الأحَد الرَابع والثلاثون مِنَ الزَمَن العَادي حَسَب الطقس اللاتيني
يَسوع المَسيح ملِك الكَون – احتفال
كتابة الأب نوهرا صفير الكرمَلي
مقدِّمَة
في الأحَد الرابع والثلاثون أي الأحَد الأخير مِن الزَمَن العَادي، تتوقَّف كنيسَتنا الغربيَّة اللاتينيَّة على صورة "المَسيح يَسوع مِلِك الكَون". وتؤكِّد في ليتورجيَّتِهَا على أولويَّة المَسيح يَسوع في كلِّ شيءْ. أمَّا الأحَد الذي يليه فهو الأحَد الأوَّل مِن زَمَن المَجيء المقدَّسْ وهو أيضاً الأحَد الأوَّل في التقويم الكنسي الجَديد. ويُشار إلى هذا العيد بشكل ضِمني غير مبَاشر في أعيَاد الظهور الإلهيّ، الفِصِح والصعود.
نحنُ اليَوم أمَامَ صورة رائِعَة مِن صوَر السيِّد، هي صورَتهُ مَلِكاً ممجَّداً، وهذِهِ الصورَة يَنقلهَا لنا الإنجيل المقدَّس بصورة بديعَة، مَلِك الأكوان، وسيِّد الأزمَان، وديَّان العَالمين الذي بينَ يَدَيهِ سَيَقِف كلُّ إنسَان ليؤدِّي لهُ حِسَاباً. والرَّبّ يَسوع لا يَسألنا في يَومِهِ إلاَّ عن الرَّحمَة، الرَّحمَة لِمَن حَولنا.
"إنِّي مَلِك وَمَا وُلِدتُ وأتيتُ العَالم إلاَّ لأشهَدَ لِلحقّ". هذِهِ الكَلِمَات المقدَّسَة أعلنَهَا يَسوع، يَومَ وَقَفَ أمَامَ بيلاطس البنطيّ وهو مقيَّد بسلاسِل مِنَ الحَديد كَمُجرم. والكتاب المقدَّس في العهد القديم والجديد يُظهر عظمَة هذِهِ الصورة صورة المَلِك المَجيد وصورة مَلكوتِهِ الخالِد. فهوَ المَلِك الراعي الأمين، والمَلِك الجَبَّار، والمَلِك العَادِل، الألِف واليَاء، الأوَّل والآخِر، البدايَة والنهَايَة، إنَّهُ منطلق الخلق والتاريخ، وملتقى الأزمنة والدُّهور. هذِهِ الكَلِمَات التي ذكرناهَا هنا تذكرهَا الكنيسَة في ليتورجيَّا النور ليلة العشيَّة الفصحيَّة في السبت العَظيم المقدَّس، لِتقولَ لنا مِن خِلالهَا إنَّ يَسوع المَلِك هو النور الذي لا يَعرف المَغيب.
تاريخيَّة عِيد يَسوع المسيح ملِك الكَون
وجَّهَ السعيد الذِكِر البَابَا بيوس الحادي عَشَر في برَاءَة عامَّة إلى جميع أبناء الكنيسَة بالاحتِفال بعيد يَسوع المَسيح مَلِك الكَون في الأحَد الأخير مِن الزَمَن العَادي وذلِكَ بتاريخ 11 كانون الأوَّل 1925.
مِن خلال هذهِ البَراءَة التي وجَّهَهَا قدَاسَتُهُ حدَّدَ الهَدَف والأهميَّة مِن الاحتِفال بهَذا العيد الذي يَحمِل العَالم أجمَع إلى الاعتِراف العَلنيّ بمُلك السيِّد المَسيح على القلوب والأفكار. فيَسوع ربُّنا هو رئيس السَّلام كمَا يسمِّيه الأنبيَّاء هو ابن البَشَر الذي أوتِيَ سُلطاناً وَمَجداً وملكاً لا يَزول.
إنَّ هَدَف البَابَا مِن تحديد عيد يَسوع المَلِك هو بمَثابَة إقرار علنيّ منهُ بالإيمَان الحقيقيّ وإعادة القطيع إلى المَسيح الفادي. كمَا وأنَّهُ دَعَا أبناءْ الكنيسَة إلى تجديد تكرُّسِهم لِقلب يَسوع الأقدَس.
الإطار الليتورجي
تُظهر لنا الليتورجيَّا مِن خلال قراءَات هذا النَّهَار، صورَة المَسيح المَلِك، صورَة المَسيح المَصلوب الذي سيَعود بالمَجد حَامِلاً صليب الحَيَاة. تَمَامُ مُلكِهِ أن نكونَ كلُّنا مُلكه. تَمَامُ مَلكوتِهِ، أن يَكتمِلَ جَسَدَهُ بنَا، نحنُ جَسَدَهُ. تَمَام سَيطرتِهِ على الحَيَاة، أن تكونَ الحَيَاةُ فينا، وتكون فائِضَة: فالمَلكوت، الجَسَد، والحَيَاة هي مرادفات لِبشَارَة واحِدَة: تَمَام حلول مَلكوت الله، وتمَام خلاصِنا.
لم يَستَعمِل الرَّبّ يَسوع لقبَ المَلِك بَل أطلِقَ عليه. فَهمَ خصُوم يَسوع مُلكه مِنَ الناحِيَة السِيَاسيَّة، لكنَّ الرَّبّ يَسوع يَرفُضُ هنا أن يَكونَ "مَلِك اليَهود" بالمعنى السيَاسيّ، فيتَّهم يَسوع بإثارَة الفتنة والبَلبَلة.
إنَّ المَملكَة التي يُطالِب بهَا ربُّنَا يَسوع تختلِف اختِلافاً كبيراً عَن المَملكَة التي تعود جميع أهدافهَا وَمَطالِبُهَا إلى هذا العَالم. لأنَّ مَملكة الرَّبّ لا تحتاج إلى القوَّة ومَا هناك مِنَ العَمَل السيَاسيّ لأنَّهُ قد نالَ قوَّتَهُ مِن أبيهِ السَّمَاويّ.
يَسأل بيلاطس يَسوع ولا يَهُمُّهُ الجَواب لأنَّهُ لا يؤمِن بالحَقّ، أو لأنَّهُ جَبَان لا يريد أن يَعرف الحَقّ ويَلتزم بهِ، ولو انتظرَ الجَواب لسَمِعَ يَسوع يَقول لهُ: أنا الحَقّ! على أنَّهُ سَيَتحَقَّق شخصيّاً مِن بَراءَة يَسوع.
لم يُطلق على اسِم يَسوع لقب المَلِك إلاَّ في الولادَة: "وُلِدَ مَلِكُ اليَهود فأينَ هو؟ رأينا نجمَهُ في المَشرق، فجئنا نَسجُد لهُ". وفي إنجيل الآلام: "هو مَا تقول، فإنِّي مَلِك، وأنَا مَا وُلِدتُ وأتيتُ العَالم إلاَّ لأشهَدَ لِلحَقّ". فيَسوع، الذي سيُنادي بمَلكوت الله، هو المَلِك الحَقّ: مَلِكٌ سَاعَة تكوَّنَ في أحشاءِ أمِّهِ مَريَم يَومَ البشَارَة، ويَومَ وُلِدَ في بيت لحم، مدينة المَلِك داود، ويَومَ عُلِّقَ على خشَبَةِ الصليب حرّاً مَرفوعاً بينَ الأرضِ والسَّمَاء.
خاتِمَة:
لا يَزال الرَّبّ يَسوع، حتَّى اليَوم يَدعونا إلى التخلّي عن المَظاهِر الخارجيَّة، ترك الإنسَان القديم، وقول الحقيقة دونَ مسَاوَمَة متمَسِّكينَ بهِ لأنَّهُ هو وَحدَهُ الطريق والحقّ والحَيَاة، وهو وَحدَهُ قادِر على أن يَجعَلنا نصبح بدورنا طريقاَ وحقّاً وحَيَاة.
صلاة:
أيُّهَا الإلهُ الأزليّ القدير، يَا مَن أرَدتَ أن تُجَدِّدَ كلَّ شيء في ابنِكَ الحَبيب مَلِكِ جَميع الكَائِنات، هَبْ أن تُحَرَّرَ جميعُ الخلائِق مِنَ العبوديَّة فتخدُمَ جَلالكَ العظيم وتَحمَدَكَ دائِماً. بربِّنا يَسوع المَسيح الإله الحَيّ المَالِك إلى دهر الدُّهور. آمين.
(مِنَ الليتورجيَّا اللاتينيَّة في عيد يَسوع المسيح ملك الكون)