Page d'accueil Articles
Liturgie
  • liturgie

زمَن الصوم الأربعيني المقدَّس في الكنيسة اللاتينيّة الرومَانيَّة
كتابة الأب نوهرا صفير الكرملي

مقدِّمَة
زمَن الصوم المقدَّس هو رياضة روحيَّة ومسيرة مقدَّسَة إلى الفصح العظيم المقدَّس، حيثُ تضع الكنيسَة قيامة الرَّبّ يسوع كمحطَّة يسيرُ إليهَا المؤمن في رحلة روحيَّة خاصَّة تمتدّ طوال الزمن الأربعيني المقدَّس. ذلكَ أنَّ قيامَة ربِّنَا وإلهنا ومخلِّصنا أعطت لكلِّ مؤمن حيَاة جديدة: "أمس دُفنتُ معكَ واليوم أنهضُ معكَ بقيامتِكَ" (راجع كتاب القدَّاس في خِدمَة قيَامَة الرَّبّ). إنَّ قيامة الرَّبِّ يسوع هي حدثٌ لا يزال يحصلُ في كلِّ إنسَان لأنَّ كلَّ إنسَان قَبِلَ نعمَةَ الحيَاة الجديدة والقدرة لاقتبَالها والعيش بموجبها.

إنَّ زمَن الصوم اليوم يطرح أسئلة كثيرة: كيف تكوَّن في الغرب؟ ما هي العادات الدينيّة التي رافقت هذا الزمَن كالممارسات الشعبيَّة والتقاليد الليتورجيَّة؟ في الكنيسة؟ في البيت؟ وحتى على مستوى المطبخ كالأكل ومشتقَّاتِهِ؟ ما هي الروحانيّة التي واكبت الصائم؟ وفي يومِنَا هذا كيف يعيش الغرب مسيرة الصوم المبارك؟

على هذه الأسئلة الكثيرة التي تُطرَح اليوم، لا بدّ من استجواب التاريخ والليتورجيا وآباء الكنيسة وعلماء الاجتماع من خلال نظرة موضوعيَّة ومنهجيَّة. لا بدَّ مِنَ الرجوع إلى الماضي الَّذي يسمحُ لنا اليوم فهم الحاضر وفتح آفاق للمستقبل.

ولا بدّ من أن نضيف في بداية هذا العَمَل أنّ نظام الصوم قدّ مرّ بمراحل كثيرة، من التشدُّد إلى الليونة، ومرّة أُخرى من الليونة إلى التشدُّد، وذلِكَ في حركة جدليَّة تدلُّ على طبيعَة الإنسَان الذي يميلُ دوماً إلى الجهد الأقل. وكلّ مرحلةِ فتورٍ وتراخٍ تبعهما إصلاحٌ جديد وتقويم، وهكذا دواليك.



ومن ناحية أُخرى أيضاً يدلُّ هذا التطوُّر في قوانين الصَّوم على أنَّ الكنيسَة المقدَّسَة هي أمّ ومعلِّمَة تحنو على حاجَات ومتطلِّبَات أبنائهَا المؤمنين وتتفهَّمهُم وتطوِّر قوانينها بحيث يتوافق في الوقت عينِهِ بين حاجة الإنسان إلى التَّوبة والرجوع إلى الذَّات والتجدّد الروحي وبين واقعه الاجتماعي والصحي.

تاريخيَّة زمن الصوم الأربعيني المقدَّس ومدّتهُ:
يَحملُ هذا الزمَن المقدَّس تاريخٌ قديم ومرجَع غربيّ قديم يكلِّمُنا عن أنَّ الصوم يعود إلى القدِّيس إيريناوس (القرن الثاني)، يشير فيهِ القدِّيس الَّذي هو أسقف ليون إلى اختلاف الكنائِس حول تاريخ الفصح وحول فترة الصوم السابق للفصح، فالبعض جعلهُ يوماً والبعض الآخر يومين أو ثلاثة وآخرون أربعين ساعة. ويشير الكتَّاب والمحلّلون إلى أنَّ ذلكَ الصَّوم الذي أشار إليه أسقف ليون كان متواصلاً وقام على الامتِناع الكامِل عن الأكل.

كان المونتانيست –Montanistes les وهم شيعة مسيحيَّة متشدِّدة انتسَبَ إليها طرطليانوس الإفريقي- يصومون أسبوعين (دون السَّبت والأحد) وينتقدون الكاثوليك الَّذين يصومون يومين فقط وهما الجمعة العظيمة المقدَّسَة والسبت المقدَّس المعروف عند الشرقيِّين بـ "سبت النّور". ومن رسالة لأسقف الإسكندريّة ديونيزيوس (القرن الثالث) نفهم أنّ العادة هنالك قامت على صيام أسبوع واحد يبدأ من الإثنين المقدّس وينتهي بسبت النور ويمتدّ الى صياح الديك في صباح أحد القيامة. وكان كتاب الديداسكاليا يطلب صوم هذا الأسبوع والاكتفاء بوجبة واحدة في اليوم تتكوّن من الخبز والملح والماء، وتوقيتها هو الساعة الثالثة بعد الظهر. أما اليومان الاخيران فلا يأكل فيهما الصائم شيئاً.



ومن القرن الثالث لدينا شاهد على أنّ يوم الأحد ليس يوماً صياميّاً. فعلى تمثال لهيبولتيوس معروض الآن في متحف الفاتيكان، نقرأ أنّهُ لا يجوز الانقطاع عن الطعام في الأحد الذي يتخلّل زمن الصوم. ويدلّ ذلك على أنّ الفترة كانت تتجاوز الأسبوع. وبعد مجمع نيقية كثُرت الشواهد على أن مدة الصوم أصبحت أربعين يوماً، ومنها شهادات أوزبيوس المؤرّخ (ق4) وباسيليوس وكيريلّس الأورشليمي ومجمع اللاذقيّة(360) والقديس أبيفانيوس. وبعد عام 340 ثبتت روما رسميّاً الصوم الأربعيني بشهادة أمبروزيوس وهيرونيموس وأغسطينوس ولاون الكبير .

والرقم أربعون يشير إلى صيام يسوع مدّة أربعين يوم وأربعين ليلة. وكانت روما تصوم عمليّا ستّة أسابيع بما فيها الأسبوع المقدَّس، وكان الأحد مُستثنياً من الصوم، ولذا كانت الأيام المتبقيّة فعلاً هي 36 يوماً.

ولما كان يوم السبت والأحد في الشرق هما يومان بدون صيام اضطرَّت الكنائس الشرقيَّة إلى إضافة أسبوع سابع إلى زمن الأربعيني، فأصبح مجموع أيام الصيام هو 36 يوماً كما في الغرب، وأخذ المفسِّرون آنذاك يشرحون معنى ذلك رمزياً فقالوا: "إنَّ الستَّة والثلاثين يوماً، إذا أضفنا إليها ساعَات الليل الذي يتبع سبت النور وحتى صياح الديك يكون مجموع أيام الصيام هو 36 يوماً ونصف أي عشر السنة الشمسيَّة تماماً"، فنكون قد قدَّمنا للرَّبّ العُشر ضريبة تكفيريَّة: هكذا كان الوضع زمن البابا غريغوريوس الكبير عام 604م، ولم يرضَ الكثيرون عن هذا المعنى الرمزي المصطنع للزمن الأربعيني، فأرادوا أن يكون فعلاً من أربعين يوماً كاملة، وتمَّ ذلك بنقل بداية الصوم من اثنين الأسبوع السادس السابق للفصح إلى الأربعاء الذي قبلهُ والذي نسميه اليوم بأربعاء الرَّماد، وأقدم شاهدٍ على هذا التحوُّل هو كتاب الأسرار المنسوب للبابا جيلازيوس Sacramentarium Gelasiunum الذي يعود إلى القرن الثامن.

ودخل هذا التغيير فرنسا مع شاركان في القرن الثامن وكذلك ألمانيا، أما ميلانو فبقيت على صيام الـ36 يوماً، وفي القرن التاسع دخل تمديد على فترة الصوم، فأضافت الكنيسة الغربيَّة يومين قبل أربعاء الرَّماد من أجل الإكليروس، بحيث يبدأ الإكليروس انقطاعهُ عن اللحم قبل العلمانيِّين بيومين لأنَّ عليهم مسيرة قداسة أعظم، وأصبحت الفترة تسمى بالزمن الخمسيني أو Quinquagésime، هذان اليومان الإضافيَّان يربطان الإكليوس دون غيرهِ حتى القرن الرابع عشر وبعدها عادت فترة الصوم إلى فترتها السابقة، أربعون يوماً.

ممارسات الصوم الأربعينيّ المقدَّس:
إنَّ ما سبق في كلِّ مَا يتعلّق بفترة الصوم المقدَّس التي انطلقت من يومين حتى صارت أربعين يوماً، ولما كانت الفترة قصيرة أي يوم أو يومين أو 40 ساعة، كان الصوم يغطي الفترة كلّها ويقوم عن الانقطاع الكامل عن جميع أنواع الطعام، ولمَّا صارت الفترة أسبوعاً كاملاً كانت أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس تقوم على أكل الخبز والخضار الجافة مع الملح والماء، وكانت هذه الوجبة الخفيفة جاهزة مرة واحدة في اليوم وتؤخذ بعد الظهر أو المساء إذا سمحت الشروط الصحيَّة للصائم، أما اليومان الأخيران أي الجمعة والسبت المقدَّس فوجب فيهما الانقطاع الكامل عن الطعام وبقي للأسبوع الأخير من الصوم طابعٌ صارمٌ وشديدٌ حتى بعد أن اتَّسعت فترة الصيام وامتدَّت إلى أربعين يوماً.

وبسبب اقتصار المأكولات على الخبز الجافّ والخضراوات الجافَّة سمُّوا البعض زمن الصوم Xérophogei.، أي الأكل القاشِف، وكان البعض يتشدَّد في الصوم ويبقى 3 أو 4 أيام بدون تناوُل أيِّ شيء ويشهد القدِّيس إبيفانيوس (ق4) أنَّ بعضهم كان يمتنع عن الطعام والشراب الأسبوع الأخير كلِّه.

أمَّا الأغلبيَّة السَّاحقة من الناس فكانت تتناول وجبة واحدة في اليوم تكون ما بين الساعة الثالثة حتى الخامسة مساءً، ونتساءَل: "هل يمكن أن نصدِّق قصَّة الصَّائم الذي أقدم على الامتناع الكامِل عن الطعام مدَّة أربعين يوماً؟!"... هذا ما حدث زمن القدِّيس أغسطينوس . ونجدُ بطولات أخرى متطرِّفة تروى في حياة القدِّيسين، ذلك ممكن بنعمة خاصة من الرَّبّ كما حدث مع الشابَّة الفرنسيّة Marthe Robin التي بقيت لفترة سنوات بدون تناول أيِّ شيء عدا المناولة بشهادة أطبَّاء ومتخصِّصين . ولكن لبُعد المسافة لا يمكننا اليوم أن نتأكَّد بعقليَّتنا المتشكِّكة من همَّة تلك الأمور التي حدثت في القرون الغابرة.

وفي القرن الثاني عشر، وبشهادة Gratien (1140) كان الأساقفة يوبِّخون الصائمين الذين يأكلون بعد الظهر وليس بعد الغروب، لأنَّ العادة في زمن القدِّيس برناردوس كانت الإفطار مساءً. ويقول هذا القدِّيس: "الآن يصوم معنا حتى المساء جميع المسيحيِّين، الملوك والأمراء والإكليروس والمؤمنين، النبلاء والفقراء" ولكن مثل هذا القانون كان عسيراً واتِّباعهُ ليسَ تماماً، فاضطرَّ شاركان، على سبيل المثال، إلى تسبيق هذه الوجبة الوحيدة إلى الساعة الثانية من بعد الظهر، وفي فيرونا في القرن العاشر سبِّقت ساعة الغداء إلى الثالثة بدون أيِّ احتجاج، وشاعت هذه العادة بحيث أخذ الناس ينظرون نظرة انتقاد إلى الذين يؤخِّرون إفطارهم ثمَّ يسمحون لأنفسهم بعد ذلك بمبالغات كبيرة في الطعام والشراب.

وبرَّر القدِّيس توما الأكويني الأكل الساعة الثالثة بعد الظهر على أنَّهُ أمرٌ طبيعي، ووجَدَ تفسيراً من حياة يسوع، فبعد أن عانى أمرَّ النزاع مات الساعة الثالثة من بعد الظهر وبذلك أنهى معاناتهِ، وكذلك الصائم فإنهُ يعاني الجوع حتى الساعة الثالثة، وفي القرن الثالث عشر نادى الفرنسيسكاني Richard de Mittleton بتقديم الوجبة الواحدة حتى الساعة الثانية عشر ظهراً، وأصبح هذه الأمر شائعاً في القرن الرابع عشر، ومع تسبيق عقارب الساعة تمَّ تخفيف الشدَّة، فسمحَت الكنيسة بتناول سوائل ثمَّ وجبة اسمها Collation (أي وجبة فطور خفيفة).

موضوع الصوم المقدَّس:
كان الانقطاع في الفترة الأولى عن اللحم والسمك والطيور، في إيطاليا، في زمن يوحنا الذهبيّ الفم، كان الناس يمتنعون عن أكل السمك والطيور، ولكن بعض الناس كان يسمح لنفسه على أساس أنَّها ليست لحماً لأنَّها تعيش في الماء والثانية في الهواء، ودخلت عادة أكل السمك والطيور إلى فرنسا في زمن القدِّيس سيزاريوس، أُسقف "آرل"، وانتقدهم الأسقف القدِّيس على هذه المبالغات، وفي جميع الأحوال، بقي أكل اللحم ممنوعاً، وكان القانون شديداً وهدَّد مجمع تواليدا الإسباني بحرمان كلِّ من يخالفهُ، أما شاركان فلقد هدَّد بمعاقبة من يحتقر هذا القانون بشدَّة ربما تصل إلى الموت، وكان الانقطاع عن اللحم يشمل أيضاً أيام الآحاد الواقعة في زمن الصوم بينما الصوم ذاتهُ لا يشمُل الآحاد. وباءت بالفشل جميع المحاولات لإخراج يوم الأحد من قانون الانقطاع.

وماذا عن الحليب والأجبان والألبان والبيض؟... هل كانت مادة انقطاع؟ الأرجح "نعم" لأنَّها من نتائج الحيوان، فهي شبيهةٌ باللحوم، ونقرأ أنَّ مجمع ترولو Trallo (696) منع الأجبان والحليب ولكن في القرن السابع والثامن نجد أنَّ الحليب والجُبن والسمك على مائدة الصائم بدون انتقاد من أحد، وصار الانقطاع عنها منصوحاً به وليس إلزاميّاً.

وانتقدت الكنيسة الأرثوذكسيَّة هذا التراخي في الغرب، وقارن فوطيوس بين تشدّد الكنيسة الأرثوذكسيّة وتساهل كنيسة روما فيما يختص بالصوم المقدَّس والانقطاع، واعترف أُسقف باريس Enée بصحَّة ذلك الانتقاد. وفي القرن الثالث عشر أشارَ توما الأكويني إلى الانقطاع عن الألبان والأجبان والبيض على أنَّهُ أمر شائع، واحترمت العصور الوسطى هذه العادة.

وما زال السؤال قائماً حتى اليوم: "لماذا السمك ليس لحماً؟ رغم أنَّ فيه دماً؟ الجواب التقليدي هو أنَّ مصدره الماء، فهو ليسَ لحماً، وهنا شاهدٌ على هذا التمييز القدِّيس غريغوريوس الكبير عام 600، والمجامع الغربيَّة التي تأمر بالصيام لا تنهى عن السمك، معتبرةً إيّاهُ غير مادة اللحم، ونقرأ مبرراً آخر لدى توما الأكويني: "السمك أقلُّ إثارة للأهواء عن اللحوم والألبان والأجبان".

أمَّا الخمر فلقد منعهُ في الصوم كيريلُّس الأورشليمي وباسيليوس ويوحنّا الذهبيّ الفم في الشرق وأغسطينس في الغرب أمَّا القدِّيس باولنيودي نول فلقد سمح بهِ بشرط الاعتدال، وانتقد أغسطينس وأرديتموس من يعوِّضون عن الخمر بعصير التفاح أو بعصير الفواكة الثمينة والنادرة، ويرجح المؤرّخ Funle أنَّ الانقطاع عن الخمور كان - في القرن الرابع - نصيحة وليس أمراً، ونلتقي بنصوص من القرن السابع تقبل شرب الخمر بشرط الاعتدال.

وفي القرن الثالث عشر صار مسموحاً شرب السوائل بما فيها الخمر في ساعة من النَّهار في زمن الصوم، ويقول توما الأكويني: "لا تمنع الكنيسَة شرب السوائل وحتى مرّات عدَّة في النهار ولكن يفقد الإنسان أجرهُ إذا بالغ". وقبل اللاهوتيِّون هذا الموقف.

الإعفاءات من الصوم:
كان الصوم على جانب كبير من الشدَّة، فنسأل: "هل كان الناس يُقبلون عليهِ برضىً؟ وهل كان من اعفاءات لحالات خاصة؟". في البداية لم تكُن الاعفاءات واردةً، فالصيام للجميع، وهذا من ناحية المبدأ، فلم يكُن معفيّاً لا العمَّال ولا الشيوخ ولا الأولاد، ونجد أوَّل إعفاء في وثيقة ثلث مجمع توليدو الثامن (653) وتشير إلى بعض الحالات التي يُسمح فيها أكل اللحم وهي: "موانع العمر، والمرضى، أو الضرورة..."، وهذا ما مارستهُ العصور الوسطى بأمانة، فكان الجميع يصومون منذ سنِّ العاشرة وما فوق ولا يستثنى إلاَّ الحالات المذكورة آنفاً، ورافق الصوم عن الطعام والانقطاع عن اللحم والأجبان والبيض صومٌ من نوعٍ آخر:

- الامتناع عن العلاقات الجنسيَّة بين الزوجين، ولقد طلب القدِّيس باسيليوس وأغسطينس وسيزاريوس وأسقف آرل من الأزواج المسيحيِّين الامتناع عن العلاقات الزوجيَّة في زمن الصوم، ولكن لصعوبة الطلب وصعوبة التحقُّق منهُ أضحى الموضوع نصيحة وليس أمراً.

ولكن بقي مانع الاحتفال بسرِّ الزواج المقدَّس في زمن الصوم الذي هو من الأزمنة المحرَّمة.
- الامتناع عن الملاحقات القضائيَّة: منع Gratien (380) والإمبراطور ثيودوز الملاحقة القضائيَّة طيلة الأربعين يوماً التي تسبق الفصح المقدَّس، بالإضافة إلى الآحاد والأعياد، ومنذ سنة 895 اقتصر المنع على آخر أسبوعين قبل الفصح، أي منذ أحد الشعانين وآلام الرَّبّ وحتى الأحد الجديد أي الثاني للفصح.
- الامتناع عن الاحتفالات العامة والألعاب العامة والمسرح.

الصوم والليتورجيا:
مسيرة المَوعوظين في زمَن الصوم:
إذا كان زمَن الصوم المقدَّس هو زمن التوبَة والغفران فهو أيضاً مسيرة ورياضة روحيَّة مدعوٌّ إليها كلُّ إنسَان، إلاَّ أنَّها بشكلٍ مميَّز، مسيرة الموعوظين والتائبين العلنيين.

الموعوظون: كان الموعوظون وهم طالبوا المعموديَّة يستعدُّون خلال فترة سنتين أو ثلاث لقبول سرّ المَعموديَّة المقدَّسَة مِن خلال سمَاع محاضَرات تعليميَّة وتنشِئة ودورات خاصَّة يقدِّمون فيهَا امتِحَاناتْ خاصَّة أمام الجماعَة المسيحيَّة، وكانت الاستعدادات تبلغ ذروتها في زمن الصوم المقدَّس حيثُ يقبَل الموعوظون سرّ المعموديَّة المقدَّسَة ليلة السبت المقدَّس أي ليلة الاحتِفال بالعشيَّة الفِصحيَّة المقدَّسَة.

في الأحد الأول مِنَ الزمَن الأربعينيّ المقدَّس يقدِّم العرَّابان (الإستبيَان) المرشَّح للأُسقف، (____ ) عنه الأسقف ويطلُب مِنَ العرَّابين أن يتحمَّلا بالكَامِل مسؤوليَّتهُ أمام الجمَاعة المذكورة سابقاً، وبعدها يسجِّل اسمَهُ في سجلّ طالبي المعموديَّة، إنَّهُ فعلاً التزام يَحمِل مسؤوليَّة كبرى إذ أنَّ المضطهَدين كانوا يرجعون إلى هذا السجلّ لمعرفة من ينبغي القبض عليهم، وخلال هذا الزمن كان الموعوظون يكتفون بحضورهُم المواعظ التي تتعلَّق بالكتاب المقدَّس وتاريخ الخلاص وقانون الإيمَان والأبانا، وكان للأناجيل المقدَّسَة التي تُتلى في أيَّام الاحَاد طابعٌ عماديّ وتشير إلى الحياة الجديدة المدعو إليها الموعوظون.

الأحد الأول مِن الزمَن الأربَعينيّ المقدَّس: إنجيل تجربة يسوع، ويُشير إلى وضع الإنسَان المجرَّب وانتصارهِ على إبليس على مثال يسوع - آدم الجديد.

الأحد الثاني مِن الزمَن الأربَعينيّ المقدَّس: إنجيل التجلِّي، ويُشير إلى الوضع الجديد الذي يدخلهُ المعمَّد إذ تتجلَّى فيه نعمَة الله ويصبحُ إنساناً جديداً بلا عيب في المحبَّة، وهذا التجلِّي الرّوحي يسبق التجلِّي بالمَجد في ملكوتِ الله.

الأحد الثالث مِن الزمَن الأربَعينيّ المقدَّس: إنجيل السَّامريّة، بئر يعقوب الذي جلسَ يسوع عند حافَّتِهِ، هو رمز إلى جرن المعموديَّة، هنالك يتمّ الارتداد بفضل الماء الحيّ الذي يرمُز إلى الروح القدس.

الأحد الرابع مِن الزمَن الأربَعينيّ المقدَّس: إنجيل الأعمَى، الأعمى يرمُز إلى الموعوظ الذي بعد أن يغتسِل في بركَة سِلوان التي هي جُرن المعموديَّة، سوف يستنِد أي ينَال نعمَة الإيمَان، وهي نعمَة تعطي المؤمِن رؤيَة جديدة، موضوعيَّة وإلهيَّة للحيَاة وللنَّاس.

الأحد الخامس مِن الزمَن الأربَعينيّ المقدَّس: إنجيل لعازر، لعازر الذي ماتَ وأنتنَ وبقي في القبر أربعَة أيَّام ثمَّ قام إنساناً جديداً هو رمز الموعوظ الخاطِئ الذي يقوم لحيَاة جديدة بقوَّة ذاكَ الذي أقامَ لعَازر من بين الأموات، وبقوَّة مَن أقامَ ذاتهُ إلى فجر حيَاة الخلود.

وكانَ الموعوظون يحضرونَ جلسَات تعزيم يوميَّة لطرد الشياطين وتأثيرهَا، ثمَّ بعض الامتحَانات لمعرفة مدى عيش الموعوظ للحيَاة المسيحيَّة وحفظِهِ لقانون الإيمَان وصلاة الأبَانا والصلوات الليتورجيَّة الأخرى. وليلة السبت المقدَّس أي العشيَّة الفِصحيَّة المقدَّسَة تتواصل الرتب والطقوس، وهي: - الكُفر بالشَّيطان وإعلان الإيمَان بيَسوع المسيح.
- الدَّهن بالزيت المقدَّس على الجبهَة والجسم كلّه.
- التعرِّي من الثِّياب والدخول في جرن المعموديَّة.
- التغطيس ثلاثاً.
- ارتداء الثياب البيضاء.

وكان المعمَّدون الجدُد يبقون على الثِّياب البيضاء مدَّة أسبوع كامِل ويأتون يوميّاً إلى الكنيسَة لسمَاع مواعظ خاصَّة بهم، تفسِّر لهم معاني الطقوس التي قبلوها، وينتزعون الملابس البيض في الأحد التالي لعيد الفصح أي الأحَد الثاني المعروف بالأحَد الجَديد.

وما زالت صلوات السبت العظيم المقدَّس، ورتبِهِ تتمركز حول سرّ المعموديَّة المقدَّسة، ففيه تتمّ قراءات عماديَّة كثيرة نذكر مِنهَا:

* مثل الخلق: إشارة إلى الخلق الجديد.
* عبور البَحر الأحمَر ورسَالة بولس إلى أهل روما: تركِّز حول اعتمادنا في مَوت المسيح (روما 3:6-11)، وتتمّ أيضاً رتبة تبريك مياه المعموديَّة وتجديد مواعيد المعموديَّة للبَالغين، ويُنصح الأهل بتعميد أبنائهم في تلك الليلة المقدَّسَة المعروفة بأمّ السَّهرات الفِصحيَّة.

ومن الصلوات العماديَّة التي نقرأها:
بعد قراءة قصَّة ابراهيم وذبيحَة اسحَق:
"اللَّهمَّ، يا أبَا المؤمنين العليّ، يا مَن بموهبَة التبنِّي، تكثر أبنَاء الوَعد في العالم كلِّهِ، وبسرّ المعموديَّة الفصحيّ، تقيم من ابراهيم عبدكَ، على ما أقسمتَ لهُ، أباً لجميع قبائل الأرض، امنَح شعبكَ أجمَع، أن يستجيب حقّاً لما اختصَّتهُ به نعمتكَ مِن دعوة سامية".
وبعد قصَّة الخروج نصلّي:
"أيّها الإلهُ ربَّنا، إنَّ آياتِكَ السَّالفَة ما زالت تتجدَّد وتسطَع كلَّ يومٍ، فقد خلَّصتَ بيمينكَ القديرة شعباً واحداً من يد فرعون، وها إنَّكَ تجري الآن، بميَاه الميلاد الثاني، خلاصَ الأمَم كلِّهَا، فهبْ للبَشَر أجمَعين أن يحظوا بكرامَة أبناء ابراهيم الرفيعة".
"اللَّهمَّ إنَّكَ بنور العَهد الجديد، أبرزتَ معنى آياتكَ القديمَة، فكانَ عبور البَحر الأحمَر صورة لينبوع المعموديَّة المقدَّس، وكانت الأمَّة المنقذة من العبوديَّة رمزاً إلى الأسرة المسيحيَّة، فأنعِم على جميع الشُّعوب بأن يكونوا بالإيمَان شعبكَ المختار، وبأن يولدوا، بهبَة روحِكَ القدّوس، ولادةً جديدة".

ومن أجمل الصلوات العماديَّة تلكَ التي يصلِّيهَا الكَاهن لتبريك الماء:
"اللَّهمَّ، يا مَن اعتمَدَ ابنكَ على يد يوحنَّا في الأردُنَ يوم مسحهُ روحكَ القدّوس...
أُنظُر إلى وجه ِكنيستكَ واجعَل ينبوعَ العمَاد يجري فيها. إمنَح هذا الماء نعمَة ابنكَ الوحيد، بقوَّة الروح القدس، فيغتسِلَ به الإنسَان المخلوق على صورتِكَ مِن رواسِب الفسَاد القديم ويولد ثانية مِنَ الماء والروح القدُس ويحيَا طفولة جديدة بريئة".

الصوم المقدَّس والتائبون العلنيّون:
الخاطئ هو مسيحيّ فقَد التنشئة المسيحيَّة وعادَ إلى وضع الإنسَان القديم الذي احتلَّ بالخطيئة، فهو إذاً بحاجة إلى تنشئة جديدة خاصَّة بهِ، وبدلاً مِن رتبَة التَّعزيم والامتحانات Serutinia فإنَّ عليه سمَاع الوَعظ وممارسَة تمارين التوبة العلنيَّة.

كان التَّائب حتى القرن الخامس يقبل سلسلة مِنَ التأديبات المُذلّة، أهمُّها البقاء في حَوش الكنيسة الخارجي Atrium وقت القدَّاس، ومنذ القرن السَّابع وبشهَادة كتاب الأسرار المدعو Sacramentarium Gelasianum، كان التائبون يحشرون في دير منذ أربعاء الرَّماد وحتى الخميس المقدَّس.

يوم أربعاء الرماد: يدخل التَّائب الكنيسة ويقترب مِنَ الأسقف أو الكَاهن الذي يُلبسهُ المسوح ويصلِّي عليه، ومنذ القرن التاسع بدأ الكهنة يرشُّون على التَّائبين الرَّماد ثمَّ يضعون غطاءً على رؤوسهم، ويقال لهُم بأنَّهم سيُطردون من الكنيسَة مثلمَا طُرِدَ آدم من الجنَّة، وأصبَحَت عادة ذرّ الرَّماد عامَّة في الكنيسة ويُحتَفَل بهَا في مطلع الصَّوم المقدَّس، وصار المؤمنون كلّهم مِنَ البابا حتى آخر معمَّد يُرشُّون بالرَّماد في اليوم الأول للصَّوم الأربَعيني، وأثناء ذلكَ يقول الكاهن للتَّائب: "أُذكر يا إنسان أنّكَ تراب، وإلى التراب تعود" أو "توبوا وآمنوا بالإنجيل".

بعض الشؤون الليتورجيَّة الأخرى:
في بعض الكنائِس في الغرب، كانوا ينصُبون ستَارة بين الخورس وصَحن الكنيسَة، يَوم أربعَاء الرَّماد، أو في الأحَد اللاَّحِق، إشارةً إلى بدء زمَن الصَّوم الأربعينيّ المقدَّس، هذه العَادة تعود إلى القرن التاسِع، وفسَّرها البعض على أنَّها تذكير للمؤمنين ببدء زمن الصوم العظيم، ولكنَّ هذا التَّحليل متأخِّر ولا يُرضي، الصوم والأعيَاد.
في الكنيسة الأولى كان زمن الصوم مركَّزاً على التَّوبة والمسيرة الخاصَّة بالعِمَاد ولم تدخُل في روزنامتهِ أعياد قدِّيسين، ولهذا السَّبب رفضَ مجمع توليدو الثاني (656) أن يقع عيد البشارة في الصوم، ثمّ تخلَّى الغرب تدريجيّاً عن هذا النظام، وأُدخِلَت أعيادٌ أخرى غير عيد البشارة، ما عدا كنيسة ميلانو التي تمَّسكت بالعَادة القديمة، ومن الثوابت التي تمسَّك بها الغربيُّون هي احترام الطابع الخاص لآحَاد الصَّوم ورفض الاحتفَال بأعياد القدِّيسين يوم الأحَد، وانتقد الشرقيّون إدخَال أعيَاد على روزنامة الصوم، فأجَاب الغربيُّون بأنَّهم يحتفلون بهذه الأعياد دون أهبَة، وأنَّهم يحذفون كلمَة "هللويا" مَع أوَّل يوم مِنَ الصَّوم، ولكن لم يجسُر الشَّرق على حَذف عيد البشارة من التقويم زمَن الصوم، فيحتفلون به ويجوز للمُؤمنين خلاله أن يأكلوا السَّمك، لكنَّ الفرق الأكبَر في الليتورجيَّا بين الشَّرق والغرب كلّ يوم ما عدا الجمعة العظيمة والسبت المقدَّس، ويوم الجمعة العظيمة يقام ما يسمّى بليتورجيّا الكلمة وتوزيع المناولة التي سبق تكريسُهَا في يوم خميس الأسرار، وتسمّى هذه الرتبة بقدّاس الموعوظين أو Messe de présanctifiés .

أما الشَّرق فلا يقيم القدَّاس في أيَّام الأسبوع من الإثنين حتى الجمعة، وبدلاً منه يُقام قدَّاس الموعوظين أي بدون صلاة الإفخارستيَّا أو النافور، أمَّا كنيسة ميلانو في الغرب فوقفت بين الكنيسة الشرقيَّة واللاتينيَّة، فبينمَا يجوز القدَّاس اليومي، يمتنع اتِّباع القدِّيس أبروزيوس في ميلانو عن القدَّاس يوم الجمعة في الصوم إكراماً لآلام المسيح التي هي القدَّاس الأول.

أقوال الآباء في الصوم الجسدي:
نقدِّم الآن بعض أقوال الآبَاء في الصّوم، فمواعظ الآباء في الزمن الأربَعيني المقدَّس هي أكثر مِن أن تُحصَى وتُلخَّص في فقرة واحدة، إنَّما نورد بعض أقوال الآباء للإشارة إلى أهميَّة الصدقة والصَّلاة والتَّوبة التي هي ركائز وأركان الصيام العظيم.

* "يوم صومكَ لا تأكُل شيئاً سوى خبزاً وماء، واحتسِب ثمنَ الطعام الذي لم تأكلهُ في ذلك اليَوم وضعهُ جانباً كي تعطيهِ لأرملة، ليتيم أو محتاج". (راعي هرماس (Sc35:225-233
* "لا يُصعد الصوم إلى السماء إلاّ إذا رافقتهُ الصدقة" (يوحنا الذهبي الفم)
* "الجوعُ بدون الصدقة هو ضربٌ من ضروب البخل". (القديس بطرس كريزولوغوس)
* "إخوتي ليكن صيامنا مسرَّة للفقراء حتى يتحوَّل صيامنا في الزمن الحاضر إلى مسرَّات أبديّة لنا"..(القديس بطرس كريزولوغوس).
* "الصلاة وإغاثة الفقير والصدقة في أمر واحد: روح الصَّلاة هي الصَّوم، ولبُّ الصَّوم هو إغاثة الفقراء" (القديس بطرس كريزولوغوس).

الصوم ومعانيه الأخرى:
يقول القدِّيس أغسطينوس: "الجسَد هو البدايَة التي نسَافر عليها إلى القدس (والقدس أو أورشليم السماويَّة هي رمز الجنَّة)، طريقي هو المسيح، تعصينا هذه الدابَّة أحياناً وتحاول إخراجنا عن الطريق، ولكنِّي أقدر أن أضبطها بالصَّوم. من تذوَّق ذلك اختبرَ في حياتهِ كم أنَّ الصوم مفيد". الصوم هو الخندق الذي يحتمي فيه المؤمن، إذا تركهُ تعرَّض لإقتناص العدو.

يقول كاسيان: "الصَّوم الروحي عن الخطيئة ولا سيَّما عن الخطيئة ضدَّ المحبَّة هو أولى من الصَّوم الجسدي". ويترك الصَّوم في قلب الصَّائم لذّة روحيَّة وراحة نفسيَّة: "من أبواب الحكمَة والمعرفة أن نأكُل ونشرب ونحن نرفع لله آيَات الشكر على كلِّ ما حبانا من الطيِّبات، وأكثر حكمَة وأعمَق هو معرفة الامتناع الإرادي عن وافر الطعام وطيِّباته، وما كنَّا لنحتقر طيِّبات هذه الحياة لو لم نكن نتذوَّق عذوبة الله والراحة النفسيَّة التي يضعها فينا" .Dialogue de Phoicée (SC 5, 110-111).

خاتمة:
هذه هي قصَّة زمن الصَّوم الأربَعينيّ المقدَّس والغني بتاريخِهِ ولتيورجيَّتِهِ وتقاليدِهِ وعاداتِهِ، إنَّهُ من الأزمنَة الكُبرى التي تركِّز عليها الكنيسَة المقدَّسَة بقصد الارتداد والتوبة والرجوع إلى الله، فإذا كانَ ذلكَ ينطبق على جميع المعمَّدين، إلاَّ أنَّ هذا الزمَن المقدَّس هو زمن يتميَّز بمسيرة الموعوظين والتائبين.
وإن تغيَّرت أساليب وممارسَات الصَّوم، فإنَّ جوهرهُ يبقى واحداً، إنَّهُ فترة الصحراء التي يمرُّ بهَا الإنسَان المعمَّد أو طالب العمَاد الصالح أو الخاطئ، وصولاً إلى أرض الميعاد الجديدة التي هي المصالحة مع الله والكنيسة المقدَّسَة الجَامِعَة.

المراجع:
* الكتاب المقدّس: أنا الألف والياء، دار المشرق- بيروت، 1989.
*MISSEL ROMAIN, DESCLEE-MAME, Belgique 1978.
*P-M.GY, Semaine Sainte et Triduum Pascale, Maison Dieu, 41 (1995), pp.7-15.
* Vivre le carême de Bernard Châteigner ed.L'atelier, 1999.
* Homélie de Jean Paul II pour la célébration pénitentielle à la basilique sainte Sabine.
* Homélie de Benoît XVI lors du rite des Cendres.
*« Mercredi des Cendres », dans Marie-Nicolas Bouillet et Alexis Chassang [sous la dir. De], Dictionnaire universel d’histoire et de géographie, 1878.
* MONTONS A JÉRUSALEM, ITINÉRAIRE DE CARÊME A B C de: "Hyacinthe Vulliez", ed. Desclé de Brauer.
* Robert Le Gall, "Année liturgique et vie spirituelle", in : La Maison Dieu n° 195 (1993).
* E. VACANDARD, LE CAREME, in Dictionnaire de Théologie, coll. 1724-1750.
* A. THOUVENIN, LE JEUNE, in Dictionnaire de Droit Canonique, coll. 1412-1416.
* PAUL VI, Pénitence, Constitution Apostolique, 17 février 1966, AAS 58(1966).

Liturgie

Icônes Carmélitaine

Vocation

Neuvaine

Prions avec Thérèse de Jésus

Rosario

Avec le Pape

Etude Bibliques

Prière et Méditation

Vive le Carmel

Chemin de Croix (Via Crucis)

Homélie

Chapelet du Saint Esprit