ما هو مِعنى اسْمِهِ "إِيليَّاهُو"؟ وكيفَ انطَبَعَ هذا الإسم في مسيرةِ حَيَاتِهِ إلى حين انتقالِهِ عن الأرض؟
كانَ النَّبيّ إِيليَّا مِن قريَةِ تِشْبَه في أَرضِ جَلعَاد، مـَجهُول القَبِيلَة والوَالِدَين، في عَهْدِ آسَا مَلِكِ اليَهود، وآحَاب مَلِكِ السَّامِرَة، في منتَصَف القَرن التاسِع قبلَ الـمَسِيح. كانَ الـمدافِع العنيد عن الإِيـمَان باللهِ الوَاحِدِ الأَوحَد يَهْوَه، وهذا هو مِعنى اسْمِهِ "إِيليَّاهُو" في اللغة العبريَّة: "إِلهي هو يَهْوَه!" عاشَ بتولًا ناسِكًا على جَبَل الكَرمَل، متنطِّقًا بمِنطَقَةٍ مِن جِلدٍ على حَقوَيهِ، متَّصفًا بغَيرةٍ متَوقِّدَة على قِيَام ناموس الرَّبّ، لا يهَابُ الملوك ولا الـجَبَابِرَة.
حَبَسَ غيمَ السَّماء ثلاثَ سنين وستَّةَ أَشهر، وأَقَامَ عِندَ نَهرِ كَرِيت، تِجَاهَ الأُردُنّ، يَشرَب مِنَ النَّهر، وقد اَمَرَ الرَّبّ الغربَان بأَن تَقوتَهُ هناكَ، إِلى أَن جَفَّ النَّهر. فَأَمَرَهُ الرَّبّ، فمضَى إلى صَرفَت صيدا، إلى امرأة أرملة، لها ابنٌ وحيد، فأقامَ عندها زمنًا طويلًا، يقتاتون معًا من جرَّة دقيق لم تفرغ، وقارورة زيت لم تنقص، إلى يومَ أرسَلَ الرَّبّ مطرًا على وجه الأرض بصلاة إيليَّا النبيّ.
مَرِضَ ابْنُ الأَرمَلَة مَرَضًا شَديدًا أَمَاتَهُ، فصَلَّى إيليَّا وقامَ الغلامُ حيًّا. قدَّمَ للرَّبّ ذبيحَةً على جَبَل الكَرمَل، أَمَامَ الـمَلِكِ أَحَاب وزوجَتِهِ إِيزابَل، وجميع أَنبيَّاء البَعل وأَنبيَّاء عشتاروت، وجميع الشَّعب، فاستَجَابَ اللهُ قربَانهُ بنارٍ هَبَطَت وأَكَلَت الـمُحرقَة والـحَطَب والـحِجَارَة والتراب حتى لـَحَسَت الماء الذي حَولَ الـمَذبَح، فَصَرَخَ الشَّعبُ مؤمِنًا: الرَّبُّ هو الإِلَه، الرَّبُّ هو الإِلَه! لذلِكَ اضطهَدَتهُ إِيزابَل الكَافِرَة، فهَرَبَ مُوغِلًا في البريَّة أَربَعينَ يومًا وأَربَعينَ ليلةً، إِلى جَبَلِ اللهِ حوريب، حيثُ تراءَى اللهُ لهُ في نسيمٍ لطيفٍ، وعزَّاهُ وقوَّاهُ، وأَمَرَهُ بأَن يَعودَ إِلى أَرضِهِ، ويـَمسَحَ حَزائيلَ مَلِكًا جَديدًا مكانَ أَحَاب، وأَليشَاعَ نبيًّا بدلًا منهُ.
تنبَّأَ بـِمَوتِ الـمَلِك والـمَلِكَة، لأَنَّهُمَا سَفَكَا دَمًا زكِيًّا، بِقَتلِهِمَا نَابُوتَ اليِزْرَعيليّ لِيَرِثَا كَرمَهُ.
وبَعدَ حَيَاةِ جِهَادٍ وشَهَادَةٍ لله وشَريعَتِهِ، رَفَعَهُ اللهُ إِليهِ على مَركَبَةٍ ناريَّةٍ، وطَلَعَ إِيليَّا في العَاصِفَة نحو السَّمَاء، وقَد أَعطى تلميذَهُ أَليشَاع رداءَهُ، فَحَلَّتْ روحُ إِيليَّا على إِليشَاع.
كانَ إِيليَّا، بعدَ موسَى، أَعظَم أَنبيَّاءِ العَهدِ القَديم. وفي الـمُعتَقَد اليَهودي أَنَّ إِيليَّا مَـحفوظًا عندَ اللهِ حَيًّا، لِكَي يُعيدَهُ في نُهْيَةِ الزَّمَن، فَيُبّشِّرُ بِمَجيءِ الـمَسِيح. ولَكِنَّ الرَّبَّ يَسوع، والرُّسُل مِن بعدِهِ، والإِنجيليِّين والكَنيسَة، يَعتَبِرون أَنَّ يوحنَّا الـمَعمَدَان قد قَامَ هو نفسُهُ بدَورِ إِيليَّا، حينَ بَشَّرَ بِـمَجيءِ الـمَسيحِ يَسُوع، وَهَيَّأَ لهُ بِعِمَادِ الـمَاءِ، وبِشَهَادَةِ الكَلِمَة والدَّم (متى 17 / 10 – 13). ويَجعَل الإِنجيليُّونَ يَسوعَ في عَلاقَةٍ خاصَّة بإِيليَّا، منذُ بَدءِ بِشَارَتِهِ في النَّاصِرَة (لوقا 4 / 25)، إِلى تَجَلِّيهِ على الجَبَل (متى 17 / 1 – 8)، إِلى إِحيَاءِ ابنِ الأَرمَلة في قريَةِ نَائِين (لوقا 7 / 11 – 16)، إِلى صعودِهِ في الـمَجد (لوقا 24 / 51).
لقَد بَلَغَتْ غَيرَةُ إِيليَّا النَبيّ على خلاصِ شَعبِهِ، بِصَفَاءِ إِيـمَانِهِ ومَـحَبَّتِهِ لِشَريعَةِ إِلهِهِ، حَدَّ أَنَّ الكِتَابَ الـمُقدَّس يذكُرُ رسَالةً بَعَثَ بهَا النبيُّ إِيليَّا، بعدَ مَوتِهِ، إِلى الـمَلِكِ يورام، يُهَدِّدُ فيهَا بِضَربَةٍ عَظيمَة، لأَنَّهُ تَرَكَ الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِ (2 أَخبَار 21 / 12). لهذا انتَشَرَ إِكرامهُ وعبَادتهُ انتشَارًا عَجيبًا. صلاتُهُ مَعَنا. آمين.