الأسبُوعُ العَظِيمُ الـمُقدَّس
تَاريخ زيَارَة الكَنَائِس السبعَة
يَومَ الخَمِيس المُقدَّس
كتابة الأب نوهرا صفير – الراهب الكرمَلي
الأُسبُوع الـمُقدَّس في آلام الرَّبّ
7 نيسَان سَنة 30
الـمَراجِع الإِنجيليَّة للقِرَاءة وللتـأمُّل
يسوع أمام بيلاطس (يوحنا 28،18 - يوحنا 19: 16)
موت يهوذا (متى 27: 3 – 10)
يسوع امام هيرودس (لوقا 23: 4 – 12)
برأبا (مرقس 15: 6 – 14)
الـجَلد وإكليل الشَّوك (مرقس 15: 15 – 19)
هُوذَا الرَّجُل، والـحكم بالـمَوت (يوحنا 19: 4 – 15)
درب الصَّلِيب (لوقا 23: 26- 32)
الصَّلب (مرقس 15: 22 – 26)
يَسُوع على الصليب: الـمَوت (متى 27: 35 – 56، يوحنا 19: 23 – 30)
يوسف الرامي (مرقس 15: 42 – 45)
طعن جنب يسوع (يوحنا 19: 31 – 38)
دفن يسوع (متى 27: 59 – 66)
تَارِيخيَّة هَذِهِ الزِّيَارَة
" مَا أحَبَّ مَسَاكِنكَ يَا ربَّ الجنود،
تشتاقُ وتذوبُ نفسي إلى ديَارِ الرَّبّ..."
(من كتاب القدَّاس اللاَّتيني)
يحتلّ هذا اليوم مكانة شعبيّة كبيرة ومحبَّبة في قلوب الكثير من المؤمنين، وينتظروه من عام إلى عام لإحيائِهِ والسير مشيًا على الأقدام في الطرقاتِ والشوارع منتقلين من كنيسةٍ إلى أخرى، مقتفين خطوات المعلِّم الإلهيّ يسوع، نحو الجلجلة.
إنَّ تاريخيَّة زيارة هذه الكنائس السبعة يوم الخميس المُقدَّس وهو اليوم الرابع من الأسبوع العظيم المقدَّس المعروف ب "أسبوع الآلام"، أو "خميس الأسرار" طبعَته عبر كلّ هذه السنين بطابع الصلاة والسجود للقربان الأقدس لوقتٍ قصير قبل انتقالهم إلى المحطة التالية.
هذا اليوم هو اليوم الأوَّل من الثلاثيّة الفصحيّة المقدّسَة، وفيه احتفلَ يسوع بالعشاء مع تلاميذه، وأسَّسَ فيه:
1 - سرّ الإفخارستيّا أو القربان: : " ثم أخذ خبزًا … والكأس … " (لو 22/15). يقول الرَّبّ في إنجيل القدِّيس يوحنَّا: "من أكل جسدي وشرب دمي ، فله الحياة الأبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير. لأنَّ جسدي طعام حقًا، ودمي شراب حقًا، من أكلَ جسدي وشربَ دمي أقامَ فيّ وأقمتُ فيه " (يو 6/ 27 – 58).
إنَّ الدستور المَجمَعي في الليتورجيَّا إختصَرَ ذبيحة الإفخارستيا المقدَّسَة إذ قال: "رَسمَ مخلّصنا في العشاء السرّيّ ذبيحة الإفخارستيَّا: أعني سرَّ التقوى، وعلامة الوحدة، ورباط المحبَّة، والوليمة الفصحيَّة التي فيها يؤكل المسيح وتمتلئ النفس نعمة وتعطى عربون المجد الأبدي … إنَّ ذبيحة الإفخارستيا هي ينبوع وقمَّة كل حيَاة مسيحيَّة".
2 - سرّ الكهنوت المقدَّس قائلاً: "إصنَعوا هذا لذكري..." (لو22/19).
أُطلِقَ على هذا اليوم إسمًا آخر وهو: "خميس الغسل" إذ أنَّ الكاهن يقوم أثناء القدّاس الإلهيّ برتبة "غَسْل الأرجل" مقتديًا بالرَّبّ يسوع الذي انحنى وغَسَلَ أرجُل تلاميذه القدِّيسين. عند تلاوة الصلاة بعد التناول وفي ختام القدّاس بحَسَب الليتورجيا اللاَّتينيَّة، يُنقَل القربان المقدَّس بتطوافٍ إحتفاليّ، من بيته الرَّئيسي في المذبح الكبير إلى مذبحٍ جانبيّ، مزيَّنًا بطريقةٍ ليتورجيَّة، خارجة عن كلّ مَا يخصّ بالزينة التقليديَّة (خمر، قمح، خبز، وغيرها...). بل يكونُ مذبَحًا ليتورجيًّا يليق بالمسيح الكاهن الأوَّل، إذ تحيطهُ شموعٌ أربعَة رمزًا إلى الإنجيليِّين الأربعَة الذين نقلوا إلينا آلام الرَّبّ الخلاصيَّة، أو ستَّة شموع رمزًا إلى الإنجيليِّين الأربعَة، وطبيعَة يَسوع الإلهيَّة والإنسَانيَّة. هذا الـمَكان هو مُعَدٌّ ليكون أيضًا سجنًا للمسيح الإله (حيثُ يُغطَّى الشُّعَاع بقمَاش شفَّاف رمزًا إلى احتجَابِهِ في مثل هذه الليلة المقدَّسَة) حيثُ يبقى فيه حتى وقت المحَاكمة، يوم الجمعة المقدَّسَة في آلام الرَّبّ.
بعدها، يزور الـمؤمنون سبع كنائس، متأمّلين بمراحل محاكمة الرَّبّ يسوع وآلامه الخلاصيَّة، وذلِكَ بحسب الترتيب التالي:
المحطة الأولى: عليّة العشاء السريّ.
المحطة الثانية: جتسمانيّة بستان الزيتون.
المحطة الثالثة: المجلس عند قيافا.
المحطة الرابعة: قلعة أنطونيا عند بيلاطس.
المحطة الخامسة: هيرودس.
المحطة السادسة: عند بيلاطس مجدّدًا.
المحطة السابعة: الجلجلة.
إنَّ هذه العبادة القديمة نشأت في أورشليم – فلسطين، مع إطلالات المسيحيّة الأولى، حيث كان المؤمنون يجتمعون كلّ سنةٍ في ليلة الخميس العظيم عند الساعة الأولى مِن الليل (أي السابعة مساءً) في كنيسة الإيليونا. وهي الكنيسة الواقعة في جبل الزيتون، يُصلّون ويُرنّمون التسابيح والمزامير والصلوات الخاصَّة، إلى أن ينطلقوا في الساعة السادسة (أي الواحدة فجرًا) بمسيرة صلاة نحو قمّة جبل الإمبومون حيث "وابتَعَدَ عنهم مسَافةَ رميَةِ حَجَرٍ، وركَعَ وصلَّى، فقال: "يا أبتِ، إن شِئْتَ، فَأَبْعِدْ عنِّي هذه الكأس! ولكن لتكن مشيئَتُكَ لا مَشِيئَتِي" (لو 22 \ 41-42) ويبقون هناك في الكنيسة مستمِعين إلى الإِنجيل الـمقدَّس، حتّى صياح الديك. مِن ثَمَّ ينحَدرون إلى جتسمَانيّة حيثُ أُلقيَ القبضُ على الرَّبِّ يسوع، ويُصلّون، ويسمعُون الإِنجيل، ثمّ يتوجِّهون إلى باب الـمدينة، فالـمَدينة حتّى الصليب...” (كتاب إيجيريا، يوميّات رحلة، من أقدم النصوص المسيحيّة، سنة 383).
نُظِّمَت هذه العبَادة في مَطلع القَرن السَّادِس عشَر، بِسَعْيٍ مِنَ القِدِّيس Filippo Neri في مدينة روما الإِيطاليّة.
إنَّ روما الـمبنيّة على تلال سبعَة، والَّتي تحدَّث عنها يوحنَّا الرَّسول في سِفر الرؤيا بأنَّها أُورَشَلِيم الـجديدة، غَدَت مَعَ الـمَسِيحيّين وَطَنَ الـمَقابر السَّبْع الأَهمّ، حيثُ شُيِّدت أَعظَمُ الكَنَائِس وقَد أَضحَت مَراكز حَجٍّ منذ حوالي أَلفَي سَنة حتَّى اليوم، والكَنَائس هم:
- بازيليك القدّيس يوحنا المعمدان في اللاتران.
- بازيليك القدّيس بطرس في الفاتيكان.
- بازيليك القدّيس بولس خارج الأسوار.
- بازيليك سانتا ماريا ماجيوري.
- كنيسة الصليب المقدَّس.
- بازيليك سانت لورانس خارج الأسوار.
- كنيسة القدّيس سيباستيان خارج الأسوار.
شجّع البابَوات يوم خميس الآلام هذه الزيارة التي كانت تستغرق أربعًا وعشرين ساعة، إذ كان على المؤمنين السَيْر ما لا يقِلّ عن عشرين ميلاً. أصدر البابا كِسيستوس براءةً ذكر فيها المعنى الرمزيّ للكنائس السبعة في سفر الرؤيا. وفي عام 1935 أعطى البابا بيوس الحادي عشر دفعًا جديدًا لهذه العبادة، ومنح الحجّاج غفرانًا كاملاً، كما طلب من المسيحيّين الذين يسكنون خارج مدينة روما أن يُقيموها بدورهم. وفي افتتاح سينودس عام 1960، شدّد البابا يوحنّا الثالث والعشرون على أهميَّة ممارستها.
مع مرور السِّنين، عرفت الكنائس، والأديار، والرعايا اللبنانيَّة أيضًا، تاريخيَّة هذه الزيارة من خلال الرّهبان، والراهبات، والـمـُرسَلين، والكهنة الَّذين تلقَّوا دراساتهم اللاهوتيَّة في روما. ثـمَّ عادوا وهم مُزوَّدين بعبادات مختلفة ومتنوِّعة.
يبقى الأسبُوع العَظِيم الـمقدَّس أَغنى أَسابيع السَّنة كلّها، لا بل هو إكليلهَا، وما يَحملهُ لنا مِن معانٍ روحيَّة، ولاهوتيَّة، وبيبليَّة، وليتورجيَّة، تنيرُ عيوننا على أنوار مَن ماتَ وقامَ مِن أَجلنا، والذي بارتفاعِهِ على عودِ الصَّلِيب رفعنا معهُ أَجمعين، وبقيامتِهِ جذبَ إليهِ الخليقة بأسرها.
المراجع:
- إيجيريا يوميَّات رحلة، أقدم النصوص المسيحيَّة، سلسلة النصوص الليتورجيَّة، منشورات مجلس كنائس الشرق الأوسط، الطبعة الأولى، سنة 1994.
- الأسبوع الحاسم في تاريخ الإنسانيَّة، فؤاد افرام البستاني، منشورات الدائرة، بيروت، سنة 1990.
- الأسبوع الحاسم في تاريخ الإنسانيَّة، ، فؤاد افرام البستاني، منشورات الدائرة، بيروت، سنة 1990
- التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، النص الأصلي اللاتيني: دار الفاتيكان للنشر، حاضرة الفاتيكان، 1997، الترجمة العربية: المكتية البولسية – جونيه، لبنان، 1999، التوزيع: المكتبة البولسية – جونيه – لبنان، منشورات الرسل – جونيه – لبنان.
- المجمع الفاتيكاني الثاني، الوثائق المجمعية ، طبعة ثانية، 1984.
- MISSEL ROMAIN, DESCLEE-MAME, Belgique.
ملاحظة: هذه المقالة قد نُشرت سابقًا على موقع الكرمَل الإلكتروني القديم عام 2003.
الأب نوهرا صفير – الراهب الكرمَلي
دير سيّدة جبل الكرمَل - الحازمية