زواج الأرض من السماء: معنى الميلاد في كتابات القدّيس يوحنا الصليب


كتابة الأب جان عبدو الكرمَلي


إنَّ علاقة الله بالانسان هي علاقة حب تبدأ من الأزل وتمتد إلى الأبد. وإرادة الله هي أن يقيم عهدًا مع الانسان، وهو الاتحاد به بالمحبّة. لذا ان الحب والاتحاد بالله هما الموضوعان الأساس في روحانية القدّيس يوحنا الصليب. وأي تشبيه أجمل بأن يصور ذلك الاتحاد كاتحاد حبيب بحبيبته في الزواج؟ ولماذا الزواج؟

لأنه في الزواج المسيحي عقد وعهد، في الزواج المسيحي وحدانية (La monogamie)، في الزواج المسيحي ديمومة (L'indissolubilité)، في الزواج المسيحي حب، وفي الزواج المسيحي أمانة.

«أتزوجك إلى الأبد ،يقول الرب، أتزوجك في الحب والحنان، أتزوجك في الأمانة فتعرفين الله» (هو2\21-22).

إن الهنا اله "مغروم" ببشريته منذ القدم. نقرأ في العهد القديم كيف أنه يظهر حبه للانسانية كحب عريس لعروسه فيقول: "لأنه هكذا قال رب الجنود. بعد المجد أرسلني إلى الأمم الذين سلبوكم لأنه من يمسكم يمسّ حدقة عينه» (زكريا 2،8). وهو اله غيور، ففي حبه غيرة العريس على عروسه: "فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لإِلهٍ آخَرَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ. إِلهٌ غَيُورٌ هُوَ» (زكريا 2،8) . فالله-العريس، المحب والمخلص والغيور "مغروم" بالبشرية-العروس، الضعيفة والخاطئة والخائنة للعهد. أما الهنا هو نفسه الذي قال أن «ما من حب أعظم من هذا ، أن يبذل الانسان نفسه عن أحبائه» (يوحنا 15:13) وهذا ما كان. فكانت غاية الله ان يرفع تلك البشرية-العروس من ضعفها وخطيئتها ويجعلها آلهة. لذا أرسل الابن محملا بمحبة من محبته الخلاصية لتدفعنا الى عيش المحبة نفسها بكل ابعادها. فالتجسد اذًا هو مشروع الله الخلاصي منذ الازل، جاء يعرضه علينا ليجدّد علاقتنا به ويعيدنا الى حضنه الابوي. وكيف كان ذلك؟ بزواج الله-العريس من البشرية-العروس، زواج الأرض من السماء.

ما هو اذا هذا الزواج؟
هو عندما اخلى ابن الله ذاته واتخذ له جسدا، أي اتخذ له طبيعة بشرية. زواج الأرض بالسماء هو عندما يصبح جسد المسيح، جسد ابن الله، مكان تبادل بين موتنا وخيانتنا له، وبين حياته هو وإخلاصه لنا. هو عندما وحّدّ الربُّ لاهوتَه بناسوتِنا، وناسوتَنا بلاهوتِه، عندما وحَّد حياتَه بموتِنا وموتَنا بحياته، عندما أخذ ما لنا ووهبنا ما له لكي يُحيينا ويُخلِّصنا.

فلنتأمل اذا مع القديس يوحنا الصليب، كيف أنه في قصيدته "غنائية في البدء" يصف لنا هذا العرس الذي لا مثيل له. عرس نطقت خلاله السماوات فيقول الله لابنه:

"عروسًا تُحبُّكَ،
يا ابني، أودُّ أن أعطيكَ،
فتستحقُّ، بقدركَ،
أن تُلازمَ صُحبتَنا،
وتأكلَ على مائدة خبزًا،

هو نفسُهُ الذي آكُلُه
ولكي تعرف الغنى
الذي أملكه في مثل هذا الابن
ولتتنعم وإياي ببهائك ونضرتك"


إن قصد الله هو دعوة البشرية جمعاء للاتحاد به ومشاركته حياته، أي الحياة الأبدية. بشرية تشاركه حياته الأسرية. إنه آب سعيد بابنه الوحيد، ويريد أن يتقاسم سعادته مع آخرين، فشرع يبحث له عن عروس تليق به، تأكل على مائدته، تشاركه خبز الحياة الأبدية.

«... وإذ كان قد حلّ الزمان
الذي كان يجب أن يولد فيه،
هكذا مثل عريس،
خرج من خدره
معانقا عروسه...»


فها هو الكلمة يخلي ذاته، عريسا يخرج من بيته، من لدن الله نفسه ليعانق عروسه.
«....معانقا عروسه التي يحملها بين ذراعيه،

والأم البهية، وضعته في مذود بين بعض البهائم
التي وجدت هناك صدفة.
كان البشر يرنمون أناشيدا،
والملائكة أنغاما.
احتفاء بالعرس التام بين ذينيك الاثنين....»


فالميلاد اذًا هو عرس، والعريس هو المسيح والبشرية هي العروس.
«...لكن الله في المذود
كان، هناك، يبكي وينتحب،

تلك كانت جواهر العروس تحملها إلى العرس...»


ومن جهةٍ كانت العروس مهيأة لعرسها، حاملة مهرها منتظرة. وأي مهر تقدمه تلك العروس بشريرة لعريس خرج من سماوات ومجد؟ وأي جواهر حملت؟ وهل الملك بحاجة إلى جواهر؟! حملت العروس ضعفها وخطيئتها مهرا تقدمه لعريسها مخلصها.



«... والأم كانت في ذهول
لرؤيتها هذا التبادل:
في الله بكاء الانسان،
وفي الانسان السرور،
وهو عن الأول والآخر
أمرا، عادة، غريب جدا ...»


دموع وآهات، حسرات وأوجاع، هذا ما قدمته العروس لعريسها. تزوج الله من بشريته. تزوج بشرية خاطئة وهو أي الله، في المقابل، أعطاها فرحه وسعادته.

«في الله بكاء الانسان، وفي الانسان السرور، وهو عن الأول والآخر أمرا، عادة، غريب جدا»؛ تبادل رائع بين الإنسان-العروس والله-العريس! فيا لسرّ التجسّد العظيم. اذ أصبح جسد يسوع وإنسانية يسوع المقام الأسمى لتحقيق العهد بين الله والبشر. فسرّ الزواج وسرّ التجسّد، هو كل في واحد. انه المشاركة الحقيقية، والعطش الداخلي الحقيقي من أجل الاتحاد بمن نعرف أنه يحبنا. لأننا ملكٌ حقا لعريسنا يسوع، كما أن العروس لعريسها. وجسد المسيح بدوره هو ملكٌ لنا فقد أعطاه لنا غاليا: «هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم". فيسوع هو لنا في القربان المقدس، يلمسنا ويجمعنا به. تجسَّد كي يتزوَّج بنا، يلمسنا ويتَّحد بنا، وهذا التجسُّد كان لنا شفاء وخلاصًا وفرحا وألوهة.


Liturgie

Icônes Carmélitaine

Vocation

Neuvaine

Prions avec Thérèse de Jésus

Rosario

Avec le Pape

Etude Bibliques

Prière et Méditation

Vive le Carmel

Chemin de Croix (Via Crucis)

Homélie

Chapelet du Saint Esprit