الأب غبريال لمريم المجدليَّة الكرملي
الفصل الثاني: منهج التأمل
1 - ماذا يُقصَد بعبارة منهج التأمل؟
منهج التأمل هو دليل عملي للسير بسرعة في طريق التأمل. فهو يدلّنا إلى الأفعال المختلفة التي يجب القيام بها لممارسة التأمل ممارسة أفضل.
2 - هل هناك من منهج كرمليّ للتأمل؟
نعم! إننا نجد في الرهبانية الكرملية منهجاً متكاملاً للتأمل وذلك منذ بداية الإصلاح التريزيانيّ. ولقد تمّ عرضه في كتاب إرشاد المبتدئين بطبعتيه: الإسبانية سنة 1591، والإيطالية 1605.
3 - ما هو أصل هذا المنهج؟
لقد نشأ هذا المنهج إنطلاقاً من تعاليم القديسين تريزا ليسوع الآفيلية ويوحنا الصليب. أما صيغته العمليّة النهائية فقد اتمّها تلامذتُهما. ونحن نعطي الآن لمحةً خاطفةً عن هذا المنهج كي ننتقل الى شرح أقسامه المختلفة لاحقاً.
4 - ما هي الأقسام التي يتألف منها منهجنا؟
اننا نقسم ممارسة التأمل الى ستة أو سبعة اقسام: التهيئة، القراءة، التفكّر (مع الحوار العاطفي) الشكر، التقدمة، الطلب.
5 - وهذا التقسيم، ألا يوقعنا في التعقيد؟
هذا التقسيم لا يعقّد ممارسة التأمل. وبالفعل فإن القسمين الأولين، التهيئة والقراءة، ليسا، بَعدُ، تأملاً بالمعنى الحصريّ، بل إنهما بمثابة المدخل إليه. أما الأقسام الثلاثة الأخيرة، الشكر، التقدمة والطلب فهي اختيارية ومكمّلة، ويمكننا الاستغناء عنها. يقتصر في جوهره على التفكّر الذي تصحبه محادثة ودية مع الرب، أي الحوار العاطفي. في الواقع هذا المنهج هو خلاصة ما وضعه المعلّمون الروحيون في القرون الثلاثة السابقة، نذكر أقربهم الى القديسة تريزا ليسوع الأفيلية، الأب لويس دي غرانادا، والقديس بطرس القنطري.
6 - كيف نحسن فهمَ المنهج الكرملي للتأمل؟
كي نفهم جيداً المنهج الكرملي، علينا أن نضعَ نصب أعيننا ما تقوله القديسة تريزا ليسوع عن التأمل؛ أي أن التأمل يقوم على ودّية مع الربّ، نحادثه فيها عن الحبّ، بشكل خاص، ملبّين دعوته لنا الى ان نحبه. لذلك فإن أقسام التأمل المختلفة من شأنها ان تقودنا بسهولة الى تلك المحادثة الودّية مع الله.
7 - ما هو نفع التهيئة، في هذا المنهج؟
تفيدنا التهيئة في التقرّب الى الربّ، إذ لا يمكن مخاطبة أي شخص بطريقةٍ حميمة بدون التقرّب إليه. لذلك علينا أن نضع ذاتنا بحضور الله، وبإيمان حيّ، شأننا في ذلك شأن النفس المتواضعة التي تعرف أنها ابنة لله.
8 - وما هو نفع القراءة؟
إن من شأن القراءة أن توفِّر موضوعاً لمحادثتنا الوديّة مع الرّب، تلك المحادثة التي يمكنها ان تتغذّى باعتبار جميع أسرار إيماننا المقدس، ومختلف الهبات والنعم التي قبلناها من الرب: ففي كلِّ ذلك يظهر حبّ الله لنا. غير أنه، لمّا كان من غير الممكن أن نحادث الله كلّ مرّة عن هذه المواضيع مجتمعة، فالقراءة تمكّننا من اختيار الموضوع الذي نريد ان نهتمّ به حاضراً، فيتيسّر لنا من ثمّ القيام بالإعتبارات وفقاً لشروحات الكتاب وملاحظاته.
9 - لماذا التفكّر؟
إن التفكّر أو أعمال الفكر الشخصي في عطيّة الله أو في السرّ الذي اخترناه في القراءة، يهدف إلى أمرين: الأول عقلي والآخر عاطفي. فالهدف العقلي هو فهمٌ أفضل لحبّ الله لنا كما يظهر في العطية أو السرّ الإلهييّن اللذين نتفكّر فيهما، فيزداد من ثمّ اقتناعنا بدعوة الحبّ التي يوجِّهها الله الى نفسنا. أما الهدف الثاني أو العاطفي فهو حثّ الإرادة على ممارسة الحبّ وعلى إظهاره، تلبيةً للدعوة الإلهية. فيبدو من ثم التفكّر بمثابة تهيئة مباشرة للمحادثة الودّية مع الربّ.
10 - كيف يتمّ الإنتقال من التفكّر، الى الحوار العاطفيّ؟
هذا الانتقال ليس من الضرورة أن يحصل في لحظة محدّدة أو معيّنة بطريقةٍ شبه حسابية بل يحدث تلقائياً وبطيقة عفويّة تماماً. فبينما تتوالى أفكارُنا في حضرة الله، ويتجلّى أمامنا مقدارُ حبّ الرب لنا، نشعر حينذاك باندفاع الى أن نقول له عبارات حبّية. لا بل غالباً ما يحدث أن الأفكار التي كانت تتوارد من ذاتنا الى ذاتنا، تتابع، ولوقتٍ قصير، فتتوجّه عباراتٍ نحو الرّب، مما يساعدنا على وعي حبّه وعياً أوضح. غير أن النفس تعزف اخيراً عن كل ما تفكّر كي تستسلم كلّياً الى عواطف الحب والتعبير عنها، وهكذا تنتقل من حيث لا تدري الى الحوار العاطفي وفي هذا الحوار العاطفي تقول النفس لله، وتكرّر بألف صيغة وطريقة أنها تحبّه وأنها تتوق الى مضاعفة حبّها له وتبرهن له عنه.
11 - ما هي أهمية هذا الحوار؟
الحوار هو في غاية الأهمية، وهو القسم الأساس من التأمل. إنه يترجم على أفضل وجه فكرة القديسة تريزا الأفيلية عن التأمل الذي يقوم على الحديث الودّي مع الربّ والذي فيه نجيب على حبّه لنا. لذلك يمكننا أن نُشغل بهذا الحديث وقتاً طويلاً من التأمل لا بل الساعة بأكملها.
12 - ما هي إذاً، الفائدة من الأقسام الثلاثة الأخيرة من التأمل؟
ان هذه الأقسام أو الأفعال الثلاثة الأخيرة من التأمل، الشكر والتقدمة والطلب، من شأنها ان تطيل حديثنا الودّي مع الرب. كما ان تلك الأقسام ليست بالفعل سوى أفعال عاطفية أكثر تحديداً وهي بمثابة طرائق لإظهار حبّنا لله.
13 - كيف علينا أن نتصرّف في هذه الأقسام؟
في "الشكر" نُظهر لله عرفانَ جميلنا المتواضع للنعم التي نلناها منه. وفي قسم "التقدمة"، نريد بدافعٍ من عرفاننا بجميله وحبنا له ان نقدّم نحن أيضاً للربّ بعض الشيء. أما في "الطلب" فنسأل عونه، وكلنا قناعة متواضعة بعوزنا وضعفنا، لكي ننجحَ في الثبات أمينين للمقاصد التي افصحنا له عنها في قسم "التقدمة". هذه الأفعال ليست، إذاً، في الحقيقة، سوى امتدادٍ للحوار العاطفي الذي نشأ عفوياً من التفكّر.
14 - هل من ترتيب يتعيّن علينا مراعاته في هذه الأقسام من التأمل؟
ان الترتيب المشار إليه سابقاً هو أقربها إلى المنطق العقلي. غير أننا يمكننا أن نتحرك بحريّة كبرى في التأمل، فنرتّب هذه الأقسام بطريقة اكثر عفويّة. بل يمكننا أن نعود الى القسم ذاته أكثر من مرة. ويصحّ الأمر كذلك في التفكّر والحوار العاطفي اللذين يمكنهما أن يتعاقبا مراراً فيما بينهما.
15 - هل الأقسام الأخيرة هي ضرورية؟
كلا! ان هذه الأفعال الأخيرة تبقى اختيارية فقط. وبالفعل، من استطاع ان يستغرق كفايةً في الحوار العاطفي، بدون اللجوء الى هذه الأقسام يمكنه الاستغناء عنها بدون أي ريب. غير أن هذه الأفعال المختلفة، في بداية حياة التأمل، تساعد دائماً على تركيز الانتباه. وفي هذه الحال، يجد بنا أن نلتجىء اليها ونستفيد منها.