الأب غبريال لمريم المجدليَّة الكرمَلي
الفصل الثالث : الإستعداد والقراءة
1 - هل هناك أساليب مختلفة للإستعداد للتأمّل؟
إنَّ معلّمي الكرمَل يميّزون غالبًا استعدادين: الإستعداد البعيد الذي يهيّىء من خلاله قوانا للإختلاء بمرونة في الله. والاستعداد القريب الذي بواسطته نتصل بالله بشكل مباشر لكي نبدأ معه الحوار الحميم.
2 - ما المطلوب لكي تصبح القوى معدّةً للإختلاء؟
من الضروري ألا تكون مأخوذة بالخلائق بشكل مُفرِط وأن يُدرَّب ميلها إلى الانشغال بالله. ولتوفير هذه الشروط هناك عنصران يُسهمان في الاستعداد البعيد: الأول سلبي لأننا به نُبعد أحد العوائق، والثاني إيجابي لأنه يؤدّي الى اكتساب إحدى الصفات.
3 - ما هو العنصر السلبي في الاستعداد البعيد؟
إنه الهروب من تشتّت الروح ومن تعلّق القلب. فيجب ان يكون القلب حرًّا ليستطيع أن يمارس بسهولة محبّة الله؟ وهذا يتطلّب تجرّداً حازمًا من الخلائق. فمن يريد أن يحبّ كثيرًا عليه أن يحفظ لله توثبِّ حبّه ورقة عاطفته، فلا تتشتَّت في الأشخاص والاشياء التي يمكنها أن تأسر قلبًا غير منضبط بأهون سبيل. أضف الى ذلك أننا لا نبلغ حرّية الروح بدون إماتة جادّة لحواسنا التي تكون مثل نوافذ مفتوحة على أمور الأرض، ولذاكرتنا التي بالروح البشريّة أن تتجنَّب بنفسها الأفكار غير المفيدة. وبالتالي يجب ان نضع رقيبًا على قلبنا وعقلنا.
4 - ما هو العنصر الإيجابي في الإستعداد البعيد؟
إنه التمرّس بتذكر حضور الله طالما كان ذلك بمقدورنا وضمن إمكاناتنا. فهذه الممارسة المقدَّسة تجمع فكرنا وإرادتنا في الله، فنحافظ على الاتصال المستمر بالله وسط مشاغل الحياة اليومية، كما تساعدنا، تلك الممارسة، على أن نتحدّث الى الله غالبًا في أثناء النهار: فالأمانة لهذه الممارسة توفّر لنا سهولة التحدّث الى الله، والاتصال الحميم به: وهذا بالتحديد هو الاستعداد القريب.
5 - أيّ موقف روحي يُسهّل علينا الاتصال بالله؟
إنَّ اكثر ما يناسبنا هو الوقوف امام الله بثقة متواضعة. فالله هو أبونا، ويريد أن نحاوره كأبناء ضعفاء. ونوقظ في نفسنا الشعور بفقدنا بتذكّر أخطائنا المتكرِّرة التي تكشف بؤسَنا. وبدل من أن نتقوقع لرؤية ضالَّتنا، نرتمي بين ذراعي يسوع الذي علَّمنا: "بدونه لا يمكننا ان نفعل شيئًا، فنستحثّ الهمّة للإلتجاء إليه. لذلك تدعونا أمّنا القديسة تريزا، في بداية التأمل الى فحص ضميرنا، وتلاوة فعل الندامة ثم الى البحث عن رفقة يسوع.
6 - ما هو الأسلوب العملي الأنجح لندخل في العلاقة مع الله؟
إنّ أيّ شكلٍ من أشكال استذكار حضور الله، هو مناسبٌ، شرط أن يُمارَس بهمّة وعمق. وهناك أسلوبين يُنصَح بهما للتأمل: أولاً العيش بحضور القربان المقدس، وثانياً الاختلاء الداخلي، والتوجّه الى الأقانيم الثلاثة الإلهية الساكنين في النفس بواسطة النعمة، ويهبون لها ذاتهم لكي يُعرَفوا ويُحبّوا. ولكي يبدأ، لاحقاً الحوار مع "الله الحاضر"، نتذكر الموضوع الذي تتناوله القراءة.
7 - في أي وقت يجب أن نقوم بهذه القراءة؟
من المفضَّل أن يكون ذلك قبل بداية التأمّل، وإلاّ يُستحسن أن تقوم بها عند البداية وفي بعض الجماعات الرهبانية، تُقام القراءة بصوتٍ عالٍ عند بداية فترة التأمل الجماعي.
8 - ما الفائدة من القراءة في "الجماعة"؟
إنها تهدف الى توفير مادة التأمل للّذين ينقصهم ذلك. ولكن ليس إلزاميًا إعتماد الموضوع الذي تقدّمه القراءة. فعادةً، يذهب بعضهم الى التأمّل بموضوع يكونوا قد أعدّوه سَلَفاً بالقراءة على انفراد. وإذا وُجِدَ أنَّ موضوع القراءة في الجماعة يلفت انتباهنا أكثر من الموضوع المقدَّس، فيمكن استبداله بكامل الحرية.
9 - هل يجب أن يكون هدفُ القراءة التأمل؟
هذا هو الهدف الأول، وهذا ما يميّزها عن إعداد موضوع "القراءة الروحيَّة" التي تهدف الى أكثر من ذلك، أي إلى التثقيف في الحياة الروحية. أمَّا القراءة التي نتكلّم عليها فهي تهدف الى اعطائنا بشكل مباشر حقيقةً نسبر أغوارها بواسطة التفكير لكي تزيدنا قناعة في حبِّ الله لنا. َّأما بالنسبة الى الذي لا يمارس التفكر وقد وصلوا الى ما تصفه أمّنا القديسة تريزا بتأمل الاختلاء، أو الى درجة أرفع أيضًا، فلا تعود عليه بالفائدة القراءة الروحية من أجل اختيار الموضوع، بل تساعده على استجماع الروح بلطف وتهيئتها لأن تتذوَّق في التأمل الاستراحة في الله.
10 - ما هي الكتب المفضّلة التي علينا اختيارها لهذا الغرض؟
من أجل ايجاد موضوع التفكر، هناك كتب تحوي على نصوص مختارة لهذا الغرض، كما وهناك كتب روحية أخرى تشرح مظاهر حبّ الله على أنواعها. ومن المفضّل استخدام كتب روحية عرفناها قبلاً.
وإذا كان المطلوب أن نقرأ فقط لاستجماع الروح، فيصلُح أي كتاب يوقظ حبًّا حارًا لله. إنَّ كتابات القديسين تدخل في عداد هذه الكتابات.
فاختيار الكتب يتأثر إذًا مباشرة بهدف القراءة؛ كما أنَّ ثقافة الشخص ومستوى اختباره الروحي، يؤثران جدًا. أما الكتب ذات المستوى الفكري والروحي الرفيع، فيصعب فهمها وقد تسبب الجفاف بدون شك.
11 - هل يمكننا ان نقرأ سير القديسين؟
حتى هذه الكتب لا يمكن استثناؤها، لأنَّ كثيرين يُثير اهتمامهم مثال القديسين الذين عاشوا التعليم الروحي اكثر من الشروحات النظرية. لكن يجب تجنّب القراءة بدافع الفضول، أو إطالتها بدون نفع. لذلك من غير المناسب أن نقرأ سِيَرًا جديدة لإعداد التفكُّر، لأنَّ الاكتفاء إن أمكن، بخلاصة عن شخصيَّة كناقد درسناها سابقًا.
12 - كيف علينا أن نمارس القراءة؟
بما أنَّ الهدف من القراءة هو إيجاد موضوع الحوار مع الرَّبّ، فمن الضروري أن نقرأ بانتباه. لذلك يجب التمرّس على القراءة البطيئة، وإلا قد تفوتنا الموضوعات المناسبة. كذلك يجب التمرّس على قراءة "بتقوى وخشوع"، ممَّا يساعد على تمييز ما ينفع النفس، وهذا يجعلنا أكثر انتباها وتأثّراً بالأفكار الحسنة. هذا ما يسهِّل علينا تأمين الموضوعات المثمرة مسبقًا وتحضير المشاعر التي نريد أن نعبّر عنها، والمقاصد التي نريد عيشها لاحقًا.
وبما أنَّ هدف القراءة هو إسعافنا حسب احتياجاتنا، فلا ضرورة أن نتقيَّد كثيرًا بها أبعد من هذه الحاجة.
كما أن القراءة في الجماعة، من المحبّب أن تكون قصيرةً لكي لا تسبب الإزعاج لمن لا يستعملونها وهم كثيرون.
13 - هل يمكننا ان نعود الى القراءة خلال التأمّل؟
هذا أمرٌ ممكن، ويمكن النصحُ به في أحوال خاصة، فأمّنا القدّيسة تريزا لم تكن تذهب إلى التأمّل بدون كتابٍ يصحبها. وفي بعض الأحيان نتشتَّت كثيرًا بحيث إننا لا نتمكّن من استجماع أفكارنا وتوجيهها نحو الرّب. إلاّ إذا غذّينا عقلنا بأفكارٍ مفيدة من خلال القراءة وحتى في أثناء التفكّر والمكوث مع الرَّبّ إذا أعاقنا بعض التعب عن تركيز الانتباه، فمن المناسب غالبًا، أن نضع أمام عيوننا موضوع التفكّر الذي اخترناه فيتلقّى انتباهنا بعض العون الخارجي.
وليحذر المتأمّل من تحويل التأمّل الى قراءة بنوع حصري، بل يجب أن تبقى على الأقل قراءة تأمّلية، نوقفها لنفسح في المجال للعواطف والمقاصد. عندئذ تتحوّل القراءة نفسها الى أداةٍ لحواسنا مع الله.