الزمَن الفِصحِيّ المُقدَّس حسَبَ الطقس اللاتيني
كتابة الأب نوهرا صفير الكرمَلي
مقدِّمَة
يُطِلُّ علينا الزَمَن الفِصحيّ المقدَّسْ، ابتداءً مِنَ العشيَّة الفصحيَّة، هذِهِ الليلة السَّامِيَة القداسَة التي تحمِلُ جميع معَاني الخلاص والقيَامَة والرَّجَاءْ.
هذا الزَّمَن المقدَّسْ هو مَوسِمُ المَواسِم وعيدُ الأعيَاد، فيهِ انتصَرَ الرَّبُّ على المَوتِ والخطيئة. فيهِ أعطانا عربونَ الحَيَاةِ الأبَديَّة فلا مَوتَ بعدَ اليَوم، بَل حَيَاة دائِمَة مَع مَن هو القيَامَة والحَقّ والحَيَاة. في هذا الزَمَن المقدَّسْ تدعونا كنيسَتنا اللاتينيَّة لانطلاقة جديدة مفعَمَة بالقيَامَة. هذِهِ الأيَّامُ الخَمسون هي دعوةٌ لكلِّ واحِدٍ منَّا، لِعَدَم التخلّي عن يَسوع، والبَدءْ مَعَهُ مِن جديد، بثيَابٍ جديدة طاهرة ونقيَّة لا عيبَ فيهَا، يَنضحُ بها إيمَاننا القويّ والثابت، وإرادَتنا الرَّاسِخة المَبنيَّة على صخرة الحَقّ والشَّهَادَة الحقَّة للذي مَاتَ وقامَ مِن أجلِنا.
سوفَ نلقي الضوء مِن خلال هذا العَمَل البسيط على كيف أنَّ الزمَن الفصحيّ المقدَّس هو زمَن ليتورجي بامتياز وأنَّ قيَامَة ربِّنا ومخلِّصِنا هي الحَدَثْ الأهَمّ في تاريخ الخلاصْ.
إنَّهَا منطلق الإيمَان المَسيحيّ وذروة رَجَاء البشريَّة. فقيَامَتُهُ هي البَاكورة المبشِّرَة بقيَامَة البَشَر إخوَتِهِ، لا سيَّمَا أولئِكَ الذينَ آمَنوا بهِ وترَجّوا بواسِطتِهِ الحَيَاة الأبَديَّة.
في القيَامَة، يَستقبل الرَّبُّ يَسوع مَريَم المِجدليَّة ومَريَمُ الأخرى، بالسَّلام، قائِلاً لهُمَا: "لا تخافا". واليَوم، لا يَزال الرَّبُّ القائِمُ الحَيّ، ينتظرُ كلَّ واحِدٍ منَّا على مفارقِ حيَاتِنا ودروبِنا، ليَقولَ لنا في قلبِ خوفِنا وتردُّدِنا: " لا تخافوا، أنا بَاقٍ مَعَكُم طوالَ الأيَّام...".
تاريخيَّة هذا الزمَن المقدَّسْ:
الزمن الفصحيّ المقدَّس هو مواسم الاحتفالات بفصح الرَّبّ وقيامتِهِ المجيدة. يمتدّ هذا الزمن المقدَّس من ليلة الفصح حتى العنصرة. وتشير الآثار والأخبار القديمة التي تعود إلى منتصف القرن الثاني إلى أنَّ الاحتفالات بالأعياد الفصحيَّة المقدَّسة كانت تمتدّ على الخمسين يوماً التي يبدأ بعد أحد قيامة الرَّبّ. وتقابل الفترة المماثلة عند اليهود وقوامها خمسون يوماً.
هذا الزمن المقدَّس الآحاد للفصح، وذلك لإبراز وحدة هذه المواسم المباركة. وقد زوَّدَت الكنيسة المقدَّسَة هذه الأيَّام العاديَّة، الواقعة بين الآحاد الفصحيَّة، بنصوص ليتورجيَّة خاصة، تعظيماً لدورها ومكانتها، وإظهاراً لفضلها على سائر الأيَّام.
لعيد قيامة الرَّبّ ثمانية أيَّام تليه، تشهد بوجودها الأخبار منذ القرن الرابع. لكنَّها كانت موجودة قبل ذلك بالتأكيد. وهو أسبوعٌ يكون امتداداً للعيد. والكنيسة فيه تولي اهتماماً خاصاً للذين قبلوا المعموديَّة ليلة الفصح المجيد المقدَّس. وكانوا يدعون هذا الأسبوع "الأسبوع الأبيض"، لأنَّ المعمَّدين حديثاً كانوا يرتدون الملابس البيضاء طيلة هذه الأيَّام، ويخلعونها في الأحد الأوَّل بعد القيامة. وكانوا يتناولون جسد الرَّبّ كلَّ يوم. وكانت الكنيسة تعلِّمهم، كلَّ يوم، شيئاً جديداً حول الأسرار التي قبلوها. وحفظ تقليد هذا التعليم. وفي القرن السابع كانوا يحتفلون بالعيد السنوي الأوَّل للعماد. ويبقى الاحتفال قائِماً حتى موسم العماد الجديد في ليلة الفصح القادمة. بعد القيامة بأربعين يوماً يجيء الاحتفال بصعود الرَّبّ. والمسيح قبل صعوده إلى السَّماء، يعد المحبِّين والأتباع بالروح القدس المعزي. لذلك فالأيَّام التي تمتدّ بين الصعود والعنصرة تدعو النَّاس إلى الاستعداد لحلول الروح القدس. وكان الناس يطلبون مواهب الروح القدس بالصلاة. ومن هنا نشأت تساعيَّة الروح القدس. وهي عبادة شعبيَّة محبَّبة. كانت هذه الأيَّام الخمسون يوماً واحداً، أو عيداً واحداً، أو "أحداً عظيماً واحداً".إنَّها أيَّامٌ مباركة للدخول في سرّ قيامة الرَّبّ بالحبّ والإيمان. فالرَّبّ فصحنا. وهو حملنا البريء الذي حمل عنا خطايانا. وإذ قدَّم نفسه لأبيه قرباناً زكياً، بديلاً عن كل الخاطئين، فقد صار حبرنا الذي لا عيبَ فيه، وعاقدَ عهدنا الجديد مع أبيه، والهيكل الذي تذوب عليه خطايا العالمين. إنه فصحنا الجديد، وباني خلاصنا الأكيد. فعندما قام من بين الأموات، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الآب، صار صاحب سلطان كل شيء في الأرض والسماء، وشفيع الناس لدى أبيه. وما من شفيع للناس عند أبيه سواه. لذلك فعلى الإنسان المسيحي في مواسم الفصح المجيد، أن يحيا فصحه الجديد، موتاً مع المسيح، وقيامة من كل قبر للخطيئة، وكفن للفساد، وصعوداً بالنَّفس فوق النَّفس وأهوائها، وفوق الدّنيا ومتاعها. فهكذا يكون الفصح كما شاءهُ المسيح، عبوراً سعيداً، وانتقالاً أكيداً، من متاهاتِ الموت إلى جنَّاتِ الحياة.
تاريخ فصل عيد الفصح المَسيحي عن اليَهودي:
يعود انفصال المسيحيين عن الأعياد اليهودية إلى العصور الأولى المبكرة للمسيحية، ولكنهم ظلوا لفترة من الزمن يحتفلون بالفصح المسيحي في توقيت احتفال الفصح اليهودي نفسه في اليوم الرابع عشر من نيسان.
حقيقة الأمر أن عيد النصف من نيسان سابق على اليهودية، وكان موجوداً في الروزنامة القديمة البابلية الأصل، كما كان موجوداً عند العرب القدامى ولاسيما سكان البادية، ويحتفل به رعاة بدو من أجل خير ماشيتهم، ولا يزال هذا التقليد قائماً حتى اليوم عند بعض البدو في فلسطين، وكانوا يأخذون بعين الاعتبار القمر والشمس في توقيت العيد، فالشمس لتعيين بدء الربيع عند نضج الشعير، والقمر لتأمين الضوء ليلة البدر.
وقد جرت مراجعة توقيت عيد الفصح المسيحي في مجمع نيقية الذي دعا إليه الإمبراطور قسطنطين في عام 325 بعد الميلاد، وأثبت المجمع قانوناً لم نزل نسير عليه حتى الآن وهو أن عيد الفصح يقع في الأحد الأول الذي يلي بدر القمر الواقع في أول الربيع، فكان عنصران لتعيين الفصح، عنصر شمسي وهو 21 آذار يوم التعادل الربيعي وعنصر قمري وهو 14 من الشهر القمري، وهذا يعني أن يكون الأحد الذي يلي بدر الربيع هو عيد الفصح عند جميع المسيحيين.
وممّا جاء في رسالة الإمبراطور إلى الأساقفة المجتمعين في نيقية ما يلي: (إنه لا يناسب على الإطلاق، وخاصةً في هذا العيد الأقدس من جميع الأعياد، أن نتبع تقليد أو حساب اليهود الذين عميت قلوبهم وعقولهم وغمسوا يديهم بأعظم الجرائم فظاعةً، وهكذا إذ نتفق كلنا على اتخاذ هذا الأسلوب ننفصل أيها الإخوة الأحباء عن كل اشتراك ممقوت مع اليهود).
وأعطى المجمع لكنيسة الحقّ في تعيين يوم الفِصِح، نظراً لشهرتها البالغة في العلوم الفلكية، وقدرتها على الحساب الدقيق، فكان أسقف الإسكندرية يعين تاريخ عيد الفصح، مباشرةً بعد عيد الغطاس، ويُعلم بذلك أساقفة الكراسي الأخرى.
وقبل انعقاد هذا المجمع كانت كنيسة الإسكندرية قد غضت النظر عن الحساب اليهودي، واتخذت لنفسها قاعدة خاصة جعلت عيد الفصح يقع بعد أول بدر بعد اعتدال الربيع في الحادي والعشرين من آذار، وهو ما اعتمده مجمع نيقية وتتبعته جميع الكنائس في العالم الآن.
المَسيح فِصحُنا: عيدُ الأعيَاد
يُلغي فِصحُ المَسيح الفِصحَ القديم، فِصحَ الخروج والعبور، ويَحتفي بعبور المَسيح وبعبورنا مِنَ المَوت إلى الحَيَاة، إلى الآب السَّمَاويّ. وعلى ضوءْ القبر الفارغ وقيَامَة الرَّبّ، ولكَون هذِهِ وذلِكَ حَجَر الزاويَة للإيمَان والكنيسَة، يَظهَر عيد الأعيَاد. إنَّهُ اليَوم المقدَّس الذي صَنَعَهُ الرَّبّ، والذي يَدعونا إلى الفرَح والابتِهَاج. إنَّهُ يَوم "هللويَا"، صَرخة الفرَح والابتِهَاج. إنَّهُ يَوم يَدوم خمسينَ يَوماً، تتصدَّرُهَا ثمَانيَّة الفِصِح.
مَا هي العشيَّة الفِصحيَّة؟
العشيَّة الفِصحيَّة هي سَهرة طويلة تهيِّئ المؤمنين كلَّ عَام للإحتِفال بالفِصِح. إنَّهَا أعظم سَهرَة مَسيحيَّة تجدِّد انتظار الكنيسَة لِرجوع الرَّبّ والمعلِّم. وقد خصَّتهَا الكنيسَة بأجمَل الطقوسْ، كمَا نجدُهَا في كتاب القدَّاس اللاتيني. ومنذُ أقدَم الأيَّام، جَعَلتْ الكنيسَة مِن هذِهِ الليلة أجمَل مناسَبَة للعِمَاد، وقبول سرّ المَيرون، أي للانخراط في الكنيسَة التي نشأتْ صبَاح الفِصِح. تقسَم العشيَّة الفِصحيَّة إلى أربَعَة أقسَام:
القسم الأوَّل: ليتورجيَّة النور أو خِدمَة النور
كَلِمَة إلى الشَّعب – مبَارَكة النار – تهيئة الشمعَة الفِصحيَّة – التطواف – المَديح الفِصحي أو البُشرى الفِصحيَّة.
القسم الثاني: ليتورجيَّة أو خِدمَة الكَلِمَة
كَلِمَة إلى الشَّعب – قراءات مِنَ العَهد القديم: تاريخ الخلاص – (يتبَع كلّ قراءَة مَزمور وصلاة) – نشيد المَجدُ للهِ في العُلى ( إضاءَة المَذبَح وقرع الأجراس) – الصلاة الجَمَاعيَّة – الرِّسَالة – هللويَا (ترتَّل باحتِفال مميَّز مَعَ مَزمورهَا، بَعدَ الانقِطاع عنهَا منذ بدء الزمَن الأربَعينيّ المقدَّس) – الإنجيل المقدَّس والعِظة.
القِسم الثالث: ليتورجيَّة أو خِدمَة العِمَاد
كَلِمَة إلى الشَّعب – طِلبَات القدِّيسين – مبَارَكَة مَاءْ العِمَاد – (العِمَاد، إذا أجريَ). – تجديد مَواعيد العِمَاد – رشّ المَاءْ المبَارَك – صلاة المؤمنين.
القِسم الرابع: ليتورجيَّة أو خِدمَة القرابين
الترتيب الليتورجيّ:
ابتهاجاً بهذا الحدث العظيم المقدَّس يُستَعمَل في الكنيسَة اللاتينيَّة، طيلة الزمن الفصحيّ المقدَّس، اللون الأبيض، وفقَ مَا تحَدِّدُهُ الهيئات الأسقفيَّة، كالمذبح ومنبر القراءات إلاَّ إذا وقعَ عيدٌ للرسل والإنجيليِّين أو تذكار يُستعمل اللون الليتورجي الخاص بالمناسبة، وتزيَّن الهياكل بالورود، ويُتلى نشيد المجد لله في العلى، وتقرع الأجراس، وتُعزَف الموسيقى.
الأناشيدُ في هذا الزمَن المقدَّس: هي صرخة اعتراف وإيمَان بقيَامَة المَسيح المخلِّص التي تعطينا الفرَح والحَيَاة. فالمَسيحُ قامَ وأقامَنا مَعَهُ وعلى إيمَان الرُّسل والكنيسَة نصلّي معترفينَ بقيَامَة سيِّدِ الحَيَاة ومعطيهَا.
الأناشيد في هذا الزمَن يجب أن تكونَ احتفاليَّة بامتيَاز، وفي الوقتِ عينِهِ عليهَا مُسَاعَدَة الجَمَاعَة على الترتيل فهيَ تعبير عن مدى إيمَانهم وتسبيحهم لهَذا الحَدَثْ البَهيج الذي هو قيَامَة الرَّبّ.
طيلة هذا الزمَن يجب أن تصُبّ التراتيل في الليتورجيَّا على حَدَث القيَامَة، لا أن نضعَ تراتيل ليسَت في مَكَانِهَا بهَدَف إظهَار ذواتِنا للناسْ، بَل الهَدَف الأهَمّ هو أن نصلّي مَعَ الجَمَاعَة لِنشهَدَ معاً بأنَّ المَسيح قامَ من بين الأموَات وأعطانا حياةً أبَديَّة.
فترتيل النشيد في القدَّاسْ وفي صلاة الفرض: هو تعبير إيمَانٍ عميق لِمَن وَهَبَ لنا الحَيَاة.
أمَّا ترتيل التسبحَة: هي مَعَ المَلائِكَة الواقفينَ عندَ بَاب القبر، مبشِّرينَ بقيَامَة الرَّبّ.
ترتيلة التقادم: هي مَعَ حَامِلاتِ الطيب اللواتي أتينَ القبرَ باكراً فوجَدنَ الحَجَرَ قد دُحرج فعُدنَ مُبشِّراتٍ بأنَّ الرَّبَّ قد قامَ حقاً كمَا قال.
ترتيلة المناوَلة: هي مَعَ بطرس ويوحنَّا اللذَين أسْرَعَا إلى القبر ورأيَا الأكفان والمِنديل فآمَنا بقيَامَة الرَّبّ، وهذِهِ صورة عُظمَى لحضور الرَّبّ الحيّ والدائِم في سرّ الإفخارستيَّا.تحَافِظ الكنيسَة خلالَ هذا الزَّمَن المقدَّسْ على وجوب إبقاء القبر الفارغ في الكنيسَة شهَادةً على الإيمَان الصَّادِق بيَسوع القائِم مِنَ المَوت، الذي وَحدَهُ يُعطي الرَّجَاءَ الأكيد لبني البَشَر، رجَاء الفِداءْ الحقيقيّ والخلاص مِن سُلطان المَوت والخطيئة.
إنَّ للشَمعَة الفِصحيَّة دورٌ هام في الكنيسَة خلالَ هذا الزمَن، إذ توضَع مِن على يَمين المَذبَح، وتضاءْ عندَ كلِّ احتِفال ليتورجيّ، أو مَعموديَّة، أو جنازة، دلالةً على النّور الحقيقيّ الذي شعَّ مِنَ القبر هذا النور الحقيقيّ الذي لا يَعرف المَغيب "أنا نورُ العَالم مَن يَتبَعني لا يَمشي في الظلام بَل يكونُ لهُ نورُ الحَيَاة". وترمز الشمعَة الفِصحيَّة إلى المَسيح القائِم الحيّ، نور العَالم.
يَبقى جرن المَعموديَّة في الكنيسَة طيلة الزمَن الفِصحيّ ويحافظ على المَاء الذي بوركَ في الليلة المقدَّسَة وتستعمَل عند كلّ منح عِمَاد، وتضاءُ قربَهَا الشَّمعَة الفِصحيَّة.
تبريك النَّار الجديدة:
دَرَجَتْ عَادَة مبَارَكة النَّار الجديدة وتطواف "نور المَسيح"، فهذِهِ النار الجديدة هي الصيحَة الفِصحيَّة: المَسيح قام مِن بين الأموات ووطِىءَ المَوتَ بالمَوت، وَوَهَبَ الحَيَاة للذينَ في القبور. أمَّا في التقليد المسيحي فترمز نار عيد الفصح إلى يوم قيامة يسوع المسيح.
الشَّمعَة الفِصحيَّة:
أخذ الغرب منذُ القرن الحَادي عَشَر، يَفتتِح العشيَّة الفِصحيَّة بخِدمَة النور أو إضاءَة الشَّمعَة الفِصحيَّة، إذ كانَ المَسيحيّون، منذُ القرن الرابع، عندَ إضاءَتِهِم القنديل لوليمَة الجَمَاعَة، يرافقونَ ذلِكَ بنشيد للمَسيح، "نور مَجد الآب الأزليّ البَهيج"، " نور المَسيح". وهَكَذا فمنذُ القرن الرابع، أخذ يُفتَتَح بأقدَس ليلة في السنة بعيد احتِفاليّ للنور، يَرفِقهُ الشمَّاس بالبشرى الفِصحيَّة. ومِن هنا نشأ المَديح الفِصحيّ EXSULTET، نشيد البُشرى الفِصحيَّة، لهَذا النشيد أهميَّة كبرى في هذه الليلة المقدَّسَة لمَا يَحمِلهُ مِن تعَابير عميقة جداَ. والنشيد الذي ترتِّلهُ كنيسَتنا اللاتينية في العشيَّة الفِصحيَّة هو مَا كانَ يُنشَد في بعض كنائِس روما في القرن السَابع، وهو أشهَر مَا بلغنا مِنَ التراث الأدَبيّ الواسِع وأجمَلهُ وأعظمُهُ إجلالاَ وتعظيماً. وإنَّ مَا يُشيدُ بهِ، يَعرض صورة وافِيَة للعشيَّة الفِصحيَّة: ذِكرى خروج جَمَاعَة العَهد القديم، ومَوت الرَّبّ وقيَامَتِهِ، وحضور المَسيح القائِم وسط جَمَاعَة العَهد الجديد، بأسرار الاندمَاج المَسيحيّ المقدَّسَة، وانتظار رجوع الرَّبّ.
وقد بَلغت طقوس العشيَّة الفِصحيَّة مَرحَلتهَا النِّهَائيَّة أيَّام البَابَا إنوشنسيوس الثالث سنة 1216. وكانَ آخِر مَا طرأ عليهَا مِن جديد هو غرز حبَّات البخور الخَمس في الشمعَة الفِصحيَّة على شكل صليب، للدلالة على مبَاركَتِهَا، وترمز أيضاً إلى جروحَات المَسيح الخمس، وعندمَا يغرز حبَّات البخور الخَمس يَقول: 1) الرَّبّ المَسيح، 2) فليَحرُسْنا، 3) وليَحفظنا، 4) بجروحِهِ المقدَّسَة، 5) والمَجيدَة. آمين. ومَا يَحفرُ الكَاهِنُ فيهَا مِن علامَات، يُشيرُ إلى أنَّ المَسيح هو مَلِكُ الأزمِنة والدهور وربَّهَا. وسنعرض لكم النشيد أو المَديح الفِصحيّ لِمَ يَحمِلُهُ هذا المَديح مِن جَمَال وعظمَة مِن خلال النَّص والمَضمون الذي يَجمَع كلّ تاريخ الخلاص، إليكم الآن النشيد الفِصحيّ كامِلاً كَمَا ترتِّلهُ كنيسَتنا اللاتينيَّة في الليلة المقدَّسَة مِنَ العشيَّة الفِصحيَّة:
البشرى الفِصحيَّة
لِتبتهج الآن الجَوقاتُ المَلائِكة في السَّمَاءْ: لِيَبتهج خدَّام الأسرَار الإلهيَّة: وليَهتِف بوقُ الخلاص فرَحاً، فإنَّ المِلِكَ العَظيمَ قد انتصَر.
لِتبتهج الأرضُ في هذا الفيض مِنَ النّور السَّاطِع: فإنَّ مَا سَادَهَا حيناً مِنَ الظلام، قد بَدَّدَهُ مَا غمَرَهَا مِن ضيَاءْ مِلِكِ الدّهور.
لِتفرَح الكنيسَة أمُّنا، ولتتهلَّلْ بهَذا النّور: ولترتفِع مِن جوانِب هَيكَل الله هذا الكَريم هُتافاتُ الجمُع السَّعيدة.
وإنَّني لأناشِدُكُم، يَا إخوَتي الأعزَّاءْ، يَا مَن قاموا حَولَ سَناءِ هذا النّور المُقدَّسْ: أن ترفعوا مَعي الدُّعَاءْ، إلى الإله القدير الرَّحيم.
فإنَّهُ دَعاني إلى خِدمَتِهِ، على غير استِحقاقٍ منِّي: فليَمُدَّني بنورٍ مِن عندِهِ، كي أتغنَّى بمَجدِ هذِهِ الشَّمعَة المبَارَكَة.
- الرَّبُّ مَعَكم. ج: ومَعَ روحِكَ أيضاً.
- لِنرفع قلوبَنا إلى العُلى. ج: إنَّهَا لدى الرَّبّ.
- لِنشكُر الرَّبَّ إلهَنا. ج: ذلِكَ حقٌّ وعَدلٌ.
إنَّهُ لحقٌّ وعَدلٌ، أن نسبِّحَ بمِلءِ قلوبنا وأفواهِنا،
للإلهِ الذي لا يُرى، الآب القدير على كلِّ شيءْ،
ولابنِهِ الوَحيد يَسوعَ المَسيح ربِّنا.
إنَّهُ قضى عنَّا لأبيهِ الأزليّ دَيْنَ آدَمَ أبينا،
وألغى بسَفكِ دَمِهِ مَا حَكَمَتْ بهِ المَعصِيَة القديمَة.
فهَا هي أعيَادنا الفِصحيَّة المَجيدة،
تِلكَ الَّتي يُذبَحُ فيهَا الحَمَلُ الحقيقيّ،
وتُدمَغُ بدَمِهِ الكَريم بيوتُ المؤمنين.
هذي هي الليلةُ الخَالِدَة،
التي أخرَجْتَ فيهَا الآبَاءَ مِن مِصر:
فعَبَروا على اليَبْسِ في البَحرِ الأحمَر.
هذي هي ليلة الضِيَاءْ!
الَّتي أبَادَ عَمودُ النَّارِ فيهَا
دَيجورَ المآثِمِ والمَعَاصِي.
هذي هي ليلةُ البَهَاءْ،
الَّتي تُحَرِّرُ اليَومَ المؤمنينَ بالمَسيح في المَعمورَةِ كلِّهَا،
مِن رذائِلِ هذا العَالم ومِن أغلالِ الخطايَا،
وتعودُ بهم إلى شركَةِ القدِّيسين.
هذي هي الليلة المقدَّسَة،
التي حَطَّمَ فيهَا المَسيحُ قيودَ المَوتِ الرَّهيب،
وانطلقَ مِن قَبرهِ المَجيدِ منتصِراً.
ترى هل مِن فائِدةٍ لوجودِنا،
إن لم يَكُنِ المَسيحُ خلاصَنا!
يَا لرائِعِ حَنَانِكَ علينا!
يَا لمُطلَقِ حُبِّكَ لنا،
يَا مَن أسلمَ ابنَهُ الوَحيد، عن العَبَادِ فِداءَ!
أيَا مَعصِيَة آدَم، لِمَحْوِك مَاتَ المَسيح،
فكنتِ لأجل ذلِكَ واجبَةَ الوجود!
يَا لكِ مِن مَعصيةٍ سَعيدة،
بسَبَبِكِ أنتِ جَاءَنا هذا المُخلِّص!
حقّاً! طوبى لكِ أيَّتُهَا اللَّيلة الفريدَة!
أنتِ دونَ سِواكِ مِن ليَالي الدُّهور العَديدة،
شَهدْتِ سَاعَةَ قيَامَةِ المَسيحِ مِنَ القبور.
هذي هي الليلة التي كُتِبَ فيهَا:
"رُبَّ ظلامٍ لن يَظلَّ لديكِ ظلاما،
وليلٍ يَكونُ كالنَّهَار منيراً!
وإنَّ قدسيَّةَ هذي الليلة
تُقصي الشرور،
وتغسِلُ النّفوسَ والضمَائِر،
وتَرُدَّ البرَّ للخاطئين،
والبَهجَة للمَحزونين.
وتزيلُ مِنَ القلوبِ الضَّغائِنَ والأحقاد،
وتمَهِّدُ السَّبيلَ إلى المحبَّة والسَّلام،
وتُخضِعُ كلَّ كِبريَاءٍ وتجَبُّر.
طوبى لكِ، أيَّتهَا الليلة المبَارَكَة،
أنتِ التي فيهَا اتَّصَلتِ الأرضُ بالسَّمَا،
والتقى الإنسَانُ والإله!
فبحَقِّ ليلة النِّعمَة هذِهِ،
تقبَّلْ، أيُّهَا الآبُ القدّوس، هذِهِ الشَّمعَة الفِصحيَّة المتَّقِدَة،
ذبيحَة تسبيحٍ مَسَائيَّة،
تقدِّمُهَا لكَ الكنيسَة المقدَّسَة مِن نِتاج النَّحلة،
على أيدينا نحنُ خدَّامَكَ.
أعظِمْ بهَا شَمعَةً كُرِّسَتْ لِمَجدِ الإسم السَّامي.
فلتبقَ، اللَّهُمَّ، مُشتعِلةً اشتِعَالاً،
ولتَسْتَمِرَّ في تبديدِ ظلامِ هذِهِ اللَّيلة.
إقبَلهَا تقدِمَةً ذاتَ عَبيرٍ طيِّبٍ فوَّاح،
فتمتزجَ بالنيِّرَاتِ العُليَا في ضِيَائِهَا البَاهِر.
وليُعَانِقْ لهيبَهَا المُضطرم
كَوكَبَ الصُّبحِ الطَّالِع:
ذلِكَ الكَوكَبُ الذي لا يَغيب،
ألمَسيحُ ابنُكَ، الذي حينَمَا عادَ مِن مَقَرِّ المَوتى،
أشرَقَ على الجنس البَشريِّ إشراقةَ السَّلام،
والذي يَحيَا ويَملِكُ إلى دهر الدُّهور. آمين.
المَعموديَّة في الليلة المقدَّسَة:
للمَعموديَّة دورٌ هامّ في هذه الليلة السَّامية القداسَة، كانت الكنيسَة الأولى شديدة الحِرصْ على إجلاء مَا للعِمَاد مِن صِلة بفِصح المَسيح. لِذلِكَ كانت تهتمُّ بمَنح العِمَاد يَوم الأحَد. ولمَّا كَثُرَ اهتِداء الجموع إلى الإيمَان بعدَ السَّلام القسطنطيني سنة 313، أصبَحَتْ الليلة الفِصحيَّة ليلة العِمَاد الكبرى في السنة، وذلِكَ في ختام الزمَن الأربَعينيّ المقدَّس، حيثُ كانت تجري مَرَاحِل المَوعوظيَّة. فكانَ هذا الزمَن زمَن الكِرازات التحضيريَّة للاندِمَاج في الحَيَاة المَسيحيَّة، والكِرازاتْ المهيِّئة العِمَاد. وقد اشتَهَرَ فيهَا القدِّيسون، أمبروسيوس، وكيرلس الأورشليمي، ويوحنَّا الذهَبيّ الفمّ، وأوغسطينس... وفي هذا العَهد، نشأت الطقوس العِمَاديَّة للعشيَّة والثمَانيَّة الفصحيَّة وصَلواتِهَا. وتشمُلُ هذِهِ: التطواف إلى جرن المَعموديَّة، وصلاة تكريس المَاءْ، وخلع أردية المُعَدِّينَ للعِمَاد، والتغطيس الثلاثيّ، يَصحَبُهُ الإقرار الثلاثي بالإيمَان، والمَسحَة بالميرون، وردّ الثوب الأبيض، ثمَّ منح الأسقف لِسِرّ المَيرون، والعَودة إلى الكنيسَة لإقامَة الإفخارستيَّا، واشتراك المعمَّدينَ حديثاً في مأدُبَة المؤمنينَ الفِصحيَّة.
ومنذُ القرن الحَادي عَشَر، زالَ في الشرق مِنَ الليتورجيَّة الفِصحيَّة كلّ ذِكِر للاندِمَاج في الحَيَاة المَسيحيَّة (بالعِمَاد والمَيرون والتناول) بحيث أنَّ الكنيسَة اللاتينيَّة حَافظت على الطابع العِمَاديّ في هذِهِ الليلة المقدَّسَة التي هي أمّ السَّهَرات وأعظمُهَا ممَّا وضَعَت تجديد مَواعيد المَعموديَّة والبَركَة. حَافظت على وجود المَعموديَّة لِمَ لهَا مِن أهميَّة كبرى فالمَعموديَّة هي سرّ العبور مِنَ المَوت إلى الحَيَاة، على مِثال المَسيح القائِم مِنَ القبر. تأتي ليتورجيَّة العِمَاد بعد ليتورجيَّة الكلِمَة والعِظة وبعدَ خِدمة العِمَاد وبركة الشعب بالمَاء المبَارك يَعود الكَاهِن إلى مقعَدِهِ لتلاوة صلاة المؤمنين حيثُ يَتبَعُهُ خدمَة القرابين وهنا مِنَ المُلائِم أن يقدِّم المعمَّدون الجُدُد البَالِغون الخبزَ والخَمر
مِعنى الفِصِح المقدَّس:
لمَ تَطْلبنَ بين الأموات مَن هو حيّ؟ إنه ليس ههنا. لكنّه قد قام (لو 5:24 – 6 ). في إطار أحداث الفصح، الأمرُ الأولُ الذي يطالعنا هو القبرُ الخالي. ليس هو في ذاته برهاناً مباشراً. فمن الممكن تفسيرُ اختفاء جسد المسيح من القبر على نحوٍ آخر. ومع ذلك فإنّ القبر كان للجميع علامةً جوهريّة. واكتشافُ التلاميذ له كان الخطوة الأولى للوقوف على واقع القيامة نفسه. تلك حال النساء القدِّيسات أولاً، ثمّ حالُ بطرس. "التلميذ الذي كان يسوع يحبُّه" (يو 2:20) يؤكّد أنه عندما دخل إلى القبر الخالي، ورأى "اللّفائف مطروحةً" هناك (يو 6:20)، رأى وآمن. وهذا يعني أنه رأى في خلوّ القبر أنّ غياب جَسَد يسوعَ لم يكن من الممكن أن يَعود إلى عمل بشريّ، وأنّ يسوع لم يرجع ببساطة إلى حياة أرضيّة كما كانت الحال بالنسبة إلى لعازر.
قيامة المسيح هي حقيقةٌ إيمانيّة في كونها تدخُّلاً سامياً من الله نفسه في الخلق وفي التاريخ. فيها يَعمَل الأقانيم الثلاثة الإلهيّة معاً، كما يُظهرون ميزاتهم الخاصّة. لقد جرت بقدرة الآب الذي "أقام" (أع 24:2) المسيح، ابنَه، وأدخل هكذا، على وجهٍ كامل، ناسوته – مع جَسَدِهِ – في الثالوث. فقد كُشِفَ نهائياً عن يسوع على أنه "المقام بحسب روح القداسة، في قدرة ابن الله، بقيامته من بين الأموات" (رو 4:1). والقديس بولس يشدّد على ظهور قدرة الله في عمل الروح القدس الذي أحيا ناسوتَ يسوع المائت، ودعاه إلى حالة المَجد.
أخيراً قيَامَة المَسِيح – والمَسيحُ القائمُ نفسه – هي مبدأُ وينبوعُ قيامَتِنا الآتية: "إنّ المسيح قد قام من بين الأموات باكورةً للراقدين. فكما أنّه في آدم يموت الجميع، كذلك أيضاً في المسيح سيَحيَا الجميع" (1 كور 20:15- 22). فالمسيحُ القائمُ من الموت يَحيَا في قلب مؤمنيه. فيه يتذوّق المسيحيّون "قوّاتِ الدهر الآتي" (عب 5:6)، وحياتهم يشدّها المسيحُ إلى قلب الحياة الإلهيّة "لكي لا يحيا الأحياءُ لأنفسهم في ما بعدُ بل للذي ماتَ وقامَ لأجلهم" (2 كو 15:5).
الإيمان بالقيامة: يتناول حدثاً يثبِّتُه تاريخيَّا التلاميذُ الذين لَقُوا في الحقيقة القائمَ من الموت، ويسمو سرّيّاً أيضاً في كونه دخولَ ناسوت المسيح في مَجد الله.
القبر الخالي واللفائفُ المطروحة: تعني في ذاتها أن جسدَ المسيح أفلِتَ من قيود الموت والفساد بقدرة الله. إنها تُعِدّ التلاميذ لِلقاء القائم من الموت.
المسيح، "البكرُ من بين الأموات" (كو 18:1): هو مبدأ قيامتِنا الخاصّة، منذ الآنَ بتبرير نفسنا، وفي الزمن الآتي بإحياء جسدنا.
القراءات الليتورجيَّة للزمَن الفِصحيّ المقدَّس:
الخمسون يوماً، تلك التي تدوم من أحد القيامة إلى أحد العنصرة، هي أيَّامٌ يحتفل بها في فرح وابتهاج كأنَّها يوم عيد واحد، بل كأنَّها "يوم الأحد العظيم المقدَّس"، على حدّ قول القديس أثناسيوس الكبير.
آحاد هذا الزمن تعدّ آحاد الفصح، وتدعى بعد أحد القيامة: الأحد 2 - 3 – 4 – 5 – 6 – 7 للفصح. ويختم زمن الخمسين يوماً المقدَّس أحد العنصرة.
تؤلِّف الأيَّام الثمانيَّة الأولى من الزمن الفصحيّ ثمانية الفصح، وتقام على أنَّها احتفالات بالرَّبّ. في اليوم الأربعين بعد الفصح يقام صعود الرَّبّ والأيَّام القائمة بين الصعود والسبت الذي يسبق العنصرة، تُعِدّ لمجيء الروح القدس البراقليط.
أمَّا ترتيب القراءات فتأتي حَسَبَ التسَلسُل التالي:
قراءَة الإنجيل لِنهَار الفِصِح، مقتبَسَة مِن يوحنَّا، وتدور حَولَ وجدَان القبر فارغاً. وإلى ذلِك، فإنَّهُ يَجوز تلاوَة نصوص الإنجيل المعيَّنة لليلة المقدَّسَة. وفي قدَّاسْ المَسَاء، يَجوز قراءَة روايَة لوقا لِظهور المَسيح لتلميذَي عَمَّاوس. أمَّا القراءَة الأولى، فمَأخوذة مِن أعمَال الرُّسُلْ، ويَقوم هذا السِفِر مَقام العَهد القديم في الزمَن الفِصحيّ. والتاليَة، وهي للرَّسول، فتعود إلى السرّ الفِصحيّ، على مَا يَلزَم أن يُحيَا في الكنيسَة.
في أيَّام الأحَد: تدور القراءِات الإنجيليَّة، حتى الأحَد الثالِث للفصِح، حولَ ظهورات المَسيح القائِم مِنَ القبر. وفي الأحَد الرابع، تتلى قراءَات الرَّاعي الصالِح. وفي الآحَاد: الخَامِس، والسَادس، والسَّابع، مقتطفات مِن خِطاب يَسوع وصَلاتهُ بَعدَ العَشَاء الأخير.
والقراءَة الأولى مَأخوذة مِن أعمَال الرّسُل، على مَدى ثلاث سَنوات، بتتابُع متسَاوٍ. وفي هذا الضوء، تَعرض كلّ سَنة جَانباً مِن حَيَاة الكنيسَة الناشِئَة وشَهَادَتِهَا ونموِّهَا.
أمَّا في شأن القراءَة الرَّسوليَّة، ففي السَنوات (أ)، تتلى رسَالة القدِّيس بطرس الأولى، وفي السَنوات (ب)، رسَالة يوحنَّا الأولى، وفي السنوات (ج)، رؤيَا يوحنَّا. فإنَّ هذِهِ النصوص توافق مَا يَمتاز بهِ هذا الزمَن، مِن إيمَان وطيد، ورَجَاءْ مُطلق.
الأيَّام والأعيَاد في زمَن الفِصِح:
خميس الصعود الإلهيّ وأحَد العنصَرَة المقدَّس في الزمَن الفِصحيّ:
يأتي خميس الصعود بعد أربَعينَ يَوماً مِن قيَامَة الرَّب يَسوع ومِن خلال هذِهِ الأيَّام نترافق مَعَ الكنيسَة لنستقبل الباراقليط المعزّي. في هذا الاحتِفال، نضَع نُصبَ أعيُنِنا المَسيح الذي يُرفع إلى السَّمَاءْ على مَرأى مِنَ التلاميذ، والذي جَلسَ عن يَمين الله، وأوليَ السّلطان المَلكيّ، ويهيِّء للناس مَلكوتَ السَّمَاوات، والذي سَيَأتي في آخِر الأزمِنة (كتاب الحَبريَّات 373).
يُحَافظ الاحتِفال بصعود الرَّب على روايَة أعمَال الرُّسُل لهَذا الحَادِثْ، في القراءَة الأولى. ويواصِل ذلِكَ القراءَة الرَّسوليَّة في المَسيح الممجَّد عن يَمين الآب. أمَّا القراءَة الإنجيليَّة، فكل دورة تعرض لهَا نصًّا خصوصياً، بحَسَب كلّ إنجيلي.
وفي قدَّاس عشيَّة العنصَرَة، ألأربَعَة نصوص للقراءَة الأولى، يُختار واحِد منهَا، بغية إفاضة ضوء على مَعَاني الاحتِفال العَدة. وتدلّ القراءَة الرَّسوليَّة على مهمَّة الروح القدس في الكنيسَة، وتذكر القراءَة الإنجيليَّة وَعد يَسوع بالروح، قبلَ تمجيدِهِ.
وفي قدَّاس النهَار لعيد العنصَرَة، تُشيدُ أعمَال الرّسُل، في القراءَة الأولى، بحَدَثِ العنصَرَةِ العَظيم، بَينمَا تُظهرُ نصوص الرَّسول ثِمَارَ عَمَل الروح القدس في الكنيسَة. أمَّا القراءَة الإنجيليَّة، فتتكلَّم على يَسوع، وهو يَمُدّ رُسُلهُ بالروح القدسن مَسَاء الفِصِح. وثمةَ نصوص أخرى اختيَاريَّة، تشير إلى عَمَل الروح في الرّسُل وفي الكنيسَة.
يوصى بتكثيفِ الصلاة مِن أجل وحدِة المَسيحيِّين في بعض الأيَّام، ومِنهَا في الأيَّام الواقِعَة بين خميس الصعود الإلهيّ والعنصَرَة، حيثُ تُذكَرُ جَمَاعَة القدس الملتئِمَة في الصلاة، وانتِظار حلول الروح القدُس، الذي سَيُثبِّتُهَا على الوحدة والرِّسَالة الجَامِعَة (سكرتيريَّة الوحدة المَسيحيَّة عام 1967).
خاتِمَة
زمَن الفِصِح، هو زمَن كلِّ الأزمِنة الليتورجيَّة، فلا عَجَب أن تدورَ في فلَكِهِ السَّنة الليتورجيَّة بأزمنتِهَا وتذكاراتِهَا، وأعيَادِهَا، واحتِفالاتِهَا، بتقويمِهَا ورتبهَا. وكأنَّ هذا الاحتِفال هو ذروة المَسيرة الطقسيَّة فإليهِ تصبو الكنيسَة المصلية، وفيهِ تنطلِق نحوَ زمَن جديد.
على مَدار السنة الليتورجيَّة يبقى الأحَد في الطقس اللاتيني يوماً سيِّدياً بامتياز، يَتجدَّد في كلّ صلاة جَمَاعيَّة أو ذبيحَةٍ إلهيَّة، لتشيرَ بذلِكَ إلى أنَّ قيَامَة الرَّبّ يَسوع ليسَت حَدثاً تاريخياً عابراً مرَّة واحِدة في كلِّ عَام، وإنَّمَا هو حَدَث خلاصيّ مستمرّ واحتِفال روحيّ دائِم.
يَبقى الزمَن الفِصحيّ المقدَّس، دعوة لنتأمَّل الابن الذي أنهَى مسيرة حيَاتِهِ على الأرض عَائِداً بالمَجد إلى أبيهِ السَّمَاويّ، لنكونَ مستعدِّين لاقتِبَال المَجد المُعَدّ لنا في المَلكوت. إنَّ هذا الزمَن هو دعوة لكلِّ واحِدٍ منَّا للخروج مِن قبورنا الأرضيَّة، لتتنقَّى ذواتنا بفعل القيَامَة، تاركين كلّ مَا يَتعلَّق بالأنانيَّة والحقد والكبريَاءْ، ونلقى وجهَ يَسوع الحيّ القائِم في كلِّ إنسَان.
المراجع: