Page d'accueil Centre Carmélitain de Spiritualité
لاهوت الحياة الروحيَّةّ


ازداد بعد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الاهتمام بالروحانيَّة أو بالحياة الروحيَّة لأن المجمع، في دستوره العقائدي عن الكنيسة، "نور الأمم"، أعلن بكل وضوح عن الدعوة الشاملة إلى القداسة. ويقول البابا بولس السادس في رسالته العامة الأولى بُعيد انتخابه: "يسرّنا أن يتضاعفَ الإهتمام بمسائل الكمال؛ وذلك ليس من أجل ابتكار نظريات جديدة، بل في سبيل توليد طاقات جديدة" (كنيسة المسيح).وهو يُلمِّح بذلك إلى أن زمنَنا بحاجةٍ إلى أن نقدِّم للمؤمنين حوافزَ ووسائلَ عملية تحثهم على عيش القداسة التي دُعوا إليها.

ولا بدّ من الإشارة إلى إلحاح البابا يوحنا بولس الثاني في عظاته ورسائله على هذه الدعوة الشاملة إلى القداسة، وتفصيلها وتطبيقها عمليًّا على حالات الحياة المتنوعة. وقد قال في إحدى عظاته: "الرَّبّ يقول لكم في هذا اليوم إن أكبر عطية يمكنكم أن تقدّموها للكنيسة وللعالم هي القداسة" (7 أيلول 2004).

فالقداسة هي عمل الرّوح القدس؛ لكنها تتطلّب تعاونَ المؤمن. فكيف يتعاون إن لم يعرف ويفهم ما يُطلب منه؟ والدعوة الشاملة إلى القداسة تدلّ على أن كلّ مؤمن في أيّة حالة يعيش، هو مدعوّ إلى تحقيق مشروع الله في حياته أي أن يبلغ القداسة. وذلك يعني أنّ للقداسة مساراتٍ مختلفة تناسب الحالات الخاصة. لذلك كان من الضروري أن يعيَ كلُّ مؤمن الطريقَ الذي هو مدعو إليه، وأن يتصرّف بعلم وفطنة في عالمه ومحيطه.

وكما أن الحياة البشريّة تفترض تنشئةً وتعلّمًا وتدرّبًا لبناء الشخصيّة الذاتيّة، كذلك يحتاج السالك في الحياة الروحيّة إلى تنشئةٍ وتدرّبٍ وتثقيف، كما يحتاج إلى معلّمين ومرافقين لا تنقصهم الخبرةُ ولا الفطنةُ ولا العلم وحسنُ التمييز. وكل مؤمنٍ هو عضو في جسد المسيح، ينمو فيه، وعليه أن يؤدّي خدمةً خاصّة به. فهو بحاجة إلى من يساعده على اكتشافها واختيارها، ويعدّه لها، مثل الكهنة والرعاة والمرافقين الروحيين والمعرّفين؛ وهؤلاء هم بحاجة ماسّة إلى معرفة خبيرة بطرق القداسة الشاملة ليرافقوا من يرعونهم بجدارة ويرفعوا العثار من أمام خطواتهم.

وأخيرًا، كلّ من تعمَّق في الدراسة اللَّاهوتيّة وازداد فهمًا للعقيدة الإيمانيّة، وجد نفسه يفتقر إلى رؤية متناسقة تُظهر تطوّر سرّ الخلاص في عيش الإيمان. عندها تصبح دراسة الروحانيّة أو اللَّاهوت الروحيّ أشدّ ضرورة من أيِّ دراسة أخرى. وهنا لا بدّ لنا من التنويه بما للروحانيّة الكرمليّة من مكانة في هذا المجال، إذ إن معلّميها الثلاثة أغنوا علم الروحانيّات( La Spiritualité) بخبرتهم المميّزة، بشكل لا يسع الرهبانيّة معها أن تحتكر ما علّموه وما خبروه.

فالروحانيَّة تعني أحيانًا تقوى أو علاقة خاصة بالله. أما هنا فهي تدل على الحالة التي يمتاز بها الكائن الروحيّ. والكلمة صيغة علمية اصطلاحيّة، تُنسب إلى كلّ الأمور المتعلّقة بموضوع الحياة الروحيّة: منها الأصول، والنمو، والوسائل والمراحل، والتحولات التاريخيّة، والروحانيات الخاصة والمدارس الروحيّة.

أما اللَّاهوت الروحيّ فهو فرع من اللَّاهوت العام، يَدرس بطريقة شموليّة منظّمة، انطلاقًا من الوحيّ الإلهيّ والخبرة المميّزة، الإستيعاب المتنامي لسرّ المسيح في حياة المؤمن والكنيسة، في مسارٍ ثابتٍ ومتدرّج نحو الكمال والقداسة. وهذا التعريف يلحظ أربعة عناصر أساسيّة:

فرعٌ من اللَّاهوت يعني أنه علم موضوعي مع خبرة راسخة مميّزة، ولا تكفي ظواهر التأثر الإيماني البسيط أو العابر أو المشاعر الدينيّة الطارئة.

موضوع الدراسة هو الحياة الروحيّة أي عيش الانسان لسرّ المسيح مع تطوّرها ومراحلها.

طريقة الدراسة هي تكامل بين الطريقة اللَّاهوتيّة التي تقوم على دراسة العقيدة الإيمانيّة والاستنتاجات التطبيقيّة.

خبرة القدّيسين والصوفيين
نجد مصداقيّةً خاصّة في خبرة القدّيسين والصوفيين الذي أقرَّت لهم الكنيسة هذه الصفة. فحياتهم وكتاباتهم تشكّل مرجعًا هامًّا للخبرة واللَّاهوت الروحيّ. كما نجد فيها الملامح الواضحة للمعرفة المباشرة.

فالقدّيس أُنعِمَ عليه أن يتصل مباشرة بالواقع الذي يكوّن الحياة المسيحيّة. وحقائق الإيمان تجد فيه أرضًا خصبة فتزهر وتخصب وتنشر رائحة المسيح الطيّبة. فالقدّيس يعرف بالخبرة، المسيحَ الحاضر والكنيسة التي تلد الحياة في المؤمن والثالوث وسكنى الرّوح القدس وديناميّة المحبّة الأخويّة العمليّة والفضائل الإنجيليّة. وقد نجد عند بعض الصوفيين عناصرَ مقارنةٍ وتقييمٍ روحيّ للحالات وبدايةَ وصفٍ للمراحل. وعند المميَّزين منهم نجد لاهوتًا روحيًّا متكاملاً يشمل مستويات الخبرة المسيحيّة العاديَّة والخارقة والصوفيّة.

Centre Carmélitain de Spiritualité

Centre Carmélitain de Spiritualité

Centre Carmélitain de Spiritualité