القدِّيسة تريزا ليسوع "الأفيليَّة"، الأمّ، المصلحة الكبيرة، إبنة وملفانة الكنيسَة.

كتابة الأب نوهرا صفير الكرمَلي

هي راهبة كرمليَّة، مُصلحة كبيرة لرهبانيَّة سيِّدة جبل الكرمَل، مؤسِّسة لسبعة عشر ديرًا للكرمليَّات والكرمَليِّين الحفاة، أمّ الرّوحانيّات، وأوَّل إمرأةٍ مُنِحت هذا اللقب "ملفانة الكنيسة الجامعة المقدَّسة"، وهو دليلٌ على “القيمة المميَّزة والحاضرة دائمًا لروحانيَّة هذه القدِّيسة التي عاشَت في القرن السادس عشر؛ إنَّ لقبَ إعلان تريزا ليسوع "الأفيليَّة" معلّمة للكنيسة، وشخصيتَها الغنيَّة والممتلئة من الروح القدس، قد فَتَنت مَن عرفوها في حياتها ومازالت تجذُب دائمًا أولئكَ الذين تعلَّموا أن يتقرَّبوا إليها، ولو أنَّهم غير مسيحيِّين، ومن هذه الشخصيَّات الكبيرة نذكرُ الإمرأة والفيلسوفة اليهوديَّة، القدِّيسَة الكرمَليَّة الشهيدة تريزا بنديكتا للصليب – إديت شتاين التي لدى قراءة كتابها "كتاب السيرة" هتفت وقالت: "إنَّها الحقيقة، لقد وجدتُ الحقيقة". وذلكَ عبر كتاباتها، واختباراتها الصوفيَّة، وخاصَّةً عبر رسائلها، التي أعطت للنفوس التي لم تعُد تعرف خالقها، بأن تعود إليه وتبحث عنهُ في عيشها للكلمة والدخول معهُ في علاقة صداقة تعرفُ من خلالها أنهُ يُحبُّها كما هي.

إنَّ شخصيَّة تريزا ليسوع تجعَل منها مِثالاً فريدًا ورائِعًا لعبقريَّة المرأة، ومكانتهَا، ومكانة أسلوبها وتعاطيها الإجتماعي، والروحي، والجماعي.

أوَّلًا: هي راهبةٌ تقودُ طريقها نحو الكمال؛

ثانيًا: هي رئيسةٌ قويّةُ مع تواضعٍ عميق ووداعة كرمليَّة كبيرة؛

ثالثًا: هي مُصلِحةٌ لا تخاف من الصعوبات؛ لأنَّها وضعَت كلَّ اتِّكالها على الربّ وعنايته بكلّ همومها مستسلمةً بين يديه بثقةٍ لا حدَّ لها؛

رابعًا: هي مؤلِّفةٌ، وكاتبةٌ، وشاعرةٌ صوفيَّة، تكتبُ بحكمَةٍ نابعةٍ عن اختبار وارتداد كبير، وعن طاعة فتعكِسُ ذاتَها في ما تكتب بأسلوبٍ مازال قائِمًا وحيًّا حتّى يومنا هذا؛

خامسًا: هي مؤسَّسةٌ لأديار جديدة لرهبانيَّة سيِّدة جبل الكرمَل، جعلت منها واحات قداسة ومناسِك للحياة الروحيَّة، لنفوسٍ تبحثُ عن الله وحدهُ في أرض إسبانيا؛

سادسًا: هي معلَّمةٌ كبيرة للحياة الرّوحيَّة، وصوفيَّة غاصت في تعاليمٍ تلقَّتْها من الرَّبّ عبر اتصالها المتواصل معه في حياة التأمُّل والصلاة وهما ركيزتا حياة الكرمَل الأساسيَّة ورسالتهُ في حياة الراهبات والرهبان اللذين يعيشون في أديرتهم هذه الرسالة؛ وبناء إنسان يُحِبُّ القريب ويرى في الصلاة خير وسيلةٍ للتعبير عن هذا الحُبَّ وتنميتِه، وأنَّه بالصلاة يعطي القريب أكثر ممّا يُعطي ذاته.

وُلدت تريزا دي أهومادا في آفيلا - إسبانيا، وعُرِفَت فيما بعد بِ "تريزا الأفيليَّة"، "تريزا ليسوع"، "تريزا الكبيرة". تذكر تريزا في كتاب السيرة تفاصيل عن طفولتها: وعن والدَيها تقول: “كان لي والدَين فاضلين يتّقيان الله”، وهي عائلة مؤلّفة من تسعة إخوة وثلاث أخوات. أخذت تقرأ وهي بعمر 9 سنوات، حياةَ بعض الأبطال القديسين الشهداء وقصص الفروسيَّة، حتّى أنّها هربت ذات يوم من البيت كي تموت شهيدة وتصعد إلى السماء (كتاب السيرة 1، 4)؛ قالت لوالديها: “أريد أن أرى الله، ولكي أراه يجب عليَّ أن أموت”. واكتشفت فيما بعد الحقيقة التي اختصرتها قالت: “الحقيقة هي أنّ كلّ ما ينتمي إلى هذه الدنيا، هو إلى زوال”، وأيضًا: "الحقيقة هي أنّ الله وحده هو إلى الأبد، إلى الأبد، إلى الأبد”، وهو حقيقة ردَّدتها تريزا كثيرًا في كتاباتها، وقصائدها، ومنها القصيدة الأكثر انتشارًا وتقول: “لا يقلقنَّكَ شيءٌ لا يُرهبنّك شيءٌ؛ كلُّ شيء يزول. الله لا يتغيّر؛ الصبر يبلغُ كلّ شيء؛ من كان الله لديه فلا يعوزه شيء، الله وحده يكفي!”.

عندما توفّيت والدتها وهي في الثانية عشرة من عمرها، قالت: "طلبت من السيّدة العذراء الكليّة القداسة أن تكون لي أُمًّا" (كتاب السيرة 1، 7).

طالعت العديد من الكتب في فترة المراهقة، وقد حملتها إلى الضياع في عالم الحياة الاجتماعيّة، كما وطالعت الكُتُب الروحيّة وهي تلميذة عند راهبات سيّدة النِعَم الأغوسطينيّات في آفيلا وقد ساعدتها على الصمت والصلاة.

في سنّ العشرين، دخلت إلى دير التجسّد للراهبات الكرمليّات الحبيسات، في آفيلا أيضًا؛ متَّخذةً في الكرمَل اسم: "تريزا ليسوع".

وبعد ثلاث سنوات، مرضت مرضًا خطيرًا، حتّى أنّها بقيت لأربعة أيّام ميتة ( كتاب السيرة 5، 9)، ودُقَّ جرس الدير معلنين وفاتها، وبعدها استفاقت وقالت لاحقًا أنَّها شُفِيَت بشفاعة القدِّيس يوسف.

في زمن الصوم الأربعينيّ المقدَّس سنة 1554، ولها من العمر تسعة وثلاثون عامًا، وقد وصلت تريزا إلى أعلى درجاتِ صراعها مع ضعفها وتردّدها الإيمانيّ والرّهبانيّ. نالت نعمة الإرتداد أمام شخص “المسيح المُثخن بالجراح” وقد تركَ أثرًا عميقًا في حياتها (كتاب السيرة 9). تصف هذا اليوم الحاسم في خبرتها الصوفيّة تقول: “حدث أن انتابني فجأةً شعور عن وجود الله، حتّى أنّه لم يكن يُمكنني أن أشكّ أنّه كان في داخلي أو أنّني كنت بكليّتي مُنغمسة فيه” (كتاب السيرة 10، 1).

مع نضوج حياتها الداخليّة، بدأت بتنمية العمل على إصلاح رهبانيَّة سيّدة جبل الكرمَل، فقد أسَّست سنة 1562 في آفيلا، وبدعم من أسقف المدينة، دون ألفارو دي ميندوسا، أوّل دير كرمليّ للإصلاح، وبعد فترة وجيزة تلقّت أيضًا موافقة الرئيس العامّ للرهبانيّة، جوفانّي باتّيستا روسّي. تابعت بِتأسيس أديرة كرمليّة، وعددها سبعة عشر ديرًا.

سنة 1568 كان اللقاء الأكثر أهميَّة مع القدّيس يوحنّا للصليب، فشكّلت معه سنة 1568 في دورويلو، وهي قريبة من آفيلا، دير الكرمليّات الحافيات الأوّل. وفي سنة 1580 نالت موافقة من روما وكانت نقطة انطلاق الكرمليّات الحافيات والكرمَليِّين الحفاة. في سنة 1582، وبعد تأسيس دير بورغوس وفي عودتها إلى آفيلا، تُوفّيت ليلة 4 تشرين الأوَّل في ألبا دي تورميس، ومع الإصلاح الغريغوري غدا هذا اليوم في 15 تشرين الأوّل، وهي تقول: “في النهاية، إنّي أموت إبنة الكنيسة، والآن يا عريسي حان الوقت كي نرى بعضنا البعض”. أعلنها البابا بولس الخامس طوباويَّة سنة 1614.

أعلنها البابا غريغوريوس الخامس عشر قدّيسة سنة 1622، وأعلنها أوَّل “ملفانة للكنيسة الجامعة” البابا بولس السادس سنة 1970. لم تكن أمّنا القدّيسة تريزا ليسوع ذو تنشئة أكاديميّة، ولكنّها عَايَشَت واستفادت من تعاليم كبار معلِّمي اللاَّهوت، والأساتذة الروحيّين. عاشت شخصيًّا اختبارات عظمى في عالم الروح ورأته في خبرة الآخرين (مقدّمة كتاب “طريق الكمال”).

كانت لأمّنا القدّيسة تريزا علاقات صداقة روحيّة مع الكثيرين من القدّيسين، لا سيّما مع أبينا القدّيس يوحنّا للصليب. وقد طالعت كتابات آباء الكنيسة، كالقدّيس جيرولاموس، والقدّيس غريغوريوس الكبير، والقدّيس أغوسطينوس.

من بين كتاباتها الكبرى والأكثر شهرةً هو: "كتاب السيرة"، وتدعوه كتاب "مراحم الربّ”. وقد دوَّنتهُ وهي في كرمل التجسُّد في آفيلا سنة 1565. هذا الكتاب يروي لنا مسيرتها الشخصيَّة والروحيّة، وغايته التركيز على حضور الله المملوء مراحم وعمله في حياتها: لذلك نجدُ فيه الكثير من حوار صلاة مع الربّ. هي لا تُخبرُنا فقط، بل تُظهر أنّها تعيش من جديد خبرة علاقتها مع الله العميقة. في عام 1566، كتبت تريزا “طريق الكمال”، وتُسمّيه: “تنبيهات ونصائح" تعطيها تريزا ليسوع للكرمليَّات”.

أمّا الكتابات الصوفيَّة الأكثر شهرةً أيضًا هو: "المنازل" أو “القصر الداخلي”، وكتبتهُ سنة 1577، وهي في مراحل نضجها الكامل. وفيه قراءةً جديدة لطريق حياتها الروحيّة، وتفصيلاً دقيقًا للسلوك الواجب للحياة المسيحيّة نحو الكمال، نحو القداسة، تحت عمل الروح القدس.

إنَّ “كتاب التأسيسات” كتبته القدِّيسة تريزا كمؤسِّسة للكرمليّين والكرمَليَّات الحفاة، بين سنتَي 1573 و 1582، تُخبرنا فيه عن حياة الجماعة الديريَّة. وتهدف إلى التركيز على عمل الله في تأسيس هذه الأديرة الجديدة.

إنَّ روحانيّة تريزا عميقة ومفصّلة. وتعطينا علامات وتفاصيل عن الفضائل الإنجيليّة كأساس لكلّ الحياة المسيحيّة والإنسانيَّة ومنها: التجرّد،
الفقر الإنجيليّ،
العيش في محبّة بعضنا البعض، وهو من العناصر الأساسيّة في الحياة الديرية وفي المجتمع؛
التواضع؛
العزم العازم كثمرة الجرأة المسيحيّة؛
الرجاء اللاهوتيّ وتصفه كَعطش للماء الحيّ وتعطيه مثل لقاء يسوع بالسامرية.
تشدِّد تريزا في حياة الجماعة الديرية على حياة التأمّل اليومي صباحًا ومساءً، وهو ركيزة الكرمَل الأساسيَّة، والركيزة الكبرى هي في قراءة الكتاب المقدّس والإصغاء الحيّ لِكلمة الرَّبّ. واللقاء مع يسوع في سرّ الإفخارستيَّا.

تُعطي القدّيسة أهميّة كبرى للصلاة تقول: “هو الدخول في علاقة صداقة، وجهًا لِوجه مَن نعرف أنّه يحبّنا” (كتاب السيرة 8، 5). بالنسبة لها الصلاة هي حياةٌ وهي تنمو يومًا فيومًا مع نمو الحياة المسيحيّة حيثُ تصل إلى اتّحاد المحبّة مع المسيح ومع الثالوث الأقدس. هذا النموّ هو تعمّق للعلاقة مع الله الذي يغمر كلّ الحياة. شخصيَّة هذه الأمّ القدّيسة تُعلِّم كلَّ مَن يقرأ كتاباتها كيفيّة الصلاة لأنَّها هي نفسها تُصلّي معه؛ فهي في كثير من محطَّات حياتها تروي لنا كيف كانت تترُكُ كلّ ما تعملُهُ لتنكبّ على حياة الصلاة والتأمّل مع الجماعة.

إنَّ الحياة المسيحيّة بالنسبة لأمّنا القدّيسة تريزا هي علاقة شخصيّة مع يسوع، في اتّحاد الحُبّ اللاَّمتناهي. (كتاب السيرة 33، 5).

إنّ مَن هي أولى ملافنةِ الكنيسة، القدّيسة تريزا ليسوع، هي لنا حقًّا معلّمة الحياة المسيحيّة والروحيَّة واستحقَّت عن جدارة لقب: "أمّ الروحانيَّات". إنَّ عالمنا اليوم، يفتقر في كثير من محطّاته إلى هذه القيم الروحيّة، وتريزا تعلّمنا كيف يجب علينا أن نكون شهودًا حقيقيِّين، لا يتعبون، بل تعلّمنا وتقودنا إلى الرغبة في رؤية الله، في البحث عنه، والحوار معه.

إنَّ شخصيَّة وروحانيَّة هذه القدّيسة، تطبع فينا حِسًّا جِدِّيًّا وجديدًا لِتكريس حياتنا للصلاة، والانفتاح على الله والإستسلام لإرادته في حياتنا، وللبحث عنه، ورؤيته، والدخول في علاقة صداقةٍ معه، ممتلئين من المحبَّةِ لهُ المتّقدة له ولعروستِهِ الكنيسته، ومحبَّةِ إخوتنا والقريب. صلاتُها معنا، آمين.

Liturgie

Icônes Carmélitaine

Vocation

Neuvaine

Prions avec Thérèse de Jésus

Rosario

Avec le Pape

Etude Bibliques

Prière et Méditation

Vive le Carmel

Chemin de Croix (Via Crucis)

Homélie

Chapelet du Saint Esprit