قولٌ قد طبعَ الرَّهبانيَّة الكرمليَّة قولاً وفعلاً: "الكرمَل كلّه مريميّ"
كتابة: الأب عبّود عبّود الكرملي
إنَّ هذا القول قد طبع الرهبانية الكرمليّة قولاً وفعلاً. فالعذراء دائماً ما تذهب لملاقاة إخوتها بحضورها الدائم ومثالها الحي.
الكرمَل بأسره مطبوع بحب مريم، محاولاً عيش فضائلها ومكمّلاً مسيرتها من فرح الميلاد وآلام الصليب حتى بشارة العنصرة.
لكنّ هذه الجذور المريميّة تذهب أعمق من معرفة العذراء معرفةً كتابيّة. فهي تتأصل في علاقة شخصيّة مع هذه الأم التي تشعّ من بهاء الذي حملته، متأملةً هذا السر العظيم والتي ترافق الرسل في البشارة ممتلئة من الروح القدس. لهذه الروح التأمليّة التبشيريّة صدىً مدوّياً في صلب الروحانية الكرملية التي تستمد غذاءها اليومي من التأمل بكلمة الله وأسراره «وكانَت مَريمُ تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها» (لوقا 2/19) ثم تنطلق إلى البشارة حاملةً يسوع إلى العالم «أَيَّتها المَرأَة، هذا ابنُكِ» (يوحنا 19/26).
في إحدى رسائله، عرّف القديس البابا يوحنا بولس الثاني مريم على أنّها "أخت وبهاء الكرمَل". وأضاف قائلاً : "لقد اختار الكرمَل مريم كحارسة وأماً روحيةً له....ففي هذه الطريقة، تنشأ صداقة روحية ، دائمة النمو، ملؤها يسوع ومريم".
مريم بالنسبة لكلّ كرملي وكرمليَّة هي كالقمر الذي لا يعكس صورته إلا من خلال أشعة الشمس المنبعثة من نور العالم نفسه، يسوع المسيح. إن علاقة مريم بالكرمَل تنعكس بطريقة مرئية وأخرى غير مرئية، أقلّه بحسب النظر الجسدي. فكما بحثت عن يسوع في الهيكل وسعت لحمايته من يد هيرودس، فكذلك لم تقبل مريم إلاّ أن تقدم لأبنائها وللعالم بأسره هدية انتماءٍ ودليل اقتداءٍ الا وهو ثوبها المقدَّس، المعروف بثوب الكرمَل. أما العلاقة غير المرئية فهي تكمن بكون العذراء رمزاً لكل ما يطمح إليه أي كرملي، وكرمليَّة:
1 - الدخول في علاقة حميمة مع المسيح.
2 - الانفتاح لمشيئة الله.
3 - السماح لكلمة الله أن تغيّر حياتنا.
بالنسبة لكلّ كرمليّ وكرمليَّة، مريم لا تلبث تقدّم لنا يسوع.
ختاماً، ما عبّر عنه القديس البابا يوحنا بولس الثاني خير دليل على مدى تأثير الروحانية الكرملية المريمية عليه شخصيّاً وعلى العالم بأسره : "الكرمَل يذكّر الناس، المنشغلين بهموم كثيرة، أنَّ الاوَّلية المطلقة يجب أن تعطى لطلب ملكوت الله وبرِّه فعندما تلتفت الجماعات المسيحية إلى الكرمَل، حيث تصبح الصلاة حياة، وحيث الحياة تزدهر بالصلاة، تزداد فهما بأية طريقة تستطيع ان تصير، هي بدورها، مدارسَ أصيلة للصلاة، وهؤلاء الاخوة والاخوات، الذين يربطهم الثوب بأعضاء رهبانية الكرمَل الآخرين، فليكونوا عارفين بالجميل على ما نالوا من هبة، ويظلّوا أمناء، في كل مناسبة، على ما يقتضي انضمامُهم إلى الموهبة الكرملية من واجبات".