يوم تطويب إليزابيت للثالوث الراهبة الكرمليَّة الحبيسَة
هذه المُعاصرة تقريبًا لتريز الطفل يسوع، اختبرت إليزابيت للثالوث بعمق حضور الله، ونضجت في هذا الاختبار بطَريقة مُدهشة في بضع سنوات عاشتها في الكرمل. كانت كاملة، ومُقدَّرةً من قِبَل أصدقائها، ومرهفةً في عاطفتها نحو أهلها. وها هي تتفتح في صمت التأمل، وتشعّ بفرح نسيان الذات التام؛ تستقبل بدون تحفُّظ عطية الله، ونعمةَ العماد والمصالحة؛ وتستقبل على نحوٍ رائع حضورَ المسيح في الإفخارستيا. إنها تعي، بدرجة مميَّزة، المشاركة التي يمنحها الرب لكل خليقة.
واليوم، إننا نجرؤ، أن نقدِّم للعالم هذه الراهبة المحصَّنة التي عاشت حياةً : " محتجبةً مع المسيح في الله " (قول 3/3) لأنها شاهدٌ ساطع على فرح التأصُّل في المحبة والتأسُّس عليها (أف 3/17). أليصابات تحتفل ببهاء الله، لأنها تعلم أنها مسكونةٌ في عمق أعماق ذاتها بحضور الآب، والابن، والروح القدس، وفيه تعرف أنه حقيقة الحبّ اللامتناهي والحي.
لقد عرفت إليزابيت الألم الجسدي والنفسي. ووهبت ذاتها كليًّا، متحدّةً بالمسيح المصلوب، متمِّمةً في جسدها آلام الرب (قول 1/24)، واثقةً دائمًا بأنها محبوبة وبأنها قادرة على أن تُحِب. إنها تهب بسلام حياتها الجريحة.
إن إليزابيت تُعطي إنسانيتنا التائهة التي لم تعد تعرف كيف تجد الله أو التي تشوّه صورته، والتي تبحث عن كلمة لتؤسِّس عليها رجاءها، إنها تعطيها الشهادة بالانفتاح الكامل على كلمة الله التي استوعبتها حتى أصبحت غذاءً لتفكيرها ولصلاتها، وحتى وجدت فيها كل أسباب الحياة وتكريِس الذات تسبحةً لمجد الله.
هذه المتصوِّفة، البعيدة عن أن تنعزل، عرفت كيف تشارك أخواتها وأقاربها في غنى خبرتها الصوفية. واليوم تنتشر رسالتها بقوة نبوية. ونحن نبتهل إليها، هي تلميذة تريز ليسوع ويوحنا الصليب، كي تُلهم كل أُسرة الكرمل وتساعدها؛ كي تساعد الكثير من الرجال والنساء، في الحياة العلمانية أو المكَرّسة، على أن يستقبلوا " فيض المحبة اللامتناهية" التي استقتها " من نبع الحياة" ويشاركوا فيها.
إن الكنيسة، وفيما تنظر إلى هذه الوجوه الرفيعة الثلاث، ترغب اليوم في إعلان الإيمان الرسولي بملكوت المسيح، والتأكيد على أن الكنيسة تؤمن فعلاً بأنه يملك، لأنه : " قد قام من بين الأموات وهو بكر الذين ماتوا " (1قور 15/20).
إن المسيح هو الأول الذي انتصر على الموت، في تاريخ الناس الذين غلبهم الموت. إنه انتصار له، وفي الوقت عينه انتصارٌ لنا : " وكما يموت جميع الناس في آدم، فكذلك سيحيون جميعًا في المسيح " ( 1قور 15/22).
وكل الذين ينتمون للمسيح بالنعمة والمحبة، لهم في ذاتهم الحياة الجديدة : حياة الملكوت المُعَدّ من الآب " منذ إنشاء العالم ". وانتصار المسيح يتحقق، في هذه الحياة الجديدة على كل ما يعارض ملكوت الله في الخليقة المنظورة وغير المنظورة : " فلا بد له أن يملك " حتى يجعل جميع أعدائه تحت قدميه" وآخر عدو يبيده هو الموت " (1قور 15/25-26).
إن الآب الأزلي لم يُحضِّر منذ إنشاء العالم، ملكوتَ النعمة والمحبة فقط، وملكوت الحياة الجديدة والحياة الأبدية، لكنه أيضًا " سلَّمَ كمهمة " هذا الملكوت إلى ابنه الأزلي، عندما صار إنسانًا.
إنّ كل الذين، قَبِلوا المُشاركة في هذه المهمّة الخلاصية والفدائية، من كل أمة، وجيل، وعِرق، وزمان وكنيسةٍ على الأرض، هم ينتمون إلى المسيح. وهم ينتظرون أيضًا الشهادة الأخيرة عندما يأتي المسيح في نهاية العالم " ليُسَلِّم المُلك إلى الآب " (1قور 15/24).
إن ملكوت الله سيجد كماله حين سينتهي التاريخ البشري. فهو يتحقّق حيث ابتدأ : في محبة الآب المُعطاة حتى الملء بمحبّة الابن : " ومتى أُخضِعَ له كلُّ شيء، فحينئذٍ يَخضع الابن في ذاته لذاك الذي أخضَعَ له كلَّ شيء، ليكون الله " كلَّ شيء في كل شيء " (1قور 15/28). هذا هو المعنى النهائي لملكوت الله : الله هو كل شيء في كل شيء.
طوبى للذين قَبِلوا هذا المعنى، فاتحين له قلوبهم، ومكرِّسين له أعمالهم " تعالوا، يا مبارَكي أبي ورثوا الملكوت ".