"مـــريــــــــم، حيثُ الفرَح والحبّ لا يفتـرقان" (عرس قانا، يوحنا 2 : 1 – 12)

كتابة: الأخت نادين العاقوري الكرمَليّة
(الراهبات الكرمَليَّات للقدّيس يوسف – الـمشرف)


مريم!
هذه المرأة في مرحلة الشباب من عمرها جسدًا وروحًا.


مريم!
هذه المرأة في مرحلة الشباب من عمرها جسدًا وروحًا.
هي طريق حبٍّ متجدّدٍ أبدًا.
هذا الطريق الـمدعوّ كلّ واحد منّا إليه. مريم حقّقته.
فعبر روح صباها وعشقها لله، استطاعت أن تكون أرض التفاعل بين الحبّ والـمجد، حيث الفرح والحبّ لا يفتـرقان.
إنّ الفرح يدلّ على الحبّ . الفرح والحبّ هما واحد. عندما نحبّ نجد الفرح، وعندما يضيع الفرح يكون الحبّ غريبًا عن نفسه.
فمريم بكلّ ما تحتويه، هي التعبير الأرقى والتدبير الأسمى للحبّ والفرح في آنٍ معًا. ففي عرس قانا هي التـي كانت ساهرةً بعين الآب وبيقظة الروح على حلول ساعة الإبن لكي يتمجّد.
نعم في عرس قانا حيث كان يسوع وأمّه مدعوّيْن، طلبت مريم من يسوع لأوّل مرّة بأن يظهر مجده. نعم ! الحدث هو العرس.
عرسٌ يُحتفلُ به حبُّ عريسين.
إمرأة ورجل يتوّجان الخليقة بحبّـــهما في عرس زمنــيّ.
فالخمرة هي رمز الغبطة والفرح، فهي شرط تتويج حبِّ العريسين. علامة عهد وبذل أبديّ.

نفذ الخمر!
هذا الحدث غير الطبيعي في عرسٍ، يشيـر إمّا إلى عدد الـمدعوّين الكبير، إمّا إلى حالة الإفراط في احتساء الخمرة، إمّا إلى خطأ في التدابير الـمسبقة الّتـي اتُّخِذَت للعرس.
أيًّا كان السبب، هناك من تنبّه للأمر وقدّر قيمة هذا النقص!

هناك تقليد يـهوديّ يقول أنّ الخمرة تقدّم مرّتيـن في العرس:
1) تقدّم الكأس الأولـى من قبل الذي يتـرأّس الحفل فـي بداية الوليمة أثناء كسر الخبـز. وهذا يعطي معنًى للـخبز والخمر على أنّـهما علامة ترحيب وحسن ضيافة.
2) وتقدّم الثانية قبل انتـهاء الوليمة، وتسمّـى هذه الكأس "كأس التقدمة الإفخارستيّة" لأنّـها ترمز إلى البـركة والشكران.

ففي العشاء السرّيّ للمسيح مع تلاميذه، أخذ يسوع الكأس الثانية ليباركها ويشكر الله عليها، إذ كانت هي الرمز للعهد الجديد الذي أقامه الله مع البشر بدم ابنه على الصليب.

فالنقص في قانا كان عند الكأس الثانية. كأس البركة والشكران للعهد الجديد. نقص أساسيّ للوليمة. إنّنا نفهم الآن لماذا تدخّلت مريم. لأنّ هذا النوع في النقص ليس مقبولًا ولا بشكلٍ من الأشكال.

فاضطراب مريم سيجعلها تتدخّل لتتشفّع.
مريم تتشفّع للفرح، للابتهاج والسرور.
مريم التي تحمل في ذاكرتها صدى ضحكة الله على مدى العصور : هو الذي جعل سارة تضحك عندما بشّرها بحملها باسحق (إضحك). هو الذي أسمعها ابتهاج يوحنا وفرحه في بطن أمّه أليصابات عند استقبال هذه الأخيرة لـمريم.
هو الذي جاء إليها وبشّرها بحبل ابنه وقال لها: "إفرحي يا ممتلئة نعمة، الربّ معك".

نعم ! مريم حبلت بالفرح الإلهي لأنّ ذاكرة الكلمة التي قرأتها في حياتها لم تنفذ، كالخمرة الجديدة في قانا. أجل مريم حبلت بضحكة الله أوّلًا. فيسوع هو فرح البشريّة: "سأبشّركم بفرحٍ عظيمٍ يكون فرح الشعب كلّه: ولد لكم اليوم مخلِّص".

فمريم هذه، قامت وقالت ليسوع : "لقد نفذت خمرة الإفخارستيّة!"
فردّ يسوع أيضًا باضطراب بأنّ وقت هذه الخمرة لم يأتِ بعد، لذلك أجابها: "ما لي ولكِ يا امرأة، لم تأتِ ساعتي بعد".
وبما أنّ ابن الآب هو تجسّد صدى ضحكة الله عبر العصور واكتمالها، لم يستطع أن يسدّ أذنيه عن إكتمال هذه الضحكة وحجبها عن المدعوّين.

أتت الساعة ودخل يسوع وبدأ عمل الآب!
أمّه! كانت منهمكة مع الخدم. تهيّئ قلبهم لطاعته: "مهما قال لكم فافعلوه".
فقال يسوع للخدم: "إملأوا الأجران". امتلأ الفرح بالثقة والحبّ.
إملأوا، اغرفوا وناولوا... أفعالًا بسيطةً ردّدها يسوع ونردّدها كلّ يوم في حياتنا وتبقى بعيدة عن عمق معناها. صحيح أنّ هذه الأعمال بسيطة وتتردّد في يوميّاتنا. لكنّها على بساطتها تحمل في طيّاتها المعنى الحقيقيّ الجوهريّ الذي أعطاه المسيح لها.

مَن قال: إملأ، قال: أفْرِغْ. أي يجب أن يكون هناك مكان فارغ ناقص مثل هذه الأجران الستّة الفارغة فـي نص قانا الجليل لنملأها. وما هو هذا الفراغ إلاّ فراغ القلب من كلّ ما هو غريب عن الله.
ومَن قال: اغرف، قال: إملأ. فلا يُمكن أن نغرف إلّا من الـملآن.
وما هو الـملآن إلاّ هذا القلب الـمليء من فرح الحبّ... فرح الـمسيح.
ومَن قال: ناول، قال: اغرف لتُناوِل. والذي سيُناول هو الذي تناول أوّلاً خمرة الـمسيح وسكر بحبّه ليُناول بدوره هذا الحبّ.
فالـمناولة هي فعل شراكة الثالوث مع الإنسان بخمرة الـمسيح. وهي أيضًا فعل شكر مسبق لإظهار مجده وإعطاء ذاته لكلّ إنسان بمجانية مطلقة تفوق كلّ تصوّر وعقل : "خمرة الصليب".

أسقى يسوع هذه الكلمات خمرًا، فسكرت من ماء الحياة. هكذا سُكبت وغُرفت فينا خمرة لتتحوّل إلى أنهار مياه حيّة نسقي بها كلّ عَطَش.
جميع الـحقوق مـحفوظة لـِلمَوقِع الإِلكتروني لرهبانيَّة الكرمَليِّين الحفاة في لبنان ©

Liturgie

Icônes Carmélitaine

Vocation

Neuvaine

Prions avec Thérèse de Jésus

Rosario

Avec le Pape

Etude Bibliques

Prière et Méditation

Vive le Carmel

Chemin de Croix (Via Crucis)

Homélie

Chapelet du Saint Esprit