في الكرمَل: الأخت ريموند يزبك للعذراء مريم
قال الربّ يسوع: «… لن أبقى في العالَم، أمّا هُم
فباقونَ في العالَم، وأنا ذاهبٌ إليكَ. أيُّها الآبُ القُدُّوس، إحفَظْهُم باسمِكَ الذي أعطَيتَني، حتى يكونوا واحدًا مِثلَما أنتَ وأنا واحدٌ». (يوحنا 17: 11)
عندما طُلبَ منّي أن أكتبَ عن دعوتي ودخولي في حياة الكرمَل العلماني، توقّفتُ لبرهةٍ، أعادتني إلى مراجعة حياتي، عبرَ محطّاتٍ عدّة، سأسردها لكم في هذه السطور:
في بداية حياتي الروحيَّة التي كنتُ أعيشها ضمن عائلةٍ مسيحيّة، كنتُ أمارسُ فيها واجباتي المسيحيَّة كأيّ شخصٍ عاديّ، مؤمن، وملتزم.
شيئًا فشيئًا، توصّلت إلى أن أَترك كلّ ما لديَّ من عملٍ ومسؤوليَّات، لأخصِّص وقتًا قصيرًا في المساء للصلاة وقراءة الإنجيل المقدَّس،
والتأمّل في كلمةِ الله. وُلدَت لديّ الرّغبَة يومًا بعد يوم في التعمّق أكثر فأكثر بإلتزامي المسيحيّ الذي مُنِحَ لي في سرّ المعموديّة المقدّسة، وهذه الرّغبة نمَت عبرَ صلاتي اليوميّة، والمرافقة، والإرشاد الروحيّ الذي ساعدني
لأكتشفَ دعوتي، والإنتقال من الإنخراط الطبيعي إلى الإلتزام بوعي وإرادة حرّة تدعوني إلى عيش الوحدة بالمحبة كما أنّ الآب والإبن واحد.
هذه الخطوة الكبرى في حياتي، بدأت عندما تعرّفت على جماعة "الرّهبانيّة العلمانيّة للكرمَل الحفاة" من خلال صديقةٍ لي إسمُها جورجيت حبيش، تنتمي بدورِها إلى هذه الجماعة، وكنتُ قد التقيتُها قبل شهرين، من تاريخ 15 تشرين الأوّل، وهو اليوم الذي فيه تحتفل الكنيسة والرهبانيَّة الكرمليَّة في العالم بعيد المُصلحة الكبيرة القدِّيسة تريزا ليسوع الأفيليّة. لقد أخبرتني باختصار عن تريزا الأفيليّة وحياة الكرمَل، وعرضَت عليّ: «لما لا أشارك معها في الإحتفال بعيدها يوم 15 ىتشرين الأول»، ومع تريزا بدأَت مسيرتي في الكرمَل ومع هذه الجماعة.
إسمي ريموند جورج يزبك، من قريةِ رمحالا – قضاء عاليه،
* دخلتُ الكرمَل يوم 15 تشرين الأول سنة 2000، في عيد القدّيسة تريزا ليسوع الأفيليّة، وكان أوّل لقاء لي مع جماعة الكرمَل العلماني.
* إتشَحتُ بثوب الكرمَل المقدّس في 19 كانون الأوّل سنة 2000، في هذا الوقت القصير، بعد التقييم، وموافقة مجلس الجماعة، ومتابعة حضوري وإلتزامي في الإجتماعات.
*أبرَزتُ الوعود البسيطة في 17 كانون الثاني سنة 2003 (يوم عيد القدِّيس أنطونيوس الكبير- أبِ الرهبان).
* أبرَزتُ الوعود النهائيّة في 15 تمّوز سنة 2006. (عشيّة الإحتفال بعيد القدِّيسَة مريم العذراء سيّدة جبل الكرمَل).
عبرَ حياتي التكرّسية والتزامي في رهبانيّة الكرمَل المقدَّسة، والغوص في كتابات قدّيسها، اكتشفتُ أهميّة هذا المكان، فالكرمَل لي هو هذه المدرسة التي منها اغتنيتُ عبرَ التنشئة الروحيّة، والكرمليّة، والتنشئة المستمرّة.
في الكرمَل أيضًا، وجدتُ أهميّة الوقت المُعطى للصلاة، والصمت، والإصغاء لكلمةِ الله. وعرفتُ ميزات هذه الروحانيَّة الكرمَليَّة عبرَ عيشي اليوميّ، بالتأمّل، والنظر دائمًا إلى دور العذراء مريم، والغيرة الرسوليّة، والشركة الأخويّة…
إنَّ إختباري الشخصيّ عبرَ هذه السنين الستة عشر من مسيرتي مع جماعة الكرمَل العلماني، وإبراز وعودي بقرار شخصي وبإرادة حرّة، وتحت حماية سيّدة جبل الكرمَل أدركتُ بملء الإيمان أنَّ الحياة التكرّسية، هي حياةٌ ملؤها يسوع ومع يسوع ومن أجل يسوع وحدَه، وإعطاؤها للآخرين. كما وأدركتُ أيضًا أنَّ الحياة التكرّسية هي دعوة، وأمانة، ومسؤوليّة تُشكِّل حدثًا في حياة الملتزم (بروز هويّة جديدة).
ما أريد أن أقدّمهُ في شهادتي هذه لدعوتي في الكنيسة والكرمَل هو: بأن ندرك أهميّة دعوتنا وعظمتها، وأهميّة مسيرة هذا التكرّس الذي محورهُ صديقٌ واحد وهو يسوع وحده، وعلينا أن نعطيه للعالم عبر اختباراتنا اليوميّة المعاشة، أي أن نكون في قلب العالم مسيحًا آخر يحملُ في عمقهِ ملءَ الفضائل الإلهيّة، الإيمان، الرجاء والمحبّة.
نظرًا لخبرتنا اليوميّة، علينا أن نعي أيضًا أهميّة الوحدة بالمحبّة التي لا تسقط كما يقول القدِّيس بولس (1 كورنتس13: 8)، بل تنمو يومًا بعد يوم حيث كلُّ شيءٍ يبدأ بنداء، دعوة، بإنجذاب، تعارف متبادل، يقودنا إلى من هو "الحبّ والنور والحياة" كما تقول الكرمليّة الشابّة، الطوباويّة أليصابات للثالوث. (كتاب الأعمال الكاملة للطوباويَّة أليصابات للثالوث).
طبعًا وفي الواقع إنَّ هذا سهلٌ قولاً، لكنّه صعبٌ فعلاً…!!! والموضوع الأهمّ يبقى في إدراك سموّ وعظمة دعوتِنا(الرياضة الروحيَّة، كتاب الأعمال الكاملة للطوباويَّة أليصابات للثالوث)، عبر شتّى الأحداث ومحطّات حياتنا اليوميّة واختباراتها، لأنَّ العلاقة مع الله تتطلب الكثير حين تتعمّق أكثر فأكثر في ملءِ حبّه لنا اللامتناهي.
في 31 / 5 / 2016