا: "لا أتمسَّك بالحَيَاة إلاَّ لأقتدي مَا أمكن بحَيَاة السيِّد المَسيح، ولهَذا جئتُ الدَّير".
تلك اليَد المغطَّاة، تذكِّرُنا بالخِدمَة التي حقَّقتهَا قدِّيستنا، وما يمكن أن نسمّيه ذياكونيّاها (أي خدمتها). فهي أوَّلاً تشعُّ لهيبَ سراجهَا الصغير، كَمَا طلبَ مِنهَا الربُّ عند تأسيسهَا دير سيرّو، فزادت "أديرة العذراء". عديدة هي أديرة الكَرمَل التي أسَّسَتهَا أو رمَّمَتهَا؛ وأكملت عملها الإجتماعي فابتنت كنائس، وساعدت على إعادة بناء أديار، وشيَّدت مقرًّا للراهبات المرضى، وحقَّقت بناء مجمّعات للأًسَر، ومدارس، وأمّنت هباتٍ مدرسيَّة، إلخ. وهذا كلّه أنجزته في رحاب صمت حصنها، وببساطة عظمى.
تحملُ القدّيسة في الأسطوانة صورة للسيِّد المَسيح المتألّم. وصدرُهُ مفتوح يَخرُجُ منهُ "الدَّمُ والمَاءْ". هذا الجرح المفتوح، التأمُّل في قلب يَسوع، طغا على قلب مَرفيلياس. تقف القدّيسة مَرفيلياس على جَديل متعدّد الألوان، يرمز بألوانِهِ الباهتة إلى الفقر والتجرُّد الإنجيلي اللذين أنبعا في قلبها ذلك الفرح الذي لا يمكن أحدُ سلبها إيّاه، والمعبَّر عنه بلون النقاط القرمزيّ.
نرى في الإيقونة أيضًا لمساتٍ غير زاهية من خطوط الذّهب التي تلفت النظر إلى تحوّل القيَم: فالفقر يصبح امتلاكًا، والتجرّد يلتقي قمّة الغنى. ولقد عرفت القدّيسة مرفيلياس أن تنسّق في حياتها الفقرَ والفرح الحقيقيّ. ما كانت تحياه وما خلَّفتهُ بعد مماتها لم يكن سوى نقل أغراسِ دير القدّيس يوسف الأفيليّ، ومتابعة عمل أمّها القدّيسة تريزا ليسوع التي كانت القدّيسة مَرفيلياس تسيرُ على خطاها وتعجب بها كابنةٍ حقيقيّة. دُعِيت مَرفيلياس إلى الكرمَل كي تقتفي آثارَ الأمّ القدّيسة تريزا ليسوع، فعاشت، بالروح والحقّ، كاريسما رهبانيّتها. وعلى الرغم من الإنقلابات السياسيّة والتحوّلات الإجتماعيَّة الثقافية، عرفت أن تميّز الجوهريّ من الطارىء وحقّقت أولًا في حياتها، ثمّ في حياة الأديار التي أنشأتها، التكيّف الذي طلبته الكنيسة.
إنّها تسعى للولوج في سرّ المسيح، والإقتداء به كي يستبطن، في ما بعد، هذا السرّ الذي يبزغ في ضميرها ويظهر كتفجّر مجدٍ في حياتها كلّها، مؤلّهًا ومالئًا إيّاها حبًّا. كلُّ شيء فيها يكتسب عذوبة الحبّ، ولذلك فهي تصرخ قائلة: "في الداخل، يشتعل مثل حبّ صامت، في الظلمة، ولكنّه بمقدارٍ من القوّة، حتى إنّه يبدو من المستحيل مقاومته".
إنَّ حيَاة الله الخفيَّة تتحوَّلُ ظهورًا في الحَيَاة الوادعة والصامِتة التي عَاشتهَا الكرمَليَّة مَرفيلياس ليَسوع.
L.D.V.M. et S.J.
Carmel de la Théotokos et de l'Unité
Harissa - Liban
Carmel de la Théotokos et de l'Unité
Rue Saint Joseph
Harissa
Liban
Tél: 961 (0) 9 263889
Fax: 961 (0) 9 260792
E.mail: hatheomo@idm.net.lb