كتابة الأَب ميشال عبّود الكرمَلي
أَتَتْنِي إِحدَى التِّلميذَات، وعُمرُهَا حَوالي 12 سنة، تطرَح عليَّ سؤالًا اعتَبَرتُهُ مِن أَهْضَم وأَهَمّ الأَسئِلَة: "مَزبوط يا أَبُونَا إِنُّو يَسُوع بَعْدُو عَايِشْ؟ هِيكْ عَم بيقُول رفِيقِي".
ماذا نرى في هذا السؤال؟ نرى أَنَّ الـمَسِيح بالنِسبَة لها ولرفيقِهَا ما زالَ على قيدِ الـحَياة، ولكن بعيد، غَائِب، غريب، مختفِيًا عن الأَنظار، وحَالتُهُ تَستدعِي الإِستِغراب... وكأنَّهُ شَخصِيَّة عظِيمَة ولكِن ليسَ هنا....لا اختِبَار لـحضُورِهِ...
بعد سمَاعي لها، قلتُ: "نعم يسوع، بَعْدُو عَايِشْ، هوِّي حَيّ، حَاضِر بقلُوبنَا، لأَنّو مات وقام مِن بين الأَموات ... وانتصَر على الموت ... وهوِّي بيِسكُن بقلوبنا، وبالقربان، وهوِّي حاضر بكلّ مكان". جوابٌ يَحمِلُ حَقِيقَة، ويُثبِتُ قناعة فتاة صغيرة، ولكنَّ السؤَال يدعُونا إِلى التأَمُّل بعُمقٍ أَكثَر.
نعَم سؤَال يُسأَل:
1 - مَا الفَرق بينَ يَسوع وعُظَماء التاريخ؟
2 - هو علَّمَ؟ هم علَّمُوا أيضًا، وتركوا كتابات.
3 - كان لهُ أَتبَاع؟ وهم أَيضًا لهم أَتبَاع.
الفرق أَنَّهم مَاتُوا "وشَبِعُوا مَوتًا"، وإِنَّما، هو مَاتَ، وقَامَ مِن بين الأَموات، وهو حَيٌّ حَاضِر، إِنَّهُ هنا.... وهذا هو جَوهَرُ الإِيمَان الـمَسيحي، وهذا مَا أَوضَحَهُ القدِّيس بولس بقَولِهِ: "لو لم يَقُم الـمَسِيح لكَان إِيمَاننا باطِل".
شَاركَ يَسوع الإِنسَان في كلِّ شَيء، بالولادَة والأَلم والـمَوت، أَعطى لإِنسَانِيَّتِنَا مَعنَاهَا، بِعَيش إِنسَانيَّتِهِ، فغَدَونا نتَمَثَّلُ بِهِ بِكُلِّ مَواقِفِ حيَاتِنَا بسؤَالِنَا الدَّائِم: "لو كانَ الـمَسِيح مكَاني، ماذا كانَ فعلَ...". تأَلَّم وأَعطَى مَعنًى للأَلم، وَصِرنَا بآلامِنَا نُكمِلُ مَا نَقَصَ مِن آلامِهِ، كمَا يوضِحُ بولُس الرَّسُول.
إِنَّ الأَناجيل الأَربعَة أَجمَعَت كُلَّها، على ذِكرِ الآلام والـمَوت والقِيَامَة، وسِرّ الفِدَاء لا مِعنى لهُ، إلَّا بالـمَوت والقيَامَة معًا. قَامَ الـمَسِيح وأَعَاد الفَرحَة والسَّعَادَة إِلى قلُوب مَن أَحَبُّوه. لـم يَظهَر الـمَسِيح على بيلاطس، وهيرودُس، وقيَّافَا، وقَائِد الـمِئَة، وكلّ الَّذينَ رَفَضُوه، وتآمَروا عليهِ وقتَلُوه، بَل ظَهَرَ على الَّذِين تَبِعُوه في حَيَاتِهِ الأَرضيَّة، وكَانوا لهُ أَوفِيَاء، ولو أَنَّهم ضَعِفُوا وقتَ الـمِحنَة وهَربوا، والأَوَّل فيهِم كانَ بطرُس، إِذ أَنَّهُ أَنكَرهُ. وهَذا دليلٌ، أنَّ مَن يَختَبِر آلام الـمَسِيح، يَعبُر مَعَهُ إِلى مَجد القِيَامَة. هو القَائِل: "أَنتُم الَّذين ثَبتُّم مَعِي في مِحني أُوصِي لكُم بالـمَلكُوت.
بـمَوتِ الـمَسِيح وقيَامَتِهِ، انفَتَحَت السَّمَوات، وَعَرفنا عذُوبَة الـحيَاة الأبديَّة، الَّتي تبدأُ بإِيمَانِنَا بهِ، وقبُولَهُ مُخلِصًا على حيَاتِنَا. بقِيَامَة الـمَسِيح، نَعيشُ الرَّجَاء بأَنَّنَا سنكونُ معَهُ، ونَرثَ معَهُ ونكونَ أَبناءَ السَّمَاء. بقِيَامَةِ الـمَسِيح، نتَحَمَّل ونَصبِر على آلام هذِهِ الـحَيَاة، بِعَيشِنَا مَا قالَ بولُس: "كُلُّ آلام هذا الدَّهر لا تُوازي لـحظة مِنَ الدَّهر الآتي..."
بعد قيامَتِهِ مِن بين الأَموات، وظهُورِهِ على التَّلامِيذ، لم يَعرفُوه أَبدًا في البِدايَة، لأنَّ آخر صورة لهُ في أَذهَانِهم كَانت مُعَلَّقًا على الصَّلِيب مُعَذَّبًا، مُهَانًا، أَو صورَة آخِر ليلةٍ لهُ معَهُم في العَشَاء السِرِّيّ، ليلة آلامِهِ...الخ.
لم يَقدِرُوا أَن يَستَوعِبُوا، أَن يكونَ أَحد قَد قَامَ مِن بينِ الأَموات. الأَمر ذاته نعيشُهُ مع أَموَاتِنَا: تَبقى في أَذهَانِنَا آخِر صورَة لهم، وننوحُ ونَبكِي أَنَّهم خَسِروا هذِه الـحَياة، ولكِن العَكس هو الصَّحيح، لقد ربحُوا الـحياة مَع الرَّبّ. يجبُ أَن نؤمِن ونَسأَل: أين هُم الآن، كيف يعيشُون؟ إِنَّهم مع الرَّبّ، يعيشُون الفَرَح الأَبَديّ، حيثُ لا حُزنٌ ولا وَجَعٌ، حيثُ يكونُ لهم الرَّبّ هو الإِله الـحَقيقيّ، يمسَحُ لهم كلَّ دَمعَةٍ مِن عيونِهم....
قامَ الـمَسِيح، وفَرغَ القَبر، ليسَ ليكونَ هناكَ فرَاغٌ في الـحَياة، وإنَّما ليَسكُنَ قلُوبَنَا، ويُعطِينَا الـحَيَاة، فيُصبِحَ هو الـمَعنَى الأَوَّل والأَخِير لـِحَيَاتنَا.
الـمَسِيحُ حَيُّ، هو الأَوَّل والآخِر، إِنَّهُ حَاضِرٌ في كَنيسَتِهِ، وهُو رأسُهَا، أَليسَ هُو القَائِل لبولُس: "... لماذا تضطهدني؟..." مَع أَنَّ بولُس مَا كَانَ يَضطَهِدُهُ مبَاشَرَةً... وفَهِمَ عِندَئِذٍ أَنَّهُ بينَ الـمَسِيح والـمَسِيحيِّين اتِّحَادٌ وَثِيق.
بصعُودِ الـمَسِيح إِلى السَّمَاء، لم يترُك الأَرض، كَأَنَّما أَنهَى رحلَة كانت مُدَّتُها، حوالي 33 سنة، بَل رَفَعَ معَهُ إِنسَانِيَّتنَا، وأَعطَى مَعنًى لِلمَوت ولِلحَيَاة معًا، صَالـَحَ الأَرض والسَّمَاء، وأَعَادَ للإِنسَانِ استِحقَاقَهُ للفِردَوس، فأَصبَحَ الـمَوت عبُور إِلى الـحَيَاة الأَبدِيَّة، الَّتي على حَسبَمَا قالَ البَابا القدِّيس يوحنَّا بولُس الثَّاني: "نعبُرُ إِلى هنَاكَ، وعيُونُنا مَفتُوحَة، لأَنَّنا نَعلَمُ إِلى أَينَ نذهَبُ...".
نعم الـمَسِيحُ حَاضِرٌ هُنَا في قلُوبِنَا، نُكَلِّمُهُ، وهو يَسْمَعُنَا، هُو مُعطِي القُوَّة والثَّبَات، يُكَلِّمُنَا مِن خِلال الكِتَاب الـمُقدَّس والكَنِيسَة، نَسِيرُ مَعَهُ في دروبِ الـحَيَاة، عَلى مِثَالِ تِلميذَي عِمَّاوُس، وإِن أُعمِيَتْ عيُونَنَا عَن مَعرفَتِهِ، فَإِنَّهُ حَاضِرٌ يَكشِفُ لنَا عَن ذاتِهِ في كَسر الـخُبز، في القُربَان الـمُقدَّس.
نُور لْقيَامي بيَعطِيني لْحقِيقَة | بِفَهْم أَلآمَك بِحَمل صَلِيبي | |
بِعْلُن إِيمَاني بصَرخَة جَريئَة | إِنْتَ إِلهي وحدَّك نَصيبي | |
بقيَامتَك انفَتَحوا بوَاب السَّمَا | انكَسَر الشَّرّ والـخَير انتَصَر | |
قَلب الـحَزِين بِقَلبك احتَمَى | إِنتَ اللِّي الـحَاضِر بِقَلبْ البَشَر | |
قِمتْ مِن القَبر تَا تِسْكُن القلُوب | وتَعطِي الـحَيَاة لكِلّ الـخَلِيقَة | |
بْنَادِي بِإِسْمَك تَا تِبْقَى مـَحبُوب | يَسُوع الـخَلاص يَسُوع الـحَقِيقَة |