إنتقال سيِّدتنا مريَم البَتول حَسَب الطقس اللاَّتيني – احتفال
كتابة الأب نوهرا صفير الكرمَلي
" إنَّ المَجدَ قد قيلَ فيكِ ، يَا مَريَم: أنتِ التي ارتفعتِ اليَوم فوقَ أجواق الملائِكَة، تملكينَ مع المَسيح إلى الأبَد"
( من الليتورجيا اللاتينيَّة في قدَّاس العشيَّة من 14 آب ).
تحتفل الكنيسة الجَامِعَة المقدَّسَة بعيد انتقال العذراء الى السماء بالنفس والجسد أو ما يعرف أيضاً بعيد رقادها في 15 آب من كل عام، ويذكِّرنا هذا العيد بسمو مكانة العذراء وعِظَم قدرتها، إنه عيد تتويج العذراء مريم سلطانة على السماوات والأرض، انه عيد الأمل والنور والحياة، الذي تمت فيه مواعيد الله لأمَتِهِ المحبوبة وأم المسيح الفادي، إنه عيد الأعياد وموسم المواسم الذي يذكرنا بأن الكلمة الاخيرة ليست للشر والموت، بل للحياة الابدية والمجد، ليست لليأس، بل للرجاء والأمَل، ليست للظلام، بل للنور، ليست للموت، بل للحياة، إنه عيد إكرام السيد المسيح لوالدته اذ لم يسمح لجسدها القدوس الذي حملته في أحشائها تسعة أشهر أن يرى فساد القبر.
تترنَّم الكنيسَة اللاتينيَّة بأناشيد الفصح ابتداءً من العشيَّة الفصحيَّة ليلاً حيث تفيضُ الأفراح الفصحيَّة على مدى خمسين يوماً حتى أحد العنصرة في قدَّاس العشيَّة. والكنيسَة تترنَّم ترانيم الفرح معتزَّة فخورة بعيد الأعيَاد وموسم المواسم. فالفصح المقدَّس هو رأس الأعيَاد. وبالمقارنة ألا يمكننا أن نسمِّي عيد انتقال والدة الإله إلى السماء بالنفس والجسَد موسم المواسم؟
هذه السيِّدة الدائمة البتوليَّة والفائقة القداسَة والفتاة الإلهية التي حيَّاها الملاك جبرائيل يوم البشارة قائِلاً: "افرحي يا ممتلئة نعمة، الرب معك"، التي اختارها الله، من قبل إنشاء العالم، لتنسج من دمائها النقيّة جسداً للكلمة، يوم شاء "أن يصير إنساناً ليجعل من آدم إلهاً"، هذه السيّدة التي وحدها بين نساء العالمين "هي أم وبتول معاً" ومن استطاعت، وحدها، أن تنادي الكلمة المتأنّس: "يا ابني وإلهي".
مريم العذراء هي من أسمى المخلوقات، هي حواء الجديدة التي أطاعت الله وشاركت في التدبير الإلهي لخلاص البشرية بعد سقطة آدم وحواء. إن مريم العذراء التي اختارها الله منذ بدء الخليقة لتساهم في عملية الفداء وتلد ابن الله ليصالح الله مع الإنسان قد انتقلت الى السماء بالنفس والجسد.
على ماذا تستند عقيدة إنتقال السيِّدة؟
تستند عقيدة الإنتقال على:
ماذا يقول المجمَع الفاتيكاني الثاني حول عقيدة الإنتقال؟
يحثّ المجمع الفاتيكاني الثاني المؤمنين على تكريم مريم العذراء تكريمًا خاصًّا، موضحًا طبيعة هذا التكريم وأساسه، والاختلاف الجوهري بين هذا التكريم وعبادة الله، فيقول: "إنّ مريم قد رُفعت بنعمة الله، وإنّما دون ابنها، فوق جميع الملائكة وجميع البشر بكونها والدة الإله الكلّية القداسة الحاضرة في أسرار المسيح. لذلك تكرّمها الكنيسة بحقّ بشعائر خاصّة. والواقع أنّ العذراء الطوباويّة، منذ أبعد الأزمنة، قد أكرمت بلقب "والدة الإله". والمؤمنون يلجأون الى حمايتها مبتهلين إليها في جميع مخاطرهم وحاجاتهم. وقد ازداد تكريم شعب الله لمريم ازديادًا عجيبًا، خصوصًا منذ مجمع أفسس، بأنواع الإجلال والمحبّة والتوسّل اليها والاقتداء بها، محقّقًا بذلك كلماتها النبويّة: " تطوّبني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع فيّ عظائم" (لو 1: 48). وهذا الإكرام، على النحو الذي وُجد عليه دائمًا في الكنيسة، يتّصف بطابع فريد من نوعه. غير أنّه يختلف اختلافًا جوهريًّا عن العبادة التي يُعبَد بها الكلمة المتجسّد مع الآب والروح القدس، وهو خليق جدًّا بأن يُعزَّز: إذ إنّ مختلف صيغ التقوى نحو والدة الإله التي تظلّ في حدود التعليم الأرثوذكسي السليم، وتوافق عليها الكنيسة مراعية ظروف الزمان والمكان وأمزجة الشعوب المؤمنة وعبقريّاتهم، تجعل أنّ الابن الذي لأجله وُجد كلّ شيء (كو 1: 15- 16)، والذي ارتضى الآب الأزلي أن يحلّ فيه الملء كلّه (كو 1: 19) يُعرَف ويُحَبّ ويُمجَّد ويطاع في وصاياه من خلال الإكرام لأمّه (وثيقة رقم 66).
ما هو موقف الكنيستين الأورثوذكسيَّة والكاثوليكيَّة؟
تتَّفِق الكنيستان الأرثوذكسية والكاثوليكية على انتقال العذراء نفسًا وجسدًا إلى السماء، فبالنسبة إلى الكنيسة الأرثوذكسية موضوع انتقالها إلى السماء نفسًا وجسدًا هو تقليد أبوي إيماني، وبالنسبة إلى الكنيسة الكاثوليكية هو عقيدة لاهوتية.
من أقوال الآباء القدِّيسين في انتقال السيِّدة:
اكتشف الآباء القديسون سرّ هذه المرأة، الفريد في الكون، التي خصّها العليّ بامتيازات تفوق كل عقل وفهم. فدعوها: سلّماً وجبلاً ومجمرة ذهبية، وعوسجة غير محترقة وجزّة وجرّة وتابوتاً لله ومسكناً للعليّ، منزّهة عن كل عيب، سوراً للمسيحيين ونصيرة للمؤمنين وعضداً للمنهوكين... من أقوالهم:
القدّيس يوحنا الدمشقي (+ 749):
يعلن أنّ مريم قدّيسة طاهرة بالبشارة "إذ إنّها حرصت على نقاوة النفس والجسد كما يليق بمن كانت معدّة لتتقبّل الله في أحشائها." واعتصامها بالقداسة مكَّنها أن تصير هيكلاً مقدّسًا رائعًا جديرًا بالله العليّ". ومريم طاهرة منذ الحبل بها: "يا لغبطة يواكيم الذي ألقى زرعًا طاهرًا! ويا لعظمة حنّة التي نمت في أحشائها شيئًا فشيئًا ابنة كاملة القداسة". ويؤكّد أنّ "سهام العدوّ الناريّة لم تقوَ على النفاذ إليها"، "ولا الشهوة وجدت إليها سبيلاً".
القديس مار افرام السرياني (+373):
إن العذراء مريم هي التابوت المقدّس، والمرأة التي سحقت رأس إبليس، والطاهرة وحدها نفسًا وجسدًا، والكاملة القداسة، وإذ يقابل بينها وبين حوّاء يقول: "كلتاهما بريئتان، وكلتاهما قد صنعتا متشابهتين من كل وجه، ولكنّ إحداهما صارت من بعد سبب موتنا والأخرى سبب حياتنا". ويقول في موضع آخر: "في الحقيقة، أنت، يا ربّ، وأمّك جميلان وحدكما من كل وجه وعلى كل صعيد، إذ ليس فيك، يا ربّ، ولا وصمة وليس في أمّك أي دنس البتة".
القديس جرمانس القسطنطيني، معاصر الدمشقي قالَ في تكريم البتول وانتقالهَا:
"انك تشعّين، أيتها السيدة الملكة، في سناء فائق. وجسدك البتولي مقدّس بكلّيته، مقدّس وطاهر، لأنه مسكن الله العلي. وبذلك، فقد غدا جسدك الحامل الإله منزّهًا عن فساد القبر، مضيئاً في بشريّته بسنى الحياة التي لا يعتريها فساد، جسداً حيّاً ومجيداً، مصوناً من كل شائبة، ومشتركاً في الحياة الإلهية السامية الخالدة".
مريم أمَّ الله في التقليد الكنسي:
لم يَأتِ الكتاب المقدَّس أي العَهد الجديد على ذكر حياة أمِّ الله، فالحدث الوحيد الذي يأتي على ذكره هو بشارة الرَّبّ، والكنيسة الجَامِعَة تعيّد له كلّ عام في 25 آذار وتهتف في آيَة الدخول من قدَّاس النهَار: "قالَ المَسيحُ عِندَ دخولِهِ العَالم: هَا أَن ذا آتٍ، اللَّهُمَّ، لأعمَلَ بمَشيئتِكَ". وحده التقليد الكنسي المتوارث يتغنّى بما لهذه السيدة المختارة من فضل على البشريّة، "إذ أعطت العالم فاديه". إن المؤمنين بالمسيح، الذين أخذوا يتعمقون في سرّ المسيح الإله الذي يفوق الإدراك، اهتموا أيضاً بسرّ التي وهبته الحياة من دمائها النقيّة الطاهرة المقدَّسَة.
في القرنين الثالث والرابع، تفشّت البدع والهرطقات وبعض المتفلسفين بمريم، وحصر مهمَّتها بأمومة يسوع، الإنسان، دافع آباء المجمع المسكوني الثالث، الأفسسي، سنة 431، وأكثرهم حماساً كيرلّس الإسكندري، هبُّوا ينادون بالأمومة الإلهية والبتولية الدائمة لوالِدة الإله: فمريم، أمّ يسوع الإنسان هي أم الله لأن المسيح واحد في طبيعتين. وهذه الأم السامية هي قبل الولادة عذراء وفي الولادة عذراء، وبعد الولادة أيضاً عذراء. وشرف الأمومة الإلهية هذا هو مدعاة تمجيدها، نفساً وجسداً، ونقلها، بعد مرور خاطف في الموت، نقلها حيّة إلى الأخدار السماوية. فتصبح باكورة المخلّصين الممجدين من نسل آدم. إنَّ البَتول القدِّيسَة غدَت فجرَ الكنيسَة المقدَّسَة والمنتصِرَة وصورَتهَا الكَامِلة وعنوانَ رجَاءٍ للمؤمنين وتعزيَة لهم في مسيرتِهم على مَسَالِك الأرض.
الأسمَاءْ التي أطلِقت على هذا العيد في المسيحيَّة:
إنَّ لهَذا العيد مَكانة مميَّزة في المَسيحيَّة، والكنيسَة آمَنت على مرّ العصور أنَّ أمَّ الله الطاهِرَة، في خِتام حَيَاتِها الأرضيَّة، قد نقِلتْ نفساً وجَسَداً إلى المَجد السَّمَاويّ.
ونظراً لعدم وروده، صريحاً في النصوص الملهمة، تردَّد اللاهوتيون والآباء القدِّيسون في تسمية هذا الحدث، الذي أعلنوا مراراً عن إيمانهم الصريح به فدعوه:
ركائز هذا العيد في الكتاب المقدَّس:
سفر الرؤيا: "امرأة ملتحفة بالشمس، وتحت قديمها القمر، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً"
سفر نشيد الأناشيد تساءلَ يَقول: "من هذه الصاعدة من القفر كعمود من الغمام، هذه البهيّة كالشمس، الجميلة كالقمر، المرهوبة كصفوف تحت الرايات، تصعد متكئة على ذراع ابنها الحبيب، تفوح منها رائحة الطيب والبخور؟"
وقد كنّى عن ذلك ابن سيراخ حينما قال: "قبل المجد التواضع"، وهي نفسها أعلنت: "ها أنا أمة للرب".
لمحَة تاريخيَّة عن هذا العيد:
لا نحمل أي وثائِق أو إثباتات تثبت متى بدأ المسيحيّون يستعدّون للاحتفال بعيد رقاد وانتقال أمّ الله، لا أين ولا كيف. إنما نستدلّ من القرائن أنه أقدم من القرن السادس. وأحد البراهين هي المعابد والكنائس المشيّدة على اسم أمّ الله، في شتى أسرار ومراحِل حياتها، ومنها رقادها أو انتقالها أو نياحها أو ولادتهَا... لكننا، استناداً على كتابات وكتب الآباء وعظاتهم، نقول مع إن عيد الرقاد قد عمّ الكنيسة بين السنتين 577 و 602، أي على عهد البابا سرجيوس الأول والإمبراطور البيزنطي موريس. ونعلم بالتأكيد أن الكنيسة الجَامِعَة كانت السبّاقة في إحياء العيد، كما هو اليوم: "رقاد العذراء وانتقالها بالنفس والجسد إلى السماء".
يطلعنا التاريخ أن الإحتفال بانتقال السيِّدة قد تقرر، بدءاً من 16 كانون الثاني، وهو يوم الرقاد والتشييع، أي بما يُعرَف بالجنَّاز، ويومين بعد التشييع، أي في 18 منه احتفوا بانتقال جسدها الممجد، ولم يعرف فساد القبر. والذي نقل العيد إلى 15 من آب، في أواخر القرن السابع، هو الإمبراطور موريس. وقد نُقِلَ إلى الغرب مع البابا سرجيوس. وقد وضعَت الكنيسَة اللاتينيَّة لهَذا العيد صلاة غروب احتفاليَّة مع قدَّاس العشيَّة كمَا وأنَّهَا وضعَت ليوم العيد صلاة السَّحَر وقدَّاس النهَار إضافة إلى صلاة السَّاعَة الوسطى وصلاة الغروب الثانية.
التقليد والليتورجيَّا في تحديد عقيدة انتقال العَذراء إلى الأخدار السَّمَاويَّة:
يوم أعلن البابا بيوس الثاني عشر عقيدة انتقال السيدة بالنفس والجسد إلى مجد السماء، اعتمد في تحديده العقيدة على التقليد والليترجيا وتلميحات الكتاب – وقد صرَّح في خطابه التاريخي: "نحن لا نأتي بجديد من عندنا، بل نحترم تقليد الآباء، محافظين على "وديعة الإيمان" كما تسلّمناها، إنما نضيف لؤلؤة جديدة وهّاجة إلى تاج أم الله الكلية القداسة"، كما سبق سلفه بيوس التاسع وأعلن، في 8 كانون الأول 1854، عقيدة "الحبل بلا دنس"، كان الآباء القدِّيسون قد اكتشفوا سرّ هذه المرأة، الفريد في الكون، التي خصّها العليّ بامتيازات تفوق كل عقل وفهم. فدعوها: سلّماً وجبلاً ومجمرة ذهبية، وعوسجة غير محترقة وجزّة وجرّة وتابوتاً لله ومسكناً للعليّ، منزّهة عن كل عيب، سوراً للمسيحيِّين ووحدتهم ونصيرة للمؤمنين وعضداً للمنهوكين... وأعلنوا، في صوَر بيانيّة رائعة وشعر روحاني وجداني رفيع المستوى أنه من اللياقة، لا بل من العدل، أن تكون مريم، أم المسيح وأم الكنيسة، مكرّمة، ممجدَّة، لا في نفسها فقط، نظير جميع الأبرار والصديقين، بل في جسدها أيضاً، الذي، وإن مرَّ في الموت أسوةً بابنها الإلهي، فهو لم يعرف فساد القبر، بل حظي بالمجد المعدّ للمختارين، هم بعد اكتمال جسد المسيح السري، عروس الحمل في اليوم الأخير، وهي، قبل الجميع، باكورة مقدّسة وأينع ثمرة من ثمار الفداء التي اشتركت في تحقيقه، إذ أعطت جسداً بشريّاً لابن الله وحكمته وكلمته، فأصبح لنا برّاً وقداسةً وفداء.
في التجسد، حلّت السماء في الأرض يوم طأطأ الكلمة السماء وانحدر المطر على الجزة، وحلّ في أحشاء البتول يتكوّن فيها ابن الإنسان مخلّص الكون. في رقاد البتول وانتقالها، هي الأرض غير المفلوحة، الأرض التي لم تنلها اللعنة، وقد أنبتت سنبلة الحياة، هذه الأرض تحلّ في السماء بجسدها الممجّد، وقد تألّقت فيه الصورة الأولى بحسنها وجمالها، تتوّجها هالة الأمومة الإلهية.
والليترجيا اللاتينيَّة، إن كان في صلوات الغروب الأولى وقدَّاس العشيَّة أو صلاة السَّحَر وقدَّاس النهار والساعة الوسطى والغروب الثانية، تتغنّى بهذه المعجزات الباهرات التي أتمّها العليّ القدير في أمِّ الله العَذراء، المنتقلة من حياة إلى حياة، وقد اشتركت، في الاحتفاء بها وتكريمها وتمجيدها الملائكة والبشر، السماء والأرض، الكون بأجمعِهِ.
القراءات الليتورجيَّة:
تحمل ليتورجيا القراءات الخاصَّة بهَذا النهَار حَسَبَ الطقس اللاتيني كلّ المَعَاني الخاصَّة بحيَاة أمّ الله مظهرة لنا سرَّ حَيَاتِهَا مَعَ الكَلِمَة المتجسِّد هي التي آمنت قبلَ أن ترى فقبلت مشيئة الآب كمَا لم يَقبَلهَا بشَر.
تظهرُ لنا القراءَات الليتورجيَّة كيفَ أنَّ مَريَم تقبَّلت الألم والصِعَابْ، فأصبَحَت لكلِّ واحِدٍ منَّا مثالاً حقيقياً في الصلاة والقداسَة. كمَا وأنَّنا مِن خلال ليتورجيَّة هذا النَّهَار نعي أهميَّة حيَاة الصلاة وممَارَسَة المَحَبَّة. أمَّا الإنجيل المقدَّس الذي يروي لنا نشيد أمِّ الله يَفتحُ لنا باباً جديداً وطريقاً جديدة في حيَاة التواضع والتسليم المطلق لمَشيئة الله وإرادتهُ فينا، عَامِلينَ بوصَايَاه وشاكرينهُ على كلّ الآيَات والعَجَائِبْ التي حقَّقَها.
أمَّا القراءَاتْ الليتورجيَّة حَسَبَ الطقس اللاتيني لهَذا النَّهَار:
أوَّلاً: قدَّاس العشيَّة
يحتفل بقدَّاس العشيَّة مساء اليوم 14 من آب، قبل صلاة الغروب أو بعدها. أمَّا قراءاتِهِ فهي على الشكل التالي:
ثانياً: قدَّاس النهار
يحتفل بقدَّاس النهار يوم 15 من آب، أمَّا قراءاتِهِ فهي على الشكل التالي:
لِنَحيَا الكلِمَة مع مريم، تأمّل حول إنجيل هذا اليوم 15 آب، لوقا الإنجيلي البشير (1: 39 – 56):
في نصّ لوقا الإنجيليّ الذي تضعُهُ كنيسَتنا اللاتينيَّة بين يدينا في ليتورجيَّا هذا النَّهَار المقدَّسْ، نلاحظ التكرار لصيغة المتكلِّم، فروح الصلاة فيه هي إذاً إحتفال بامتياز لحضور وعمل النعمَة الإلهيَّة في قلب القدِّيسَة العذراء مريم جَاعِلاً منهَا أمَّ الله. هذا النشيد هو حديثٌ تتحدَّث فيه السيِّدة العَذراء عن فاديهَا وربِّها الذي صَنعَ بنفسِهَا العَظائِم.
إنَّ حبَّ الله هو "مِن جيلٍ إلى جيل للذينَ يتَّقونهُ" وفيه نشيد وتسبيح وصوت الخليقة المخلَّصَة التي ترى في وجه الطفل يسوع المَولود مِنَ العَذراءْ، رحمة الله، عمَّانوئيل: الله معنا.
أشبَعَ الجيَاع، رفعَ المتواضِعين، أظهَرَ قوَّة سَاعِدِهِ...إلخ يُكشَف مِن خلال هذه الأفعال في إنجيل هذا العيد، عن عظمَة مَشروع حبّ الله المحتجب خلف الأحداث البَشَريَّة التي نرى فيهَا الإنتصَار للقويّ والغنيّ... فتظهَر قوَّة الله الخفيَّة معلِنة من هم المميَّزون بالنسبة إليه.
إنجيل هذا اليَوم المقدَّس، يَربط بينَ الخِدمَة والعِبَادَة، جَاعِلاً منهُمَا جزءً واحداً، لا ينفصِلان أبداً، بَل يكمِّلان بعضهما البعض، بتناغُم وترابط مستمرَّين.
إنَّ نشيد أمِّ الله يشيد بصفات الله الذي يفتقدُ المتواضِعين. "لأنَّهُ نظرَ إلى تواضع أمتِهِ، لأنَّهُ صَنعَ بي عَظائِم". (آ 48-49). كما ويَتضمَّن تلميحاً إلى بعض النصوص الواردة في العهد القديم والجديد وهذا التقارب نراه في نشيد العَذراء مَريَم ونشيد حنِّة والِدة صموئيل (1صم 2: 1 – 10).
يركِّز النشيد أيضاً على عظمَة الله ورحمتِهِ اللامتناهيَة التي يَخصّ بهَا أبناؤهُ ليَكونوا شهوداً حقيقيِّين لِعظائِمِهِ. وقد خصَّ الله بشكل بارز العذراء مَريَم لتكونَ شاهِدة حقيقيَّة هي التي أفاضَ عليهَا نِعمَهُ بطريقة فريدة من نوعها.
يأتي رقاد العَذراء وانتقالِهَا إلى السَّمَاءْ تأكيداً لكلّ واحِدٍ منَّا على حقيقة الانتصار، حقيقة القيامة المَجيدة والصعود إلى السَّمَاءْ والعَودة إلى الديار السماويَّة، حيثُ يتجلَّى مَجدُ الله، حيثُ اسمُهُ مجيدٌ ومقدَّسٌ ورفيعٌ ومنيرٌ على وجوه الجَميع.
تتويج العَذراءْ مَريَم مَلكة على السماوات والأرض:
تعيِّد الكنيسَة اللاتينيَّة لمَريَم العَذراء المَلِكة في 22 آب مِن كلّ عام أي بعد ستة أيَّام مِن انتقالِهَا إلى الأخدار المَلكوتيَّة حيثُ جَلسَت عن يمين ابنِهَا مَلِكة قديرة وسلطانة على الكون كلِّهِ. أمَّا الرَّسول والإنجيليّ يوحنَّا الحبيب يقول في سفر الرؤيَا: "وظهَرَتْ في السَّمَاءْ آيَة عظيمَة، إمرأة ملتحِفة بالشمس، وتحتَ قدميهَا القمَر، وعلى رأسِهَا إكليلٌ مِن إثني عَشَرَ كوكباً". وقد أجمَعَ آبَاء المَجمَع على أنَّ تلكَ المرأة الملتحِفة بالشمس والمكلَّلة بإكليل مِن اثني عَشَرَ كوكباً هي مَريَمُ البَتول القدِّيسَة لأنَّ شمسَ الحَقِّ والعَدل قد أشرق منهَا وسَكَنَ فيهَا وأخذ جَسَداً ورضِعَ الحَيَاة مِن ثدييهَا. إذاً مَريَم هي دائِمَة الجَمَال والكَمَال لأنَّ هَامَتهَا المكلَّلة مِن اثني عَشَرَ كوكباً يَرمز إلى الفضائِل التي تزيَّنت بهَا البَتول القدِّيسَة في مَراحِل حَيَاتِهَا منذ طفولتِهَا حتى البشَارة والتجسُّد وصولاً إلى الصليب والقيَامَة فالصعود والعنصرَة.
التتويج أو التكليل هو علامَة المَجد والشرف، والثالوث الأقدس كلَّلَ بالمَجد مَريَمَ العَذراءْ لأنَّهَا المَلِكة الكبرى وسلطانة الكون كلِّهِ، هي ابنة الآب وأمّ المسيح المخلِّص والفادي، وعروسَة الروح القدس. لقد تكلَّلت مَريَم بإكليل المَجد والشرَف، لأنَّهَا هي تِلكَ العروسَ التي صارت أمّاً للبشريَّة بأسرهَا.
إكرام والِدة الإله، سلطانة السماء والأرض:
مَريَم البَتول هي فخر الأمَّهَات والعَذارى وشفيعَة المَسيحيِّين وَوحدَتِهم. لِذلِكَ وجَبَ على كلِّ واحِدٍ منَّا إكرامُهَا وطلب شفاعَتِهَا التي أضحَتْ مِن ضروريَّات حَيَاتِنا اليَوميَّة. أمَّا إكرام والِدة الإله فهي:
1- تعظيمنا وتقديرنا لهَا لِمَا امتازت وتزيَّنت بهِ مِن فضائِل.
2- الثِقة الكَامِلة بهَا وطلب شفاعَتهَا في الأحزان والأفراح في الضيق ومَصاعِب الحَيَاة اليَوميَّة.
3- إتمام واجباتنا المَسيحيَّة حبّاً وإكراماً لهَا.
4- التشبُّه بفضائِلِهَا وإيمَانِهَا وتواضعهَا ومحبَّتِهَا الكبيرة لله.
5- التقرُّب من سرّ التوبة والصلاة يومياً.
6- المشاركة في القدَّاس الإلهي وخصوصًا في أعيَادِهَا الكبرى: (البشارة 25 آذار) (الزيارة 31 أيَّار) (سيِّدة جبل الكرمِل أو سيِّدة الثوب المقدَّس 16 تمّوز) (الانتقال 15 آب) (ميلاد العَذراء 8 أيلول) (سيِّدة الورديَّة 7 تشرين الأوَّل) (الحَبَل بلا دنس 8 كانون الأوَّل).
خاتِمَة:
يَبقى لنا رقاد وانتقال والِدة الإله الحَدث الكبير الذي يُثبِتْ أنَّنا أبناءْ القيَامَة. لأنَّنا كلُّنا سنقومُ مِن بين الأموات على مِثال الابن الإلهيّ الذي مَاتَ على خشَبَة الصليب ليَهَبَنا الحَيَاة الجديدة ويَمنحَنا القيَامَة المَجيدة.
ليتورجيَّا اليوم حَسَبَ طقسِنا الروماني اللاتيني هي دعوة لكلّ واحِدٍ منَّا لعيش الخِدمَة المجَّانيَّة والعَطاءْ المملوءُ حبّاً والعِبَادَة الحقَّة لله تعَالى.
إذاً هذا اليَوم المقدَّسْ الذي فيه نتأمَّل رقاد مَريَم وانتقالِهَا إلى السَّمَاءْ هو دعوة لكلّ واحِدٍ منَّا إلى ترك مبَاهِج هذا العالم الزائل، والإنتقال إلى الأبديَّة حيث النور والحبّ والحياة.
ويَبقى السؤال هل نحنُ على استعداد كامل وحقيقيّ لملاقاة الرَّبّ، والدخول معهُ في مجدِهِ العظيم؟
المراجع:
Tamar Dasnabédian, le Panégyrique de la Sainte Mère de Dieu de Grigor Narekacci, Edition du Catholisossat Arménien de Cilicie, Antélias – Liban 1995.
Tamar Dasnabédian, La Mère de Dieu, Etudes sur L’Assomption et sur l’image de la très-sainte Mère de Dieu, Edition du Catholisossat Arménien de Cilicie, Antélias – Liban 1995.
المطران ميخائيل عساف، السنكسار الكاثوليكي – 15 آب رقاد السيِّدة العذراء والدة الإله الفائقة القداسة، طباعة ونشر جمعيَّة جنود مريم.
كتاب الصلوات الطقسيَّة على مدار السنة، كنيسة الروم الملكيِّين الكاثوليك، اللجنة الليتورجيَّة البطريركيَّة، طبعة أولى، مطبعة الآباء البولسيِّين – جونيه، لبنان 1999.
معهد الليتورجيا ومعهد العلوم الموسيقيَّة في جامعة الروح القدس الكسليك، صلوات المتعيِّد الماروني – شهر أيار، الكسليك 19 نيسان 1987.
كتاب صلاة الساعات بحسب طقس الكنيسة الرومانيَّة اللاتينيَّة، الطبعة الثانية لمجلس العبادة الإلهيَّة والأسرار في روما، البطريركيَّة اللاتينيَّة الأورشليميَّة، القدس، عمان 1994.
كتاب القدَّاس بحسب طقس الكنيسة الرومانيَّة اللاتينيَّة لأيَّام الآحاد والأعياد، البطريركيَّة اللاتينيَّة الأورشليميَّة، القدس 8 – 12 – 1971.
الأب أوغسطين دُويرِه لاتُور، خلاصة اللاَّهوت المريمي، دراسات لاهوتيَّة 6، دار المشرق طباعة رابعة 2011.
أديب مصلح، مختارات مريميَّة، منشورات المطبعة البولسيَّة، طبعة أولى 2009.