معنى عيد رقاد والدة الإله وانتقال جسدها المقدَّس للسماء
من المنارة الأرثوذكسية
يرتبط معنى عيد رقاد والدة الإله بما يقوله المزمور ويؤكد عليه آباء الكنيسة: ”جعلتَ الملكة عن يمينكَ بذهب أوفير” (مز9:45)، وفيه نحتفل بحدثين أولهما موت ودفن العذراء والثاني انتقال جسدها للسَّماء، ويسيطر هذان الحدثان على تسبيح وصلوات العيد.
تكرِّم الكنيسة الكاثوليكيَّة والأرثوذكسية في العالم بشكلٍ خاص والدة الإله، وهذا التكريم يعود أصوله أو جذوره لفترة الرسل من تاريخ الكنيسة، وشهدوا بذلك من خلال الأناجيل المقدسة ومنهم الإنجيلي لوقا: “فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تُطوّبُني” (لو48:1)، ويعتبر هذا التطويب شهادة على تكريم شخص والدة الإله من العصر الرسولي.
بسبب تكريم شخص والدة الإله ظهرت أعياد كثيرة ومختلفة، متعلقة بها: ميلاد والدة الإله، دخولها للهيكل، البشارة، الرقاد. أما عيد الرقاد فقد بدأ التعييد به منذ القرن الخامس، أما الذي حدَّد يوم 15 آب للعيد هو الإمبراطور مافريكو نهاية القرن السادس، ذُكر العيد لأول مرة في كلمة لكاتب مجهول حول إنجيل يوحنا والذي كُتب بين بداية ونهاية القرن الخامس، أي 400 - 500 م، ويحتوي النص على الأفكار اللاهوتية للكنيسة حول والدة الإله بحسب التقليد، وبالإضافة لهذا النص يوجد نصوص أخرى تتحدث عن العيد وأهمها النص المنحول ليوحنَّا حيث يشكل المصدر الأساسي لتراتيل العيد وللأحداث التي تدور في أيقونة الرقاد.
حافظ الإنجيلي لوقا على تعظيم لوالدة الإله وذلك عندما رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت للمسيح عندما سمعته يعلّم ويتكلم: “طوبى للبطن الذي حملك والثديين الذين رضعتهما” (لو28:11). يمكن أن تكون هذه التطويبة من كلّ امرأة أو رجل لا بل هي تعظيمة من الكنيسة ككلّ، وتمثل هذه المرأة كلّ الكنيسة بقولها للتطويبة والكنيسة تعظّم مريم لأنها ولدت المسيح. كان بإمكان المسيح أن يَخلق لنفسه جسداً كما فعل عند خلق العالم ولكنه فضّل أن يتكوّن هذا الجسد داخل أحشاء مريم العذراء، وكي يتم هذا يجب أن يختار الله أحشاء نقية، يقول نيقولاوس كابسيلاس أن الله اختارها، كي يأخذ جسداً، لأنها ستصلح ما قد خرّبه آدم وحواء، أي أنَّ مريم العذراء قادت الطبيعة البشرية نحو الخلاص وإمكانية الكمال على حين آدم وحواء قادوها للسقوط والخطيئة. فباتت مريم هي المكان والأداة لولادة جسد المسيح أي لآدم جديد.
تكرم الكنيسة الكاثوليكيَّة والأوثوذوكسيَّة عيد رقاد السيدة، أي الموت الطبيعي، وتسمّيه انتقال العذراء إلى السموات. وهو موضوع كان مجال كبير للنقاش والحوار ولكنه منطقي لسببين: الأول وهو العلاقة الطبيعية بين والدة الإله وابنها الإله المتجسد، وثانياً قيامة يسوع المسيح، لذلك وبحسب الكتب الإيبوغرافية عن الرقاد فقد خرج من جسد العذراء وفاحَ من قبرها في الجسمانية رائحة طيب زكيّ، ولثلاثة أيام بعد رقادها، وذلك قبل انتقالها بالجسد إلى السموات، سمَّت الكنيسة هذا الانتقال بقيامة والدة الإله ومنها كلّ البشرية.
أصبح المسيح بقيامته من بين الأموات ووفق القديس بولس الرسول: “بكرٌ من الأموات” (كو18:1)، في حين ستكون قيامة البشرية في المجيء الثاني، عندما سيظهر المسيح ثانية، أما موت وانتقال والدة الإله إلى السموات بحسب مجريات الأحداث عند انتقالها: أي حضور المسيح والملائكة والرسل القديسين، بمعنى آخر الكنيسة، ليس إلا صورة عن يوم الدينونة.
لدينا، في النص الإيبوغرافي ليوحنا عن رقاد السيدة، وجهة نظر لاهوتية عن والدة الإله وذلك بكونها وسيطة بين البشر وابنها يسوع المسيح، لذلك مبرَّرٌ أن تُكرِّم الكنيسة والدة الإله بطريقة أسمى من الشيروبيم والسيرافيم وليس فقط أسمى من كل البشر، وكذلك نحن نكرّم والدة الإله ونحترم عيد رقادها بشكل كبير لأن يوم رقادها وانتقالها إلى السموات يشكّل تأكيد على إمكانية دخولنا إلى ملكوت الله وذلك بنعمة الله وبشفاعتها وحمايتها وجهادنا الشخصي.
أصبحت مريم العذراء، والدة الإله، لأنَّ في أحشائها ولد يسوع المسيح بالطبيعة البشرية بحلول الروح القدس عليها، وهي أيضاً أُمُّنا جميعاً لأننا عندما نتناول جسد المسيح ودمه نصبح إخوة للمسيح وبالتالي تصبح العذراء أُمَّنا، وكأمّ لنا تحمينا من كل الشدائد عندما ندعو اسمها المقدَّس في الشفاعة.